الدكتور فاضل حسن شريف
ويتطرق الشيخ جلال الدين الصغير عن موضوع على من تنزل الملائكة والروح؟ قائلا: تطرح سورة القدر مسألة نزول الملائكة والروح في كل ليلة قدر من كل سنة كواحدة من الحقائق القرآنية والكونية الثابتة، ولكنها في هذا الطرح تثير مسألة غاية في الأهمية بالنسبة لبحثنا هذا طالما تغافل أو أغفلها الكثير من المفسرين من العامة، وأعني بذلك طبيعة المهام المعلقة بليلة القدر، فلقد تحدث القرآن الكريم عن هذه المهام لمرتين واحدة في سورة الدخان: "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 3-4) وأخرى في سورة القدر حينما قال جل من قائل: "وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّىٰ مَطْلَعِ الْفَجْرِ (القدر 2-5) حيث أن الملاحظ في آيات سورة الدخان، وكما هو شأن الروايات الموثوقة أشارت إلى أن هذه الليلة تقضى فيها أقدار كل شئ، مع التأكيد على أن هذا الأمر يحصل كل عام بدليل وجود فعل المضارعة "يُفْرَقُ"، ولكنها في الثانية تطرح قضية أخرى، وهو "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4)، وهذا التنزل السنوي للملائكة مع الروح من الواجب أن يثير فينا التساؤل عن الجهة التي تتنزل عليها الملائكة والروح، ولا تصلح أي عقيدة بخلاف عقيدة أهل البيت عليهم السلام في تقديم تصور منطقي على من تتنزل عليه الملائكة، فالتنزل هنا ليس تنزلا رمزيا من أجل القول بأن الليلة مباركة من قبل الله لمحض المباركة كما قد يحاول قول ذلك تيار التحريف، وهذا التنزل حينما يكون لازم التحقق بموجب هذا الحديث القرآني، فيستلزم وجود الجهة التي لديها المؤهلات الكفيلة بحيث أنها تكون موئلا لنزول الملائكة ومن ثم عرض أمر كل شئ عليها، وعندئذ فمن الحق أن نتساءل عن الجهة التي تصلح لأن تكون مهبط الملائكة والروح إليها، وهذه الجهة كما يدل مضمون الآيات لها مواصفات متعلقة بالرسالة وشؤونها، كما يشير إلى ذلك ما روي عن الإمام الجواد، عن الإمام الصادق، عن الإمام الباقر عليهم السلام حيث يقول في حديث طويل لمحدث له بالكعبة المشرفة: فإن قالوا لك: فقل: "حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا ۚ إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ" (الدخان 1-5) فإن قالوا لك: لا يرسل الله عز وجل إلا إلى نبي فقل: هذا الأمر الحكيم الذي يفرق فيه هو من الملائكة والروح التي تنزل من سماء إلى سماء أو من سماء إلى الأرض؟ فإن قالوا: من سماء إلى سماء، فليس في السماء أحد يرجع من طاعة إلى معصية، فإن قالوا: من سماء إلى أرض وأهل الأرض أحوج الخلق إلى ذلك فقل: فهل لهم بد من سيد يتحاكمون إليه؟ فإن قالوا: فإن الخليفة هو حكمهم فقل: "اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ" (البقرة 257) لعمري ما في الأرض ولا في السماء ولي لله عز ذكره إلا وهو مخذول، ومن خذل لم يصب، كما أن الأمر لا بد من تنزيله من السماء يحكم به أهل الأرض، كذلك لا بد من وال، فإن قالوا: لا نعرف هذا فقل لهم: قولوا ما أحببتم، أبى الله عز وجل بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم أن يترك العباد ولا حجة عليهم.
يستطرد الشيخ الصغير قائلا: في رواية علي بن إبراهيم في تفسيره حيث يقول: ومعنى ليلة القدر إن الله يقدر فيها الآجال والأرزاق، وكل أمر يحدث من موت أو حياة أو خصب أو جدب أو خير أو شر كما قال الله: "فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 4) إلى سنة. قوله: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا" (القدر 4) قال: تنزل الملائكة وروح القدس على إمام الزمان ويدفعون إليه ما قد كتبوه من هذه الأمور. ولهذا نعتقد أن التنزل السنوي للملائكة بالأقدار إنما يكون على إمام الزمان وما هذا إلا بسبب اضطلاعه صلوات الله عليه بدور الإمامة الشاهدة التي طرحتها آية شهادة من عنده علم الكتاب.
ويستمر الشيخ جلال الدين الصغير في رده على السيد حسين فضل الله قائلا: وهكذا المئات من القضايا التي طرحها مست كيان المذهب في أسسه الوجدانية والعقائدية والتأريخية والفقهية، بل إن بعضا منها ما خالف الإسلام بكل كياناته المذهبية كما في مواقفه من تحريف التوراة والإنجيل حيث يعتقد بأنها حرفت في اللفظ دون المعنى، وهكذا قوله بعدم كفر القائلين بالثالوث المسيحي رغم صريح القرآن: "وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ" (التوبة 30). وقوله: "لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ" (المائدة 73) وهكذا قوله بالتزام القرآن بمقدسات أهل الكتاب حتى لو كانت هذه المقدسات من نمط الاعتقاد بقصة يوسف النجار وحمل مريم منه، وحتى لو كانت هذه المقدسات بمقدار قداسة فكرة اليهود عن تكذيبهم لعيسى عليه السلام، ومقدسة النصارى بتكذيبهم لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وحتى لو كانت مقدساتهم تعني عدم تحريفية الكتاب لفظا ومعنى هذا ناهيك عن أقواله التي تتعفف عنها الكثير من الفرق الإسلامية خصوصا تلك التي تتعلق بالتجسيم الإلهي حينما يصف العرش بالمنطقة الجغرافية، وكذا قوله الشنيع بتجلي ذات الله للجبل في قصة موسى، أو أقواله التي تتعلق بعصمة الأنبياء وعقائدهم في توحيد الله كأقواله في آدم ونوح وإبراهيم ويوسف ويونس وموسى وسليمان وداود والرسول صلوات الله عليه وعليهم أجمعين، وكل هذه الأقوال مرفوضة جملة وتفصيلا من قبل الإمامية ولم يضع هذا الرفض علماء الإمامية من تلقائياتهم، وإنما تلقوه من قبل أئمة أهل البيت عليهم السلام.
https://telegram.me/buratha