الدكتور فاضل حسن شريف
يستطرد الدكتور محمد حسين علي الصغير عن خطبة فاطمة الزهراء عليها السلام في كتابه الامام علي عليه السلام سيرته وقيادته في ضوء المنهج التحليلي التي تشير فيها الى آيات قرآنية منها "وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ" (ال عمران 144)، و "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا" (محمد 24). لما مرضت الزهراء عليها السلام المرض الذي توفيت فيه ، واشتدت عليها، اجتمعت اليها نساء المهاجرين والانصار ليعدنها ، فلسمن عليها وقلن لها : كيف اصحبت من علتك يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحمدت الزهراء الله تعالى، وصلت على ابيها ، ثم قالت: (أصحبت والله عائفة لدنياكن، قاليةً لرجالكن، لفظتهم بعد أن عجمتهم ، وشناتهم بعد أن سبرتهم، فقبحاً لغلول الحد واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة، وصدع القناة ، وخطل الاراء، وزلل الاهمواء ولـ "لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ" (المائدة 80). لا جرم والله لقد قلدتهم رقبتها ، وحملتهم أوقتها، وشننت عليهم غارتها، فجدعاً وعقراً وبعداً للقوم الظالمين، ويحهم أنى زعزعوها عن رواسى الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة، ومهبط الروح الامين، والطبين بامور الدنيا والدين "أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ" (الزمر 15) وما الذي نقموا من ابي الحسن؟ نقموا منه والله نكير سيفه، وقلة مبالاته بحتفه ، وشدة وطاته، ونكال وقعته ، وتنمره في ذات الله عزّ وجلّ ، وتاالله لو مالوا عن المحجة اللائحة، وزالوا عن قبول الحجة الواضحة، لردهّم إليها حملهم عليها وتالله لو تكافوا عن زمام نبذه اليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا عتقلهم، ولسار بهم سيراً سجحاً ، لا يكلم خشاشه، ولايكلّ سائره، ولا يملّ راكبه، ولا وردهم منهلاً صافياً روياً فضفاضاً، تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه، ولا صدرهم بطاناً، ونصح لهم سراً وإعلاناً، ولم يكن يتحلى من الغنى بطائل ، ولا يحضى من الدنيا بنائل ، غير ري الناهل شبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب ، والصادق من الكاذب "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ" (الاعراف 96). "وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلَاء سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ" (الزمر 51).
وتستمر السيدة فاطمة الزهراء في احد خطبها: (الا هلم فاستمع، وما عشت اراك الدهر عجباً "وَإِن تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ" (الرعد 5) ليت شعري الى اي لجا لجاوا ، والى اي سناد استندوا ، وعلى اي عماد اعتمدوا، وباي عروة تمسكوا، وعلى اي ذرية قدموا واحتنكموا "لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ" (الحج 13) "بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا" (الكهف 50). استبدلوا والله الذنابى بالقوادم، والعجز بالكاهل، فرغماً لمعاطس قوم يحسبون انهم يحسبون صنعاً "أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَـكِن لاَّ يَشْعُرُونَ " (البقرة 12). ويحهم "أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" (يونس 35). اما لعمري لقد لقحت، فنظرة ريثما تنتج، ثم احتلبوا ملء القعب دماً عبيطاً، ذعافاً مبيداً، واطمئنوا للفتنة جاشاً، ابشروا بسيف صارم، وسطوة معتد غاشم، وبهرج دائم شامل، واستبداد من الظالمين، يدع فياكم زهيداً، وجمعكم حصيداً، فيا حسرة لكم، واني بكم، وقد عميت عليكم "أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمْ لَهَا كَارِهُونَ" (هود 28)).
قوله سبحانه وتعالى "وَرَبُّكَ يَخلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَختَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ" (القصص 68) يقول الدكتور الصغير في كتابه: ولو انصاعت قريش لما اختاره الله لوفقت وأصابت، ولكنها السياسة الدقيقة التي أحكمت الرتاج، وأغلقت الأبواب، وألقت من شاءت وما شاءت ومتى شاءت وراء الأسوار. ولو أبصرت قريش رشدها يوماً لنظرت إلى علي عليه السلام نظرة فاحصة محققة لتجده، أول القوم إسلاماً، وأقدمهم إيماناً، وأكثرهم غناء عن الإسلام، وأعظمهم دفاعاً عن الدين، وأثبتهم يقيناً بالله، وأخشنهم نفساً في ذات الله، وأحوطهم لنفسه وللمسلمين، وأنصحهم لله ولرسوله ، وأفضلهم سابقة، وأقومهم عوداً، وأرفعهم منزلة، أعلاهم درجة، وأرسخهم شجرة، وأينعهم ثمرة، وأبلغهم منطقاً، وأفصحهم كلاماً، وأشدهم ساعداً، وأثبتهم جناناً، وأكفأهم مراساً في الحروب، وأسبقهم حضوراً في المشاهد، وأقلهم متاعاً في الدنيا، وأكثرهم رغبة في الآخرة.
يقول الاستاذ محمد حسين الصغير في كتابه عن سيرة الامام علي عليه السلام: وجيء لعمر بامرأة ولدت لستة أشهر، فاعتقد عمر بها الزنا، فأمر برجمها، فجبهه عليّ عليه السلام: لا تفعل، فلو خاصمتك بكتاب الله لخصمتك. إن الله تعالى يقول "وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ" (الاحقاف 15).
https://telegram.me/buratha