الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن عن مفهوم التأويل للسيد محمد باقر الحكيم: التأويل عملية تطبيق وتشخيص تنسجم مع الظاهر والتنزيل والمحكم، وتعتمد على المعلومات والقواعد والضوابط العامة أو الخاصة التي يتلقاها الانسان الصالح من الله تعالى، كما في قوله تعالى: في أول سورة يوسف: "وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ" (يوسف 6). وقوله تعالى: "قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي" (يوسف 37)، وقوله سبحانه "رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ" (يوسف 101). أو تعتمد على الضوابط والقوانين والقواعد اللغوية أو القرائن الحالية والمقالية أو المعلومات العلمية أو الحسية أو الشرعية أو الطبيعية أو غير ذلك من قوانين العلم والتوثيق.
جاء في كتاب علوم القرآن عن القصص القرآنية للسيد محمد باقر الحكيم: ظاهرة تأكيد دور إبراهيم وموسى عليهما السلام: فمن الملاحظ ان القرآن الكريم أكد دور بعض الأنبياء في ذكر تفاصيل حياتهم وظروفهم أكثر من دور بعضهم الاخر وبالخصوص النبي إبراهيم وموسى عليهما السلام، مع أن الخصائص العامة التي يراد منها بالأصل استنباط العبرة والموعظة واستخلاص القانون والسنة التأريخية متشابهة، ولذا تأتي الإشارة إلى قصص مجموعة من الأنبياء في كثير من الموارد في سياق واحد، فهل يعني هذا التأكيد أهمية شخصية هذا النبي وفضله بالمقارنة مع بقية الأنبياء فقط؟ أو يمكن أن يكون وراء ذلك إضافة إلى هذه الأهمية مقاصد وأهداف أخرى اقتضت هذا اللون من التأكيد؟ قد يكون في الحقيقة أن بعض هؤلاء الأنبياء أفضل من بعضهم الاخر كما أنه قد يكون هذا البعض هو إبراهيم وموسى، ولكن لا يعني ذلك أن يؤكد القرآن دور هذين النبيين مثلا، أو غيرهما كعيسى الذي جاء الحديث عنه بنسبة أقل لمجرد فضلهم، لان القرآن بالأصل ليس بصدد تقييم عمل هؤلاء الأنبياء والحديث عن التفاضل بينهم، وانما الاهداف الأصلية للقصة التي أشرنا إليها وذكرها القرآن هي: العبرة والموعظة والتثبيت وإقامة الحجة والبرهان على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وآله ومضمون رسالته: "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (يوسف 111). ولذلك يمكن أن نقول بأن القرآن انما كان يؤكد دور هؤلاء الأنبياء في حديثه عنهم لأنه كان يواجه حقيقة هي: أن لهؤلاء الأنبياء اتباعا وأقواما يرتبطون بهم فعلا في المجتمع الذي كان يتفاعل القرآن معه عند نزوله، وهذا الامر كان يفرض من أجل ايجاد القاعدة التغييرية أن يتحدث عنهم القرآن باسهاب.
جاء في كتاب علوم القرآن عن مفهوم التأويل للسيد محمد باقر الحكيم: وهنا لا بد أن نشير إلى أنه لا يوجد في مدرسة أهل البيت عليهم السلام حديث لا يقبل الدرس والمناقشة والتمحيص إلا النادر من الأحاديث المتواترة، ولذلك فهم يخضعون كل هذه الأحاديث وغيرها مهما كانت الكتب التي دونتها أو الرجال الذين رووها إلى الدرس والتمحيص. نعم يوجد اتجاه بين العلماء من الأخباريين من يحاول أن يضفي صفة الاعتبار والصحة على الكتب الأربعة المعروفة، وهي الكافي للشيخ الكليني، ومن لا يحضره الفقيه للشيخ الصدوق، والتهذيب والاستبصار للشيخ الطوسي، ولكن الاتجاه العام والسائد عند علماء مدرسة أهل البيت لا يقبل مثل ذلك. ومن هذا المنطلق نجد سيدنا الأستاذ الشهيد الصدر قدس سره يرفض الاخبار التي تقول بأن فهم القرآن مختص بأئمة أهل البيت عليهم السلام بعد أن يسلم دلالتها، لأنها مخالفة للقرآن الكريم والسنة النبوية القطعية، ولان رواتها ضعفاء متهمون بالغلو. ولكن العلامة الطباطبائي كما عرفنا يحاول أن يؤول هذه الأخبار بأنها بصدد بيان أن الأئمة لهم دور التعليم والدلالة إلى طريق التفسير، لا ان القرآن لا يفهمه إلا الأئمة من أهل البيت عليهم السلام ولكننا يمكن أن نحمل هذه الروايات على أنهم عليه السلام بمستوى خاص من التفسير. ان التفسير في نظر أهل البيت له مفهوم واسع يشمل فهم الظهور القرآني، كما يشمل معرفة المصاديق والامثلة والتفاصيل المرتبطة بالقرآن الكريم، سواء كانت في قصص الأنبياء أو الأمثال المضروبة أو الاحكام التفصيلية للشريعة، أو الاحداث التي اقترنت بنزول القرآن الكريم، أو التطبيقات التي يمكن أن تتحقق في مستقبل الأيام، كما أوضحنا ذلك قبل الحديث عن الملاحظات. وهذا الفهم للتفسير يعتمد على عدة منطلقات مثل تعرض القرآن وبيانه لكل شئ كما ورد في ايات مباركة منها "لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (يوسف 111). وكذلك ثبوت تفسير النبي صلى الله عليه وآله للقرآن الكريم بهذا الشكل الواسع وتعليمه للإمام علي عليه السلام بشكل خاص، أو ارتباط بقاء القرآن الكريم حيا ونورا هاديا على مر العصور والأجيال بهذا الفهم الواسع للتفسير. وهذا الفهم لشمولية التفسير لا ينافي أيضا ما عرفناه في بعض الاخبار والنصوص من هداية القرآن وأنه مبين وبيان وهداية ورحمة، وقد حث أئمة أهل البيت على الاخذ به والرجوع إليه والعرض عليه، فإن ذلك لا شك أمر قائم وموجود في القرآن، حيث يمكن للناس في كل عصر وزمان أن يفهموا ظاهره ومحكماته، ويتعرفوا على مصاديقه بالمقدار الذي آتاهم الله من العلم والفهم وما اكتسبوه من التعلم واتصفوا به من الطهارة، ولا يجب أن يعرف كل واحد من الناس جميع الابعاد والوجوه الأخرى. خصوصا إذا عرفنا انه لا يوجد أي منافاة بين الظاهر والباطن أو المحكم والمتشابه، أو التنزيل والتأويل، بل كل واحد من الظاهر والمحكم والتنزيل يدل على الباطن والمتشابه والتأويل بنحو من الدلالة، غاية الامر أن بعض هذه الدلالة لا يعلمها إلا الله تعالى والراسخون في العلم بعد أن علمهم الله تعالى إياها، أو بما وفقهم إليه من الطهارة والنقاوة والمعرفة. وشأن ذلك شأن الحوادث المستجدة أو المكتشفات العلمية الحديثة أو الموضوعات الشرعية الجديدة الحادثة التي يمكن أن نفهم مضمونها والإشارة إليها أو إلى حكمها من القرآن الكريم مع أنها لم تكن معلومة سابقا، وكانت بالنسبة لانسان عصر النزول من عوالم الغيب وعرفها اللاحقون فكانت من عالم الشهود، فمعرفة كل ذلك يمثل تفسيرا للقرآن الكريم كان يعلمه أهل البيت عليهم السلام. أو شأن ذلك شأن تأويل الأحاديث الذي أشار إليه القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام، حيث أمكن ليوسف أن يفهم من الرؤيا التي رآها الملك هذا المعنى الخاص الذي يمثل باطنا للصورة الظاهرية التي انعكست في ذهنه عند الرؤيا، فالبقرات العجاف والسنابل اليابسة هي سنين القحط، والبقرات السمان والسنابل الخضراء هي سنين الرخاء، وكذلك الرؤيا التي رآها السجينان في السجن ومداليلها الباطنية
https://telegram.me/buratha