الدكتور فاضل حسن شريف
قال آية الله العظمى السيد محمد سعيد الحكيم قدس سره في كتابه فاجعة الطف: يجب بقاء الدين الحق واضح المعالم ظاهر الحجة: وحيث كان المشرع للدين هو الله عز وجل الحكيم الأكمل، ذو العلم المطلق، المحيط بكل شيء، ولا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فمن الطبيعي أن يكون الدين الذي يشرعه في فترة زمنية معينة، ويفرض على عباده الالتزام به في تلك الفترة، واجداً تشريعياً لمقومات بقائه واضح المعالم مسموع الدعوة ظاهر الحجة "لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ" (الانفال 42)، بحيث يكون الخروج عنه خروجاً بعد البيان والحجة، كما قال عز من قائل: "وَمَا كَانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُم مَّا يَتَّقُونَ" (التوبة 115)، لئلا يقولوا: ((رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ مِن قَبْلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخْزَى" (طه 134).
غلبة الباطل لا توجب ضياع الدين الحق وخفاء حجته: السلطة في الإسلام لو لم يكبح جماحه: من الطبيعي أن يجري الله عز وجل في دين الإسلام القويم تشريعاً على سنن الأديان السابقة، فلا يتركه بعد ارتحال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للرفيق الأعلى عرضة للاختلاف والاجتهادات المتضاربة، بل يوكله للمعصومين الذين يؤمن عليهم الخطأ والاختلاف. بل هو أولى من الأديان السابقة بذلك بعد أن كان هو الدين الخاتم، الذي لا ينتظر أن يشرع بعده دين ونبوة تصحح الأخطاء والخلافات التي تحصل بين معتنقيه، كما تصدى هو لتصحيح الأخطاء والخلافات التي حصلت بين معتنقي الأديان السابقة عليه. قال الله عز وجل: "تَاللهِ لَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِّن قَبْلِكَ فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَهُوَ وَلِيُّهُمُ الْيَوْمَ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ" (النحل 63-64)، وقال تعالى: "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ * وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ" (النمل 76-77)، وقال سبحانه: "يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ" (المائدة 15) إلى غير ذلك. وقد كان المعصومون، الذين أوكل الله تعالى دينه العظيم إليهم، وجعلهم مرجعاً للأمة فيه، هم الأئمة الاثني عشر من أهل البيت، أولهم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وآخرهم إمام العصر والزمان الحجة بن الحسن المهدي المنتظر صلوات الله عليهم أجمعين . ولسنا الآن بصدد إثبات ذلك، بل هو موكول لعلم الكلام، وكتب العقائد الكثيرة، ومنها كتابنا (أصول العقيدة).
لزوم جماعة المسلمين والمؤمنين وحرمة التفرق: لزوم جماعة الأئمة، التي هي جماعة المؤمنين، واتباع سبيلهم، والنهي عن الاختلاف والتفرق، قال الله تعالى: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُو" (ال عمران 103. وقال عز وجل: "وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ" (ال عمران 105). وقال سبحانه: "إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ" (الانعام 159). وكذا ما سبق من خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجد الخيف. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) . وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (أنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن. بالجماعة والسمع والطاعة، والهجرة، والجهاد في سبيل الله. فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه، إلى أن يرجع) إلى غير ذلك. وقد أجمع الجمهور على حرمة الخروج على الإمام العادل ـ فضلاً عن المعصوم ـ وأن الخارج عليه باغٍ يجب على المسلمين قتاله حتى يفيء للطاعة. قال الله عز وجل: "وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ" (الحجرات 9).
طاعة الإمام ولزوم جماعته مدعاة للطف الإلهي: بل الطاعة المذكورة مدعاة للطف الإلهي والفيض الرباني على الأمة بعد أن اجتمعت على طاعة الله عز وجل، وانضمت تحت راية عدله التي رفعها له. كما قال الله عز وجل: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ" (الاعراف 96). وقال سبحانه تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ * وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم" (المائدة 65-66). وقال سلمان الفارسي: (لو بايعوا علياً لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم). وقال أبو ذر: (أما لو قدمتم من قدّم الله، وأخرتم من أخر الله، وأقررتم الولاية والوراثة في أهل بيت نبيكم، لأكلتم من فوق رؤوسكم ومن تحت أقدامكم)
https://telegram.me/buratha