الدكتور فاضل حسن شريف
يستمر الشيخ جلال الدين الصغير متحدثا عن الشفاعة فيقول: وفي عقيدتنا فإن مظهر الشفاعة الكاملة تمثل برسول الله وأهل بيته الطاهرين(صلوات الله عليهم أجمعين ونظراً لموقف تيار الانحراف السلبي من عصمة ومقام وظلامة الصديقة الطاهرة والمظلومة الكبرى فاطمة الزهراء عليه السلام وددت أن أنقل هذه الرواية التي وردت في الأثر الشريف عن الإمام الباقر عليه السلام فيما نقله عن قول جابر بن عبد الله الأنصاري، عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: إذا كان يوم القيامة تقبل ابنتي فاطمة عليها السلام على ناقة من نوق الجنة مدبجة الجنين، خطامها من لؤلؤ رطب قوائمها من الزمرد الأخضر، ذنبها من المسك الأذفر، عيناها ياقوتتان حمراوان، عليها قبة من نور يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها، داخلها عفو الله، وخارجها رحمة الله، وعلى رأسها تاج من نور، للتاج سبعون ركناً، كل ركن مرصع بالدر والياقوت يضيء كالكوكب الدري في أفق السماء، وعن يمينها سبعون ألف ملك وعن شمالها سبعون ألف ملك وجبرائيل آخذ بخطام الناقة ينادي بأعلى صوته: غضوا أبصاركم حتى تجوز فاطمة بنت محمد. فلا يبقى يومئذ نبي مرسل، ولا رسول ولا صديق ولا شهيد إلا غضوا أبصارهم حتى تجوز فاطمة. فتسير حتى تحاذي عرش ربها جلّ جلاله وتروح بنفسها عن ناقتها وتقول: إلهي وسيدي أحكم بيني وبين من ظلمني. اللهم احكم بيني وبين من قتل ولدي. فإذا النداء من قبل الله جلّ جلاله: يا حبيبتي وابنة حبيبي سليني تعطي، واشفعي تشفعي وعزتي وجلالي لا أجازي ظلم ظالم، فتقول: إلهي وسيدي ذريتي وشيعتي وشيعة ذريتي ومحبي ومحب ذريتي، فإذا النداء من قبل الله جلًّ جلاله: أين ذرية فاطمة وشيعتها ومحبوها ومحبّو ذريتها؟ فيقومون وقد أحاط بهم ملائكة الرحمة فتقدمهم فاطمة حتّى تدخلهم الجنة.
في ختام بحثه عن الامامة يقول الشيخ جلال الدين الصغير: إلى هنا نكون قد سلطنا الضوء على أن الإمامة لم تكن مقولة طائفية تخص طائفة محددة من دون غيرها، فها هي آيات القرآن تلهج بالحديث عنها ولا تكتفي بالحديث فحسب، بل وتحدد المواصفات المتعلقة بها، ولا تركن عند ذلك فقط، وإنما تعمد للحديث الصريح عن مصاديق الإمامة وسبلها. ومن خلال كل ذلك عرفنا أن الإمامة من الثوابت القرآنية التي لا يمكن التحدث عنها بعنوان التحول كما عمد إلى ذلك محمد حسين فضل الله في مقالته الأصالة والتجديد، بعد ما عرفنا شأن الخلاف بين الطوائف الإسلامية لا يبيح لنا الرضوخ لمقتضيات المقولات الطائفية واجتهاداتها، فهذه المقولات كانت ولا تزال تحاكي الاسقاطات السياسية التي أفرزتها معركة السقيفة وما آل إليه الوضع من بعدها، بينما تبقى الحقائق القرآنية واضحة السبل وصريحة التعبير لمن لم يضع على عينيه غشاوة الجهل الأعمى وقناع التعصب الحزبي والطائفي، ولم يحرر نفسه من المخلفات والعقد والمسلمات المسبقة سلفا قبل الخوض بحثا عن الحقيقة "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ" (يوسف 108). هذا وقد وقع الفراغ منه في الثاني عشر من صفر الخير عام 1418 هـ وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين نعم المولى ونعم النصير والصلاة من بعد ذلك على الرسول الأمين وشفيع يوم الدين سيدنا ونبينا محمد وعلى الهداة الميامين والأدلاء على صراط المتقين، والأمناء على شرعة سيد المرسلين من آله الطيبين الطاهرين.
وقال الشيخ جلال الدين الصغير في الخاتمة ايضا: وقد وجدت أن من المفيد ضم ما استفتينا به سماحة العلم المفدى المرجع الديني الكبير آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي مد ظله الوارف حول مقال محمد حسين فضل الله في مجلة المنهاج حال صدوره وأرسلناه إليه مرفقا مع السؤال فقال بما نصه: ظاهر ما أرسل إلينا أن القائل يتصور إن تعدد حكم الواقعة الواحدة بحسب اختلاف المجتهدين في الأعصار فيها أمر ممكن وواقع، وهذا مخالف لمذهب العدلية الملتزمين ببطلان التصويب في الوقائع التي وردت فيها الخطابات أو استفيد حكمها من مدارك أخرى، فإن مقتضى الإطلاقات ثبوت الحكم واستمراره بحسب الأزمنة في ظروف فعلية الموضوع في أي ظرف كان ولو كان استقبالا، ويدل على ذلك الروايات أيضا كصحيحة زرارة المروية في الكافي قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الحلال والحرام، فقال: حلال محمد أبدا إلى يوم القيامة، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيامة، لا يكون غيره ولا يجئ غيره، وقال: قال علي عليه السلام: ما أحد ابتدع بدعة إلا وترك بها سنة. وإما فتاوى المجتهدين في موارد الخلاف، فلا تصيب من فتاواهم واقعة واحدة، إلا فتوى واحدة من ذلك. نعم فتوى كل واحد من المجتهدين مع اجتماع شرائط التقليد فيه عذر بالنسبة للعامي في موارد الخطأ. ثم أن الحكم المجعول في الشريعة له مقامان: مقام الجعل والثاني مقام الفعلية، وعلى ذلك فيمكن أن ينطبق عنوان الموضوع في شيء في زمان فيكون فعليا، ولا ينطبق على ذلك الشيء في زمان آخر فلا يكون ذلك فعليا، وهذا من ارتفاع فعلية الحكم، لا من تغير المجعول في الشريعة كما إذا كان شيء آلة القمار في زمان، وسقط عن آلية القمار في زمان آخر بعد ذلك الزمان، فاللعب به بلا رهان باعتبار عدم انطباق عنوان آلة القمار عليه في زمان اللعب لا يكون محرما وهذا ليس من تغير حكم حرمة آلة القمار كما هو واضح، وكوجوب الجهاد الابتدائي فانه بناء على اشتراط الجهاد الابتدائي بحضور الإمام عليه السلام فلا يكون في زمان الغيبة وجوب الجهاد فعليا لعدم حضوره عليه السلام، لا لأن مع عدم حضوره تغير حكم الجهاد في الشريعة وأمثال ذلك كثير. نعم في الشريعة يمكن أن تكون لشخص أو أشخاص أحكام مختصة لهم، وهذه الأحكام تنتهي بانتهائهم كالأحكام المختصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وهذه قضايا خارجية لا ربط لها بالأحكام العامة الشرعية التي يعبر عنها بالقضايا الحقيقة. والله العالم. وأما مسألة حلق اللحية فالحكم فيها على تقدير الحرمة ثابت من الأول ويبقى إلى الأبد، وان كان حلالا ـ كما هو رأي بعض العلماء لمناقشتهم في دليل الحرمة ـ فالحلية أيضا كانت من الأول إلى الأبد، ولا يختلف ذلك باختلاف الأعصار والله العالم.
https://telegram.me/buratha