الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 5)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الله جل جلاله "قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا" (الكهف 103-104) عن هذه الاية قال الشيخ جلال الدين الصغير: إن ما من فعل تام ذكر في القرآن قد تم التحدث عن أفعل التفضيل له بصورة ظاهرة أو مضمرة، وحيث أن أفعل التفضيل هذا له حدان سالب وموجب، بمعنى أن ما في صفة إلا ولزم افتراض وجود صورتها الجمالية الكاملة التي لا شوب فيها، والعكس صحيح أيضا، فالتقوى مثلا التي تحدث عنها القرآن لأفعل تفضيلها إما أن نراه مضمرا موجبا بعنوان الأتقى، أو ظاهرا سالبا بعنوان الأخسرين كما تحدث عنهم القرآن. ومثلما افترض وجود أئمة للكفر "فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ" (التوبة 12) فإنه تحدث عن أئمة الإيمان "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" (الانبياء 73) ولربما نجد أن هذا لسبب هو الذي جعل الصحابي الجليل عبد الله بن عباس يجزم في الحديث المتواتر عنه بأن الله لم ينزل آية يا أيها الذين آمنوا إلا على رأسها وقائدها وشريفها وأميرها. قال الله عز وجل "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا" (الاحزاب 45) حينما يطرح النبي الشاهد لا بد من أن نتساءل عن سبب الشهادة، وهل هي خاصة بعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، دون غيره، هنا سوف لا نجد القرآن يقف مكتوف اليد تجاه مسألة كهذه، بل سنراه يوضح بقوله تعالى: "فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا" (النساء 41) أنها مطلوبة في كل الأزمان. ولو أخذنا الآية الشريفة: "إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ" (الرعد 7) فهي الأخرى تدلنا على ما نحن بصدده، فالامتداد هنا واضح، ولكن طبيعة الهداية التي تنسجم مع أن تكون حجة الله بالغة بصورة لا تجمل لعباده أي مجال للتذرع. وتطرح سورة القدر الأمر بوضوح من بعد آخر، ففي قوله جل وعلا: "تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ" (القدر 4) وما نرى من دور لفعل المضارعة في الآية المناظرة "إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ * فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 3-4) وكذا قوله: "تَنَزَّلُ" (القدر 4) يدل على أن هذا التنزل من قبل الملائكة والروح يكون في كل عام، من دون أن يتخصص بزمن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم دون غيره من الأزمان. وتريده الآية الكريمة: "يُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنْذِرُوا" (النحل 2) أيا كان ذلك فهو أمر متعلق الوحي الإلهي. الخوارج قالوا: لا يلزم الناس فرض الإمامة، وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق بينهم، والقرآن والسنة قد وردا بإيجاب الإمام، ومن ذلك قول الله تعالى: "أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ" (النساء 59) مع أحاديث كثيرة صحاح في طاعة الأمة وإيجاب الامامة. أما قول آمين بعد قراءة الحمد فهو مبطل للصلاة على الأحوط، لكنه كالعادة عاد فضل الله ليقول: وإن كان للصحة وجه وجيه، لا سيما إذا قصد بها الدعاء. ثم ليذكر في مكان آخر بأنه لا يبطل الصلاة. مع العلم أنها داخلة ضمن ركن من أركان الصلاة، وقول آمين يجعل قول: "اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ" (الفاتحة 6-7) بمثابة الدعاء بما يبطل القراءة.

قال الله جلت قدرته "هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (ال عمران 7) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: تشير الآية الكريمة إلى حقيقة أن هذا الكتاب لا يكفي بمفرده ليعالج مشكلة هداية الناس وسوقهم نحو الطاعة لله، وذلك لأنه يحوي محكمات ومتشابهات، وهذه المتشابهات مرتبطة بتلك المحكمات، غير أن ارجعا كل آية إلى موضعها ضمن تعقيدات الحياة المختلفة عملية تنطوي على مخاطر متعددة، فالذي يريد القيام بهذه العملية إما أن يقع أسيرا لأهواء نفسه في رغبته للتخلص من الخطر أو رغبتها في الاستزادة من الدنيا، فيضع النص القرآني بدوره أسيرا لمراميه ومآربه "فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ" (ال عمران 7) فيفتن الناس ويضلهم سعيا وراء طموحاته وأهدافه المتحركة من أهواء النفس ويزع الشيطان، وذلك وفق ما صورته الآية الكريمة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ" (التوبة 34) وإما أن يكون جادا في وصله لتأويل هذه المتشابهات، ولكن لطبيعة أن هذا الكتاب قد أرسل من قبل الجهة الربانية، وعلمه مختص بمن توليه هذه الجهة أسراره بحيث يكون هذا العلم إما متساويا مع ما في الكتاب من علم أو أكثر منه، لاستحالة أن يكون أقل منه باعتبار أن فاقد الشئ لا يعطيه لذا فلا يمكن تصور أن بمقدور أي إنسان شاء أن يستطيع سبر أغوار هذا الكتاب وابتغاء تأوليه فيضل الناس عن بلوغ مرامي لكتاب حتى لو رغب صادقا في تأويل الكتاب، فتأوليه سيأتي بمقدرة عقل مهما قلنا فيه فسيبقى ناقصا فكيف يمكن لناقص أن يفسر كاملا؟. وفي كلا الحالتين نرى الجهد البشري يختلف عن الوصول إلى حقائق هذا الكتاب لخصوصياته التي جعلت فهمه الكامل والشامل منحصرة في جهة خاصة هي التي عبرت عنها الآية الكريمة بدقة وحزم: "وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (ال عمران 7). إذا ما لاحظنا أن بعض آيات الكتاب الكريم كانت قد تحدثت عن طبيعة غير عادية بالنسبة لهذا الكتاب، وأولته إمكانات هي في أدنى حدودها الطبيعية فوق ما يسمى بعالم الطبيعة كما في قوله جل من قائل "وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعًا أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا" (الرعد 31) أو في قوله تعالى اسمه: "لَوْ أَنزَلْنَا هَٰذَا الْقُرْآنَ عَلَىٰ جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۚ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ" (الحشر 21) إن مقتضى الاطلاق في مفردة الراسخين في العلم تستدعي أن يكون هذا العلم علما شموليا في كتاب وصف بأن فيه تبيان كل شئ "وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ" (النحل 89).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك