الدكتور فاضل حسن شريف
قال الشيخ جلال الدين الصغير: صورة نبي وحاشا لذاته الشريفة من كل ذلك، من حق المرء أن يخجل من التصرفات لتنسبها له متون، ولكنه يقدم في سلوكه هذا بعنوانه من نزلت فيه هذه الآية: "وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (القلم 4) ونبي يخنع ويداهن في الفعل والقول ويخاف على نفسه من الغيلة فلا يستطيع النوم من الخوف، يتناسى حراسة الأجل لعمره، بالرغم من أنه مطالب عدم الخوف بل وبأعنف صور المجابهة والمجاهدة المتمثلة بقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" (التوبة 73) وبالرغم من أنه يقدم بصورة العصمة المطلقة المتأتية من قوله تعالى: "وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى * ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى" (النجم 1-15). التراث في جانبه المقدس والثابت، الذي لا يمكن التهاون بشأنه مهما كانت الظروف وأيا كانت التحديات، وبمعنى أدق الالتزام بالكتاب العزيز وسنة المعصوم عليه السلام، لتكون هي المرجعية الوحيدة التي نتحاكم إليها في مواقع الجذب والدفع، وفي مواقع الإحباط والتحفز تجاه أي عالم من عوامل المعترك الحضاري "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا" (النساء 59). أن هذه الأمة التي وعدها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بعدم الضلال بقوله المتواتر لدى الفريقين: (إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيت). فكرتنا نحن الإمامية وببساطة تتلخص بالقول بأن هذا الكتاب الكريم أرسله الله جل وعلا رحمة للعالمين، وليس نقمة عليهم، ولهذا ووفق منطق الرحمة الإلهية حينما أرسله أنزله على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليقوم بمهمة الهداية وإنقاذ الناس من الضلال وفق منطوق الآية الكريمة: "لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ" (ال عمران 164) ولهذا فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما يكون هذا هو دوره فإنه ومن يمثله هو المرجعية الوحيدة القادرة على فك أسرار هذا الكتاب، وقد حدثنا هذا الكتاب بلهجة واضحة وصريحة بأنه يحوي كل شئ وفق قوله تعالى: "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ" (النحل 89). ولكن كيف يمكن لنا أن نصل إلى المرتبة الكفيلة بتحويل القرآن إلا المعين الذي يعطينا كل شئ ويفيض علينا بالهدى والرحمة والبشرى، بعدما حوله الفهم البشري إلى مصدر تضليل واختلاف بيننا ففرقنا مذاهب شتى، وبضعنا طرائق قددا. كان القرآن أول من أشار: إلى هذه المشكلة حينما قال تعالى فيه: "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (ال عمران 7) فنظرا للطبيعة الإلهية التي تتحكم فيه، فمن الطبيعي أن لا يتمكن من تأويله إلا من نال العلم الإلهي، وبغيره فعملية التأويل لن تكون إلا واحدة من اثنتين: إما ابتغاء الفتنة وإضلال الناس فتكون النتيجة: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ" (الحج 3) وإما الضلال عن إدراك حقيقة المراد القرآن لتكون النتيجة: "وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ" (الحج 8).
قال الله تبارك وتعالى "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (ال عمران 7) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: قال: رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفضل الراسخين قد علمه الله جميع ما أنزل الله إليه من التنزيل والتأويل، وما كان الله لينزل عليه شيئا لم يعلمه تأويله، وأوصياؤه من بعده يعلمونه كله، والذين لا يعلمون تأويله إذا قال العالم فيه العلم فأجابهم الله: "يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا" (ال عمران 7) والقرآن خاص وعام، ومحكم ومتشابه، وناسخ ومنسوخ والراسخون في العلم يعلمونه. وهذا ما يجعل سنة المعصوم عليه السلام بصورها الثلاث القول والفعل والإمضاء هي الوحيدة القادرة على تفسير الكتاب العزيز والكشف عن مضامينه، وذلك لبداهة القول بأن هذا الكتاب يحتاج إلى من له علمه أكثر منه، ولا يمكن أن نتعلمه ممن هو دون ذلك، لأن فاقد الشئ لا يعطيه، ولهذا تجد أمير المؤمنين عليه السلام يشير إلى هذا الاشكال بوضوح ودقة حينما يقول: لا تخاصمهم بالقرآن، فإن القرآن القرآن حمال ذو وجوه، تقول ويقولوا، ولكن حاججهم بالسنة، فإنهم لن يجدوا عنها محيصا.
قال الله تعالى "وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (ال عمران 49)، وقوله عز من قائل "قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ" (النمل 40) جاء في كتاب الولاية التكوينية الحق الطبيعي للمعصوم للشيخ جلال الدين الصغير التي ابتدأ الكتاب بهاتين الآيتين: من دواعي السرور والتوفيق أن تنفذ الطبعة الأولى من هذا الكتاب في مدة قصيرة جدا لم تتعد الأسابيع الستة الأولى التي أعقبت صدوره، وكان الطلب عليه شديدا إلى الدرجة التي أوقعت المؤلف بحرج شديد مع أولئك الذين كانوا يلحون بطلب نسخة منه، ظنا منهم أن جواب نفاذه لا يتلاءم مع الواقع، حيث إن الكتب التي تنفذ بهذه السرعة محدودة جدا، ولكن هذا النفاذ ألجأ بعض القراء إلى تداول نسخة واحدة بين أكثر من قارئ، فيما راح الكثير من هؤلاء الأعزاء يستنسخون الكتاب بصور مختلفة.
https://telegram.me/buratha