الصفحة الإسلامية

مفهوم العصمة في القرآن الكريم عند الشيخ جلال الدين الصغير من كتابه عصمة المعصوم (ح 9)


الدكتور فاضل حسن شريف

يقول الشيخ جلال الدين الصغير عن عصمة الشهادة: أولى الله سبحانه رسوله صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم مهمة الشهادة على كل الأمم قديمهما وحديثها ، فقال سبحانه في الآية الكريمة: "وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيداً عَلَى هؤُلاَءِ" (النحل 89) وقال: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هؤُلاَءِ شَهِيداً" (النساء 41) وشهادة كهذه وبهذه الشمولية لا بد وأن تكون مسداة إلى من لا يشهد بالزور ولا يخون الشهادة ولا يكتمها، بل مثلها إنما تسدى لمن تملّكته العدالة الكاملة بحيث انه لا يحيد عنها مطلقاً، وهو ما يطابق معنى العصمة.

وعن عصمة التبشير والانذار يقول الشيخ الصغير: وفي هذه العصمة التي تشير إليها آيات عديدة منها الآية الكريمة: "إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلاَ تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ" (البقرة 119) بنفس دلالات الآيات السابقة، فالتبشير والانذار من مهمات الرسالة البديهية، ولا يعقل أن لا يكون الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله فيهما معصوماً.

ويبين الشيخ جلال الدين الصغير عن عصمة الأمانة: في الآية الكريمة يقول تبارك وتعالى: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً" (الاحزاب 72) عرضت الأمانة الإلهية التي يمثل حملها أحد الأهداف البارزة في مهمة الهداية اربانية عرض الاستعداد التكويني على المخلوقات، وحملها الإنسان المتخلّي عن الظلم والجهل، ويفترض ان هذا الحمل كان حملاً يتناسب مع طبيعة المؤهلات الذاتية لحاملها، وقد التصقت هذه المؤهلات بصفتي العدالة والظلم التصاقاً ذاتياً، فإوجدت بينهما نسبة طردية، فبمقدار ما ينأى الإنسان عن الظلم والجهل يكون أكثر أهلية لحمل هذه الأمانة وأداء المسؤوليات المترتبة عليها ، وبمقدار ما يتخلى عن العدالة والعلم يكون عاجزاً عن حمل ذلك ، وعليه : فهذا العرض لازمه وجود المؤهل الذاتي لدى الإنسان على الحمل، وهذا الحمل لازمه أنه لا بد من وجود جهة خاصة قادرة على النوء بمسؤوليات هذه الأمانة لأن الله سبحانه وتعالى لن يضع أمانته بيد كل من هبّ ودبّ، إذ لا يمكن مع ذلك تحقق مقتضيات الحكمة من هذا الحمل. وحين يكون هذا الحمل قد تمّ في صورته الكاملة، لأنه لا يعقل أن يعرض الله عرضاً لا وجود لمتحمّله، لأنه سيكون عندئذ عرضاً اعتباطياً، وحاشى لله من ذلك لإخلاله الواضح في حكمته وعلمه، فلا بد وأن يكون من حملها هو الإنسان الكامل الذي نأى بنفسه عن الظلم والجهل وهو مفاد العصمة. ولن تجد في سياق التربية الربانية بأفضل من الرسول صلى‌ الله‌ عليه‌ وآله‌ وسلم لحمل هذه الامانة بصورتها الكاملة، كيف لا؟ وهو الذي بلغ من ربّه نتيجة لمؤهلاته الخاصة ما لم يبلغه نبي مرسل ولا ملك مقرّب إذ "دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى" (النجم 8-9).

وحول عصمة التسخير يوضح الشيخ الصغير: سخّر الله جلّ وعلا ما في السموات والأرض للإنسان فقال: "اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ * وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (ابراهيم 32-34) وعملية التسخير نجدها تنسجم فكرياً كل الإنسجام مع طبيعة الأمانة المعروضة في الآية السابقة بل يمكننا أن نفهم أن عملية التسخير هذه تمثل أحد المعطيات العملية لمسألة الأمانة، وأيّاً كان فإن هذه العطايا التي تشمل ما حوى الكون لم تك لمجرد: الهبة والعطاء والإنعام المجرد من الغاية، بل تظهر خاتمة الآية الكريمة: "إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (ابراهيم 34) تداخل هذه المنح والإيتاء مع مسؤولية المكلّف في هذا الكون، فلا معنى لوجود كلمة الظلوم إلا في مصاف الحديث عن دور هذا المكلّف في هذا الوجود. وهذا الأمر إذ يعكس وجود القابل الإنساني لاستيفاء مهام التسخير، فإنه يقضي: بوجود المسخّر الإنساني الشامل الذي يكون مصداقاً إنسايناً لبقية الخلق بإمكانية التسخير من جهة، وحجة على عالم التكليف بواقعية النعمة الربانية الشاملة التي لا تحصى من جهة ثانية. وهذا بدوره يقضي بضرورة أن يكون هذا المسخّر الإنساني معصوماً لخصيصتين ، أولاهما تتعلق بالشرط الإلهي الظاهر في آخر الآية وهو أن يكون بعيداً عن الظلم والكفر، وثانيتهما: لكي لا تخرج عملية التسخير عن أهدافها الربانية، لما يمكن لهذا الخروج أن يتسبب بدمار الكون ، مما سيوصلنا إلى نفس النتيجة التي حصلنا عليها في مسألة الامانة، حيث سترتبط عملية التسخير بطبيعة المؤهل الذاتي المعصوم من الظلم والكفر الذي يتمتع به هذا المصداق الإنساني.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك