الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله تبارك وتعالى "وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ * قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ ۖ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ * قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ" (الاعراف 11-13)، و "فَسَجَدَ ٱلْمَلَٰٓئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلَّآ إِبْلِيسَ ٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْعَالِينَ * قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ" (ص 73-76) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: ونرى نفس العامل يفضي محتواه في أول حركة عصيان وإجرام شهدتها الأرض من البشر والتي أشار إليها قوله تعالى: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ * لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ * إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ * فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ" (المائدة 27-30) حيث نجد هنا عنصر الحسد يحرك بواعث الغضب ومن ثم ليحولها إلى حقد أعمى نراه يعبر عن نفسه في قصة قتل هابيل عليه السلام من قبل أخيه قابيل لعنه الله. ونفس العامل نجده يعبر عن نفسه في صورة أخرى تتمثل في تغلب العقد النفسية والأهواء على إيمان بلعم ابن باعوراء الذي كان قد وصل به إلى أنه كان من المحظيين برحمة الله عليه حين أصبح يتمتع بآيات الله، وذلك بالصورة التي تصورها الآية الكريمة: "وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الاعراف 175-176) ونفس ما نراه في الانحراف نراه في الإيمان من احتلال هذا العامل للدور الرئيسي في الدفع باتجاه الكمال المعنوي والروحي كما تصوره الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ" (المائدة 54) حيث نرى الصفات الصالحة قد ابتنيت على حب الله وجاذبية هذا الحب للعاشقين ليجسد نفسه في الصور التي عرضت لها الآية الكريمة.
قال الشيخ جلال الدين الصغير: نلحظ أن القرآن الكريم رسم اتجاهين يكمل أحدهما الآخر، وكان أحدهما قد تولى تحديد الأطار لإمامة الوجدان، فيما عمل الآخر على إثارة وجدان المكلف ودفعه للتمسك بهذا الأطار. وفي الاتجاه الأول سار القرآن في البداية على مركزة الولاء لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو المطاع "قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ" (ال عمران 32) وهو صاحب الولاية "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ" (المائدة 55) وهو مركز الشفاعة، وهو صاحب الوسيلة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" (المائدة 35) وهو معدن الرحمة "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ" (الانبياء 107) وهو الشاهد، والبشير، والنذير، وسبب دفع العذاب "وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ (الانفال 33) وغير ذلك من الصفات والمناقب التي بطبيعتها تنشأ علقة عاطفية غير طبيعة حتى تبلغ بها المستوى الأعلى بحيث لا تكون معها أي عاطفة لأقرب المقربين إن ما حاد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما نلحظ ذلك في تعبير الآية الكريمة: "لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة 22) ولو دققنا في المحور الأخير من الآية "أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (المجادلة 22) نجد أنها تسعى لبلورة هذه العاطفة ضمن أطار لا يتوقف عند الرسول صلى الله عليه وآله وسلم فحسب، وإنما يمتد لكل ما من شأنه أن يتصل بالرسول، ليكون هذا المتصل من أركان حزب الله وفقا لطبيعة موقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه، ولهذا ليس من المستغرب أن نجد بعد هذا الطرح توسعة في تحديد الأطر القيادية لحزب الله حيث تعبر الآية الكريمة عن ذلك بالقول "إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ" (المائدة 55-56) ومن هذه الآية تتبلور صورة الاتجاه الثاني، حيث نجد خطا قرآنيا جديدا في المحورية الوجدانية وهذا المحور الذي يسميه القرآن هنا بجهة الذين آمنوا، سيصفه الصورة الأخرى لكمال الالتزام بالرسالة المحمدية، فبعد أن حدد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم خط هذا الالتزام في الآية القرآنية: "قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا" (الفرقان 57) نراه يعمل على وضع التجسيد الاجتماعي والمصداقي لهذا الخط بالصورة التي وصفتها الآية الكريمة: "ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ" (الشورى 23)، أو بالصورة التي تعبر عنها آية المباهلة في وضع نفس الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأمير المؤمنين عليه السلام في صف واحد "فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ" (ال عمران 61). ولا يكتفي بذلك فحسب بل يعمل على تحشيد عدد كبير جدا من الآيات القرآنية لوصف مناقب جهة القربى كلا أو جزءا والتمجيد بها، في مهمة تستهدف إعادة مركزة الوجدان من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهذه الجهة ولهذا طولبنا بالاقتداء بها "لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا" (الاحزاب 21). وهنا ينبغي أن نلفت الانتباه إلى حقيقة أن القرآن الكريم لا يمكن أن يتحدث عن تلك المناقب والفضائل "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42)، و "مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ" (فصلت 43) ولهذا لا بد من القول بأن أحد صور هذا الهدفية هي غاية جمع الناس حول أصحاب هذه الآيات وشد انتباههم إليهم، ولعمري إن وجد القوم في آية الغار: "إثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" (التوبة 40) على ما فيها من إشعار بضعف موقف رفيق الغار، وما يشكل منقبة له ليتغنوا بها ويجعلوها أحد مبررات أفضليته، فكيف لا يمكن أخذ هذه الأفضلية من حشد عظيم من هذه الآيات التي تتحدث عن المناقبية الفذة للعترة الطاهرة. قاتل الله الطائفية كيف تعمي وتصم.
https://telegram.me/buratha