الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: محاولات مجاراة القرآن الكريم: نعم، حاول بعض الزنادقة والخصوم ذلك، إلا أنهم ارتدوا خائبين. فقد روي عن هشام بن الحكم أنه قال: (اجتمع ابن أبي العوجاء، وأبو شاكر الديصاني الزنديق، وعبد الملك البصري، وابن المقفع، عند بيت الله الحرام، يستهزؤون بالحجاج، ويطعنون بالقرآن. فقال ابن أبي العوجاء: تعالوا ننقض كل واحد منّا ربع القرآن، وميعادنا من قابل في هذا الموضع نجتمع فيه وقد نقضنا القرآن كله، فإن في نقض القرآن إبطال نبوة محمد، وفي إبطال نبوته إبطال الإسلام، وإثبات ما نحن فيه، فاتفقوا على ذلك وافترقوا. فلما كان من القابل اجتمعوا عند بيت الله الحرام، فقال كل واحد منهم آية من كتاب الله فقال أبو شاكر: وأنا منذ فارقتكم مفكر في هذه الآية: "لَو كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلاَّ اللهُ لَفَسَدَتَ" (الانبياء 22). لم أقدر على الإتيان بمثله. فنظر القوم بعضهم إلى بعض.) وذكروا أن ابن الراوندي قال لأبي علي الجبائي: (ألا تسمع شيئاً من معارضتي للقرآن ونقضي عليه؟). فقال له: (أنا أعلم بمخازي علومك وعلوم أهل دهرك. ولكن أحاكمك إلى نفسك، فهل تجد في معارضتك له عذوبة وهشاشة وتشاكلاً وتلازم، ونظماً كنظمه، وحلاوة كحلاوته؟ قال: لا والله. قال: قد كفيتني. فانصرف حيث شئت). وربما توجد محاولات أخرى لا يهمنا التعرض له. وسواء صدقت الروايات أم لا فالقرآن المجيد ما زال يتحدى الناس ليجاروه ويأتوا بمثله، وما زال له وللإسلام أعداء، لهم قدرات عالية، يودون الإيقاع بهم. وإذا كانت المفاهيم القرآنية الشريفة قد طوِّرت شرحاً وتوضيحاً وتفصيل، خصوصاً في كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام، الذين هم معدن المعرفة لتلك المفاهيم، فإن الأسلوب القرآني في عرض تلك المفاهيم يبقى متميزاً بنفسه في القمة، لا يدانيه بيان، فضلاً عن أن يعلو عليه، كما تقتضيه سنّة التطور العامّة. ولذا نرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام مع ارتفاع مستوى بيانهم حتى ورد عنهم أنهم أوتوا فصل الخطاب، وأنهم أمراء الكلام إذا ضمنوا كلامهم بالقرآن الشريف أو استشهدوا به فيه تميز القرآن عن كلامهم بمستواه الرفيع، وبدا فيه كالوشي الذي يطرِّز الثياب الجياد، والجوهر الذي ترصع به الحلي. ووضوح ذلك يغني عن إطالة الكلام فيه، وذكر الشواهد له.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: قاعدة اللطف تقتضي بعث الأنبياء: بل مقتضى قاعدة اللطف التي قررها علماء الكلام وجوب إرسال الأنبياء على الله عز وجل، لا بمعنى كونه سبحانه ملزماً بذلك من قبل أحد، وطرفاً للمسؤولية أمامه، بحيث يحاسبه لو لم يفعله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً "لاَ يُسألُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسألُونَ" (الانبياء 23). بل بمعنى: أن كماله المطلق وحكمته يستلزمان لطفه على العباد بذلك، فهو لازم عليه عزّ وجلّ بمقتضى كماله وحكمته، لا بإلزام ملزم وحساب محاسب. ويتضح ذلك بالنظر إلى أمور: 1ـ ما أشرنا إليه آنفاً من عدم تحديد فاعلية الغرائز في الإنسان تلقائي كما في الحيوان بل هو مطلق العنان فيه، وقد يغرق في متابعتها بنحو يضر به وبالمجتمع الإنساني، ضرراً قد يبلغ حدّ الفساد، بل التدمير، ويجانب المثل والخلق والفضيلة، منحدراً في حضيض الخسة والهمجية والرذيلة. 2ـ تأهله بسبب نعمة العقل والتمييز للسيطرة على غرائزه، والصعود في مدارج الكمال، ليبلغ القمة في الخير والصلاح والطهارة والعفة والمثل والأخلاق. 3ـ نقصه الذاتي وجهله بما يصلحه كفرد، فضلاً عما يصلح المجتمع الإنساني، وينظم أمره بالوجه الأكمل. وهو أمر ظاهر لا يحتاج إلى برهان. ويتجلى بوضوح بالنظر للأنظمة الوضعية التي هي من صنع البشر، حيث لم تقوَ على معالجة مشاكل الناس ونظم أمرهم، بل انقلبت في كثير من الأحيان إلى أداة يستغلها القوي ضدّ الضعيف باسم القانون. ومازالت مشاكل المجتمع الإنساني في هذه المعمورة في تزايد وتناقضات، قد تصل بحدتها للانفجار والتدمير. ومن أجل ذلك كله يكون مقتضى حكمة الله تعالى ورحمته بعباده أن يأمرهم بالخير، وينهاهم عن الشرّ، ويعرفهم ما فيه صلاحهم، ويهديهم سبل الرشاد، لأنه العالم بجميع ذلك، المحيط به. ثم يجعل الثواب على طاعته، والعقاب على معصيته، ليكون أدعى للمتابعة، وليؤدي العقل دوره الأكمل في تحمل المسؤولية. ولو تركهم وما يريدون ـ من دون أن يرشدهم ويكلفهم ـ يكون قد حرمهم نعمة الإرشاد والصلاح مع شدة حاجتهم له، ولم يقو العقل على أن يؤدي وظيفته، ويكون منحه للإنسان عبثاً خالياً عن الفائدة. بل يصير وبالاً عليه، لأنه يزيد في طاقاته وقدراته على الشرّ والفساد من دون رادع ولا وازع. وذلك لا يناسب حكمة الله تعالى ورحمته لعباده ورأفته بهم.
جاء في كتاب اصول العقيدة للسيد محمد سعيد الحكيم قدس سره: انتشار الإسلام: وهو ما حصل فعلاً في دين الإسلام العظيم، حيث انتشر في فترة قصيرة انتشاراً لا مثيل له، ودخل الناس فيه أفواج، على تقصير في كثيرٍ من حَمَلته، وسلبيات كثيرة فيهم، استوعبها بحقه ووضوح حجته، وتكامل دعوته، وموافقتها للفطرة. ولولا السلبيات المذكورة لطبق الأرض في عصوره الأولى. ولله أمر هو بالغه. لكنه وعد، ووعده الحق. قال عزّ من قائل: "وَلَقَد كَتَبنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعدِ الذِّكرِ أنَّ الأرضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ" (الانبياء 105). والحمد لله رب العالمين. وحيث انتهى الكلام في هذين الأمرين فاللازم علينا النظر في أدلة النبوة الخاتمة والرسالة المهيمنة، وهي نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ورسالته، حيث لابد من إثباتها بأدلة كافية، وبراهين وافية، تقوم بها الحجة الواضحة على الناس.
https://telegram.me/buratha