الصفحة الإسلامية

مفاهيم أهل الحل والعقد وأولي الأمر والشورى في القرآن الكريم والروايات (ح 5)


الدكتور فاضل حسن شريف

في قوله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء 59) فان مفسرين صنفوا اولي الامر بالعلماء. ورد في معاني القرآن الكريم عن كلمة أولي: أول التأويل من الأول، أي: الرجوع إلى الأصل، ومنه: الموئل للموضع الذي يرجع إليه، وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه، علما كان أو فعلا، ففي العلم نحو: "وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم" (ال عمران 7).

من الدروس المستخلصة من قصة أصحاب الاخدود الإصرار في الوقوف ضد الظالم مهما كانت الطريقة التي جاء بها ان كانت طريقة الحل والعقد أو الشورى مهما تجبر ومهما كانت النتائج حتى المعرفة بان التضحية ستكون في مقابر جماعية وحرق. قال الله تبارك وتعالى "وَلاَ تَرْكَنُواْ إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ" (هود 113) و "وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ" (الشورى 39) و "وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ " (ابراهيم 42)، و "مَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُواْ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ" (البقرة 194) ، و "وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَ" (الشورى 40).

جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: المفسر المعروف الفخر الرازي يقول (ذلك المعصوم إمّا مجموع الأمّة أو بعض الأمّة، و لا يجوز أن يكون بعض الأمّة لأن إيجاب طاعتهم قطعا مشروط بكوننا عارفين بهم، و نحن عاجزون عن الوصول إليهم، و إذا كان الأمر كذلك علمنا أنّ المعصوم الذي أمر اللّه المؤمنين بطاعته ليس بعضا من أبعاض الأمّة، و لمّا بطل هذا وجب أن يكون ذلك‌ المعصوم الذي هو المراد بقوله: "و أولي الأمر" هم أهل الحل و العقد و من الأمّة(أي الأمّة كلها و ذلك يوجب القطع بأن إجماع الأمّة حجّة). و بعبارة أخرى إن منصب الرسالة و منصب أولي الأمر منصبان مختلفان اجتمعا في شخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و لكن المنصب الثّاني فقط يتوفر في كل إمام على حدة، فللإمام منصب اولي الأمر فقط.

جاء في كتاب الامامة ذلك الثابت الإسلامى المقدس للشيخ جلال الصغير: ولعل الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (النساء 59) تفتتح شأن الهداية الربانية في هذا المجال، فعبر هذه الآية نجد أن شأن الطاعة المطروحة هنا إنما هو شأن إمامة كاملة المواصفات بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك لأن الطاعة التي أوليت هنا لأولي الأمر لا يمكن تفسيرها بشكل منطقي ومتكامل بمعزل عن التنصيب الإلهي لمن وصف بولاية الأمر، حيث لا يمكن تصور أن الله يقرن طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بطاعة ولاة الأمر من دون أن يكون له عناية خاصة بهذا المقام ضمن نسق حرمة الهداية الربانية. ولهذا نعتقد أن الآية الكريمة: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) تقدم دلالات جوهرية على هذا الصعيد. ومثلما لاحظنا أن الجهة المأمورة في آية الطاعة تتخذ كمالها في صيغة انتمائها إلى حزب الله نلحظ آية الولاية تعطينا نفس الصورة حينما تتحدث عن نفس الجهة "وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة 56). وأن آية: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ" (المائدة 55) تتحدث عن الولاية بشكل مطلق فيما تقيده آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء 59) في شأن السياسة والحكم ومتعلقاتهما. كان أمير المؤمنين عليه السلام في القصة المعروفة بتصدقه بالخاتم أثناء الصلاة. . أن المصداق الاجتماعي لهذه الولاية ينبغي أن يشخصه صاحب الولاية نفسه وحينما رأيناه شخص ذلك لم يجعل للمجتمع أي نصيب من ذلك كما في قوله تعالى "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ" (المائدة 55) ونفس هذا الأمر سنلحظ بقاءه لو أخذنا تعلق الشرعية بمفهوم الطاعة، حيث قيد الله تعالى الطاعة بدقة ضمن ذات الدوائر التي وجدناها في الآية السالفة كما في قوله: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ" (النساء 59). ولو راجعنا الشيعة لمفهوم الحاكمية "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ" (الانعام 57) أو قوله تعالى: "أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ ۚ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ" (المائدة 50) فسترجعنا مرجعية الحكم الإلهي إلى نفس المصداق الاجتماعي الذي شخصته السماء من قبل كما في قوله تعالى: "فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا" (النساء 65) حيث قرن الحاكمية بالإيمان مما يبقي مسألة المرجعية للشرعية مرتبطة كليا بالعبد الديني وحينما يكون الأمر بهذا المستوى فمن الخطل البحث الشرعية بعيدا عن رؤى السماء. وأن آية: "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ" (المائدة 55) تتحدث عن الولاية بشكل مطلق فيما تقيده آية: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59) في شأن السياسة والحكم ومتعلقاتهما. كما أمر الله سبحانه وتعالى بإطاعته هو ورسوله وأولي الأمر في سياق واحد فقال: "وَمَا نَقَمُواْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ" (التوبة 74) ، و قوله تعالى "أَطِيعُواْ اللهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك