الدكتور فاضل حسن شريف
روى نصر بن مزاحم قال: مر أمير المؤمنين عليه السلام على بعض من كان في جيشه بصفين فسمعهم يشتمون معاوية وأصحابه فقال لابن عدي ولعمر بن الحمق وغيرهما: كرهت لكم أن تكونوا لعانين شتامين تشتمون وتبرأون ولكن لو وصفتم مساوئ أعمالهم فقلتم من سيرتهم كذا وكذا ومن أعمالهم كذا وكذا كان أصوب في القول وأبلغ في العذر وقلتم مكان لعنكم إياهم وبراءتكم منهم اللهم احقن دماءهم ودماءنا، وأصلح ذات بيننا وبينهم واهدهم، من ضلالهم حتى يعرف الحق من جهله منهم، ويرعوي عن الغي والعدوان منهم من لهج به لكان أحب إلي وخيرا لكم. فقالوا: يا أمير المؤمنين نقبل عظتك ونتأدب بأدبك. قال الله تبارك وتعالى "وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ" (الانعام 108).
حصلت الفتن بعد وفاة النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم الذي لا ينطق عن الهوى "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * اِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى" (النجم 3-4) فكل فئة تتبع احد منهم من تبع الامام علي عليه السلام و اخرين من تبع معاوية. سميت الشبهة لانها تشبه او تغلف او تلبس الحق بالباطل "وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ" (البقرة 42). وحتى متعلم الدين قد يقع في الشبهة "وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ" (العنكبوت 43) و "وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ" (الحاقة 12) حيث العقل والوعي مطلوبان في العبادة كما وقع الخوارج في الشبهة حين رفع عمرو بن العاص المصاحف في معركة صفين فالخوارج لم يوافقوا على التحكيم اعتمادا على "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ" (يوسف 40) بدون ربطها بايات اخرى حيث ان الحكم والقضاء يمكن ان للانسان الحكم او القضاء "إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ" (النساء 105)، كذلك داود وسليمان عليهما السلام حكما وقضا بين الناس. ومن يقرأ القرآن بدون فهم كما فهم الخوارج القرآن. والفاسق هو عاص وليس كافر كما ورد عند اهل البيت عكس الخوارج ومن يتبعهم لا يفرقون بين العاصي والكافر حيث كثير من الناس تفهم اية بحد ذاتها بدون ربطها بايات اخرى والسنة النبوية وروايات اهل البيت.
ومن خطبة للامام عليه السلام بعد التحكيم يوم صفين (أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ مَعْصِيَةَ النَّاصِحِ الشَّفِيقِ الْعَالِمِ الْمجَرِّبِ تُورِثُ الْحَسْرَةَ، وَتُعْقِبُ النَّدَامَةَ، وَقَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ في هذِهِ الْحُكُومَةِ أَمْرِي، وَنَخَلْتُ لَكُمْ مَخزُونَ رَأْيِي). وفي خطبة له عندما أنكر عليه قوم تسويته بين الناس في الفيء (هذا كتاب الله بين أظهرنا، وعهد نبي الله وسيرته فينا، لا يجهلها إلاّ جاهل مخالف معاند عن الله عز وجل، يقول الله : "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (الحجرات 13)، فمن اتقى الله فهو الشريف المكرم المحب، وكذلك أهل طاعته وطاعة رسول الله. يقول الله في كتابه : "قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ" (ال عمران 31)، وقال: "قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" (ال عمران 32)) .
https://telegram.me/buratha