الدكتور فاضل حسن شريف
جلس هشام بن عبد الملك على كرسي بعيدا عن البيت الحرام واخذ ينظر من بعيد فاذا بالحجيج يفسحون المجال لرجل والبعض يقبل يده، ومع ان هشام يعرفه ولكن تظاهر بعدم معرفته بالرجل عندما سأله احد حماته وهم اهل الشام، ولكن الشاعر الفرزدق سمع المحاورة فاجاب في احد ابيات شعره متهكما قول هشام: (وَلَيْسَ قَوْلُكَ مَن هذا بضَائرِه * العُرْبُ تَعرِفُ من أنكَرْتَ وَالعَجمُ) وبتعبير اخر فيا هشام لا تنكر عدم معرفتك اياه انه علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام.
فاستغرب هشام من مديح الفرزدق فقال له ألا قلت فينا مثلها؟ فكان جواب الفرزدق: هات جدا كجده وأبا كأبيه وأما كأمه حتى أقول فيكم مثلها. فمثل هذا الشعر امام طاغية هو الذي قال فيه الله سبحانه عن الشعراء المؤمنين مثل الفرزدق "ِالاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُون" (الشعراء 227) لان قبلها الاية المباركة "وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ" (الشعراء 224) فالشاعر الفرزدق رضوان الله عليه ليس من الغاوين الذين ينعقون بمديحهم للحكام الطغاة. وقد اغضب كلام الفرزدق هشام فامر بسجنه. وعندما سمع الامام عليه السلام بذلك امر بتقديم المساعدة المالية للفرزدق في سجنه حيث كان يساعد الفقراء والمظلومين وهو المعروف بالكرم والاحسان.
وما مدح شاعر أهل البيت الا كان ضد الطواغيت والجبابرة والذي قال الامام علي عليه السلام على شعرهم (ان في الشعر لحكمة) لان مثل هؤلاء الشعراء لا تنطبق عليهم الاية الكريمة "أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ" (الشعراء 225) فالفرزدق يعرف في اي وادي ذاهب ليس وادي طواغيت بني أمية الذين يعتبرون مثل الفرزدق شاعر مجنون، كما وصف المشركون الرسول الاعظم صلى الله عليه واله وسلم بشاعر مجنون "وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَّجْنُونٍ" (الصافات 36) ولوانه صلى الله عليه واله وسلم ليس بشاعر "َمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ" (يس 69).
والفرزدق شبيه الشاعر دعبل الذي مدح الرضا عليه السلام زمن الحكام العباسيين. قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر). وهشام ومن لف لفه من الطواغين ارادوا اطفاء نور الله ولكن مثل الشاعر الفرزدق رضوان الله عليه وقف له بالمرصاد كما قال الله تعالى "يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ" (التوبة 32-33).
فالانسان ينتقل من بلاء الى بلاء ولكن المؤمن عليه بالصبر في البلية والشدة وذلك باللجوء الى الله تعالى "الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ" (البقرة 156) كما قال الامام زين العابدين عليه السلام (إلهي هل يرجع العبد الآبق إلا إلى مولاه) وهذا هو الصبر الجميل.
https://telegram.me/buratha