الدكتور فاضل حسن شريف
قال الشيخ جلال الدين الصغير في كتابه الموسوم الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم: حجية قول المعصوم عليه السلام في ذلك لدينا جمع غفير من الروايات الصحيحة الصادرة عن المعصوم عليه السلام والتي تجمع على أنه له عليه السلام علمه الخاص الذي لا ترقى إليه علوم البشر، وأن هذا العلم هو ما ورثه من الأنبياء عليهم السلام، وما أوحاه إليه روح القدس، وأنه لا يتعلق الماضي فحسب، بل أنه يزداد في كل لحظة، حسب ما يقتضيه مقام الرسالة، وقبل أن نورد مقتطفات من روايات أهل أن أشير البيت عليهم السلام وهي إننا لو قلنا بأن آدم علم علما وصفه القرآن الكريم بهذا النص: "وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ" (البقرة 31-32)، وأن هذا العلم مما لم تطاله نفس الملائكة كما توضح الآية، ثم تفضل الله جلت قدرته بتعليم أنبيائه وصلا إلى نبينا صلى الله عليه واله وسلم بعلوم الغيب وما إلى ذلك وبالضرورة التي توضحها العديد من الآيات الكريمة، فهل يا ترى كان ذلك لغاية خدمة أهداف الرسالة أم لأن فإذا كان ذلك من أجل خدمة هذه الأهداف، فهل انتفت حاجة الرسالة إليها بعد الرسول صلى الله عليه واله وسلم بحيث أن هذا العلم لم يبق وجوده مبررا على سطح الأرض فرفعه الله إلى السماء؟ أننا نجد في قصة الخضر عليه السلام ما يجعلنا نرى أن وليا من أولياء الله مكن من علم لم يمكن منه نبي عصره وهو موسى عليه السلام بحيث أن نفس هذا النبي يطلب من الخضر أن يعلمه كما تشير الآية: "قَالَ لَهُ مُوسَى هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا" (الكهف 66)، وهي قصة تجعلنا لا نتأبى أن يعلم الوصي علم النبي، وهذا ما يؤكد صحة ما تواتر على نقله أصحاب الحديث عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام: علمني ألف باب من العلم يتفتح لي من كل باب ألف باب. وهذا الفهم تؤكده الروايات الصحيحة الكثيرة المنقولة عن أهل البيت عليهم السلام. وفي صحيحة أحمد بن محمد، عن الحسين ابن سعيد، عن النصر بن سويد، عن يحيى الحلبي، عن أبي الصباح الكناني، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبد الله عن قول الله تبارك وتعالى: "وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ" (الشورى 52) قال: خلق من خلق الله أعظم من جبرئيل وميكائيل كان مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يخبره ويسدده وهو مع الأئمة من بعده.
واستطرد الشيخ الصغير قائلا: ولكن ما بال الأخبار المتعارضة؟ ومن الطبيعي بعدئذ أن نواجه هذا الاعتراض، وهو وجود بعض الروايات التي تشير إلى أن الإمام لم يكن لديه العلم الذي تتحدث عنه ما مر من لروايات ومن جملتها رواية الاحتجاج التي ينقلها محمد بن علي بن هلال الكرخي عن الإمام الحجة المنتظر عليه السلام والتي يقول فيها: (يا محمد بن علي تعالى الله وجل عما يصفون سبحانه وبحمده، ليس نحن شركاؤه في عمله ولا في قدرته، بل لا يعلم الغيب غيره، كما قال في محكم كتابه تباركت أسماؤه: "قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ" (النمل 65) وأنا وجميع آبائي من الأولين: آدم ونوح وإبراهيم وموسى وغيرهم من النبيين، ومن الآخرين محمد رسول الله وعلي بن أبي طالب وغيرهم ممن مضى من الأئمة صلوات الله عليهم أجمعين، إلى مبلغ أيامي ومنتهى عصري عبيد الله عز وجل يقول الله عز وجل: "وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى" (طه 124-126) يا محمد بن علي قد آذانا جهلاء الشيعة وحمقاؤهم، ومن دينه جناح البعوضة أرجح منه. فأشهد الله الذي لا إله إلا هو وكفى به شهيدا، ورسوله محمدا صلى الله عليه وآله، وملائكته وأنبياءه، وأوليائه وأشهدك وأشهد كل من سمع كتابي هذا أني برئ إلى الله وإلى رسوله ممن يقول: إنا نعلم الغيب، ونشاركه في ملكه، أو يحال محلا سوى المحل الذي رضيه الله لنا وخلقنا له، أو يتعدى بنا عما قد فسرته لك وبينته في صدر كتابي). إن هذه الروايات ونظائرها ناظرة في الأصل إلى نفي الاستقلالية عن الله، بل إن علومهم صلوات الله عليهم هي تابعة عليه تبعية الفرع للأصل، وما تراه في الأحاديث المتواترة عنهم بأنهم يعلمون علم الغيب، إنما يصح مع نفي الاستقلالية، وما من أحد يمكنه القول بأن علمهم صلوات الله عليهم في المغيبات ناجم عن استقلالية عن علم الله جلت قدرته، ولهذا فإن قولهم عليهم السلام بأنهم لا يعلمون الغيب ليس مطلقا وما يقيد هذا الإطلاق هو أقوال القرآن الكريم المؤكدة لوجود مستثنيات في هذا المجال كما في قوله تعالى: "عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ" (الجن 26-27) وهي مقيدة مرة ثانية بما تحدثوا عنه ومارسوه بالفعل بكونهم يعلمون.
يقول الشيخ جلال الدين الصغير: فقد عرفنا أن علم المعصوم عليه السلام من صنفين، صنف هو كعلمنا مع ما يمتازون به من صفاء ونقاء في التفكير، وصنف آخر من جهة علم الملكوت، وهم بهذا العلم يعلمون مستقبل الأمور، وعلم الملكوت فيه حسب الظاهر علم مبرم لا يختلف، وقسم آخر علم يمكن أن تغير فيه حالات كثيرة كما في حالات البداء وآثار الدعاء والأعمال الصالحة كصلة الرحم والصدقة وما إلى ذلك، فإن كان مستقبل المعصوم عليه السلام مرتبطا بالقسم الأول من هذا العلم، فهو يستقبله استقبال التسليم والرضا بقضاء الله، ومن هو أولى منه في التعبد بالآية الشريفة:"وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا" (الاحزاب 36) وفي ذلك لدينا روايات كثيرة.
https://telegram.me/buratha