الدكتور فاضل حسن شريف
يقول الشيخ جلال الدين الصغير في في كتابه الموسوم الامامة ذلك الثابت الاسلامي المقدس: في موضوع الشفاعة، حيث تطرح الآيات القرآنية موضوع الشفاعة في العديد من المواضع، وقد أجمعت روايات أهل البيت (عليه السلام) على وجود شفاعة كاملة للرسول وآله الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين متى ما شاءوا وكيفما شاءوا، وقد خالف تيار الضلالة كعادته ذلك فقال بالشفاعة الصورية التي يعبّر عنها فضل الله بالصورة التالية المتداعية من قوله: الشفاعة من أين تنطلق؟ تنطلق على أساس أن هناك حالات ذاتية بين النّاس، فنحن نستفيد من هذه الحالات الذاتية التي تجعل لشخص موقعاً عند شخص فباعتبار أنه إذا جاء إليه هذا الشخص محمل بهذه المشاعر فإن ذلك يغيّر رأيه ويبدّل رأيه. بالنسبة إلى الله ما له معنى هذا الكلام، ما في أحد له علاقة بالمعنى الذاتي مع الله لأن الخلق كلهم خلق الله ما له معنى، واحد أقرب إلى الله من خلال الذات لأنه أنت يكون أبنك واحد أجمل، واحد أفضل، واحد أكثر عطفاً عليك تقول هذا أقرب إليّ، وهذا خدمني أكثر، هذا أعطاني أكثر. أما بالنسبة إلى الله، الأعلم الأفضل الأقوى كلهم مثل بعض. الله هو الذي أعطاهم هذا المستوى من الجمال، هذا المستوى من القوة، هذا المستوى من الفضل، من العلم، لكن الله هو يختار من يشفّعه.[279] ما في (لا يوجد) أحد يقدر يشفع بطبيعته. الأنبياء ما عندهم بأنفسهم أساس لأن يبادروا بالشفاعة. ليس هناك شيء ذاتي يعني أنت تروح تقول: اشفع لي يا رسول الله، اشفع لي عند الله يا أمير المؤمنين، اشفعي لي يا فاطمة. صحيح. لكن لا أمير المؤمنين ولا رسول الله ولا فاطمة يقدروا يشفعوا إذا لم يشفّعهم الله، وعندما يشفعون فإن الشفاعة لا تنطلق من عناصر ذاتية، والله هذا قريبي، وهذا أحبه، وهذا نذر لي نذر، وهذا ذبح ذبيحة، وهذا عمل لي مولد، مثل هذه الأشياء التي نحن نصورها هنا، نحن نعمل مع الأنبياء والأولياء من قبيل: أطعم الفم تستحي العين. ما يصير أنا ذبحت ذبيحة للعباس بكرا اي غداً تقول له هذه ذبيحة يعني لا بد أن تجاملني بهذا الموضوع.. لا هناك أسس "وَلا يَشْفَعُونَ إِلا لِمَنِ ارْتَضَى" (الانبياء 28) يعني الله يكرم الأنبياء بأن يشفعهم فيمن جرت إرادته على أن يغفر لهم، يعني الله يريد أن يغفر لإنسان يريد أن يدخل إنسانا الجنة، فالله يريد أن يكرم نبيه ويكرم وليه أن يكرمهما بأن يشفعهما فيما أراد أن يكرمه وأراد أن يعفو عنه. وهذا الكلام مع إنه بلا دليل يدلّ عليه فهو يتناقض أيضاً مع بديهيات عقيدة أهل البيت عليهم السلام في الشفاعة، فالشفاعة لم توضع إلا لأصحاب الذنوب والمعاصي، ولا معنى لوجودها في عالم لا ذنوب فيه، وهذا هو مفاد حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: إنما شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي.
ويستطرد الشيخ الصغير قائلا: ومثله قول صادق آل محمد عليه السلام: شفاعتنا لأهل الكبائر من شيعتنا، فأما التائبون فإن الله يقول: "مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ" (التوبة 91).[ وحيث أنها وجدت فقد وضع الله نماذج لهذه الشفاعة بناء على طبيعة مؤهلاتهم الذاتية، ومنح كرماً منه وتفضّلاً أصحاب المؤهلات العالية في هذا المجال كرامة الشفاعة لأصحاب الذنوب فقال في كريم كتابه: "وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ" (الانبياء 28) وفي عبارته الأخيرة تظهر طبيعة هذه المؤهلات، وبعد أن طرح موافقته على هذه الشفاعة، فلا قيمة يمكن لها الانسجام مع كرم الله ورحمته حينما يجعل الشفعاء معبراً صورياً لمن أراد الله بنفسه أن يغفر لهم. وهؤلاء الذين أراد الله أن يغفر لهم إن كانوا من أصحاب الأعمال التي توجب الغفران فلا معنى لوجود الشفيع لهم بأي صورة كان، وإن كانوا ممن لم يعملوا لنيل الغفران أو لم يقدموا بين أيديهم ما يجلب لهم الغفران، فكيف سيغفر الله لهم بناء على قاعدة عدم وجود الترجيح بلا مرجح؟ ولم غفر لهم ولم يغفر لكل خلقه؟. من الواضح إن ذلك لا يستقيم بالمرة.
إن المستفيض من روايات أهل البيت عليهم السلام وغيرهم وجود الشفاعة بحيث أن الشفيع يشفع لمن شاء، وبما شاء. وحيث أن مدى الشفاعة في لغة الروايات والمنطلق العقلي مهما يكن فسيبقى نسبيا لعامة الناس، حيث نجد أن منهم من لا يستطيع الشفاعة إلا لأهل بيته مثلاً، ومنهم من يشفع لمثل ربيعة ومضر كما تعبّر عن ذلك الروايات الشريفة، فلا بد من وجود مظهر كامل للشفاعة الكاملة التي تظهر كرم الله ورحمته وجوده على خلقه، لأن عدم وجود هذا المظهر الكامل سيبقي مدى ومقدار كرم الله بلا شاهد عليه، وهذا خلاف مبدأ الحجة البالغة.
https://telegram.me/buratha