الصفحة الإسلامية

اشارات الشيخ جلال الدين الصغير عن الامامة في القرآن الكريم (ح 4)


الدكتور فاضل حسن شريف

قال الشيخ جلال الدين الصغير: نلحظ أن الإمامة كمفهوم عام قد تمت طرحها في القرآن بشكل واضح لا يتناقض فيه اثنان، كما نلحظ ذلك في قوله تعال: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) وكذا قوله تعالى: "وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ" (الانبياء 73) وكذا قوله تعالى: "وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ" (القصص 5) وأيضا قوله تبارك اسمه: "وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ" (السجدة 24) ففي مجموع هذه الآيات نلحظ أن القرآن الكريم لم يكتف بالإشارة إلى المصطلح فحسب، وإنما قام باستعراض بعض مواصفات الإمامة فهي جعل من الله، وهي معصومة، ومن صفات الأئمة المعلنة الصبر واليقين والعبادة المحضة ولم يكتف بهذه فحسب، بل وحدد جملة من المهام للأئمة، فهم يقومون بعملية الهداية الربانية، وهم ممن يوحى إليه فعل الخير وإقام الصلاة، وحينما يقومون بذلك فبتكليف خاص من الله نتيجة لصبرهم يختلف عن بقية التكاليف الموجهة لبقية البشر، وهذه بمجموعها حقائق غير قابلة للجدل والنقاش بين جميع فرق المسلمين، وكانت من الواجب على فضل الله ضمن مبناه الذي تحدث به في مقالة (الأصالة والتجديد) أن يضع الإمامة في خانة الثوابت لا أن يضعها في خانة المتحولات. فإذا ما كنا نعتقد أن القرآن الكريم معجزة البلاغة وأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لقوله تعالى: "لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ" (فصلت 42) وأنه لا يحوي على أي تناقض كما أوضح الله سبحانه بقوله: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا" (النساء 82) فمن اللازم أن نعتقد أن تعميمات القرآن تفضي إلى خصوصياته، والعكس صحيح أيضا حيث تؤدي خصوصياته إلى عمومياته، وهذه من لوازم عملية الهدى التي أنزل القرآن الكريم كي يكون أطارها الروحي والفكري، وما دام أن القرآن قد طرح شيئا من هذا وشيئا من ذلك، فلا بد وأن نخوض في عبابه كي نستدل على حقيقة الأمر منه. وبعد ذلك فلا يمكننا أن نمر على الآيات القرآنية التي تحدثت عن الإمامة مرور الكرام، وتستوقفنا الآية الكريمة: "وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) لتطرح عدة من مشخصات خط الإمامة، حيث نلحظ هنا أن مقامها الرباني أرفع من النبوة، فالجعل الإلهي الذي تتحدث عنه الآية لم يتم إلا بعد أن أكمل إبراهيم النبوة.

قال الله تبارك وتعالى "وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الاعراف 134) وكذا قوله: "وَلَمَّا وَقَعَ عَلَيْهِمُ الرِّجْزُ قَالُوا يَا مُوسَى ادْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِنْدَكَ لَئِنْ كَشَفْتَ عَنَّا الرِّجْزَ لَنُؤْمِنَنَّ لَكَ وَلَنُرْسِلَنَّ مَعَكَ بَنِي إِسْرَائِيلَ" (الزخرف 49) أوضح الشيخ جلال الدين الصغير: فهذه الآيات في حديثها توجه النظر إلى ما عهد عند موسى عليه السلام بحيث أنه يتمتع بالقدرة الإعجازية على رفع العذاب عنهم. وكيفما يكن من أمر، فلازم الآية الكريمة العديد من الأمور أهما: أولا: أن يكون الإمام مشخصا من قبل الله جل وعلا، فهو مصدر الجعل في هذا الشأن، ولم يترك ذلك للناس لسبب بسيط أن الإمامة المنظورة هنا هي أكبر من طاقات وقدرات الناس بل حتى الأنبياء والأولياء منهم كما يتضح من قوله تعالى: "وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا" (طه 115) وهذا ما يلجئنا إلى القول بأن لا إمامة من دون نص إلهي مسبق. ثانيا: إن هذا الإمام ينبغي أن يكون معصوما، وهذا ما يدل عليه تحريم الله هذا المقام والعهد للظالمين "قَالَ لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124). ثالثا: إن دور الإمامة يبقى إلى أمد الدهر، حيث ترينا جملة: "لَا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ" (البقرة 124) أن هذا العهد يبقى أمد الدهر، لما يلحظ من تقدم فعل المضارعة هنا يَنَالُ عليه، والذي يفيد الحال والاستئناف المستقبلي. رابعا: أن يكون الإمام في كل الأحقاب الزمنية مشخصا فلا معنى للنص على إمامة من دون الإمام، ولا دور للإمام من دون أن يلزم الشارع المقدس بالتبعية له، ولا تبعية من دون تشخيص الإمام. خامسا: إمامة الوجود، فهذا الوجود الذي سخره الله لعباده بقوله تعالى: "أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً" (لقمان 20) وكذا قوله تعالى: "وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية 13) وعملية التسخير هذه تحتاج كما في طبيعة الحجة القرآنية إلى شاهد عليها من البشر حتى يتعرف على حجمها وما فيها من أسرار، وكما حصل الأمر مع إبراهيم "وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ" (الانعام 75) والرؤية وحدها لا تكفي، بل لا بد من أن يكون مؤتمنا عليها وفق ما تصوره آية الأمانة: "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا" (الاحزاب 72).

قال الله جل وعلا "قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ" (الانعام 149) يقول الشيخ جلال الدين الصغير: إن افتراض أن هذا العلم أعطي لجهة الهداية بأطرافها الثلاثة الانذار والتبشير والشهادة، يستدعي القول بأن طبيعة المهمة التي أنيطت بعاتق الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يفترض أنه لم يكن الوحيد في هذا المجال لأسباب عدة أذكر منها اثنين فقط: الأول إن الله الكريم في جوده، والوهاب في رحمته حينما ينزل بالعلم على عباده، فمن أجل الرحمة بهم وسقهم نحو مكامن الهداية، ولكي يتم حجته على عباده، وهذا مقتضى أن يكون صاحب الحجة البالغة كما جاء في الآية المباركة الانعام 149 وأمر كهذا لا يتوقف على حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل يمتد حتما إلى ما سواه حقق يتحقق المراد الإلهي، وهذا هو مفاد روايات شريفة متعددة كما في صحيحة الفضيل بن يسار حيث روى عن الإمام الباقر عليه السلام قوله: (إن العلم الذي نزل مع آدم لم يرفع، وما مات عالم فذهب علمه وإن العلم ليتوراث إن الأرض لا تبقى بغير عالم). الثاني: إن الحياة العملية تثبت أن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن متفرغا لإلقاء الصورة الظاهرية لهذا العلم فضلا عن صورته الحقيقة، ومضامينه التفصيلية، وصيغه التطبيقية بل إن ما عاشه من حروب وأزمات سياسية وطبيعة العقلية الاجتماعية المهيمنة، والمستوى الروحي الذي كان يتمتع به المجتمع الذي كان يعايشه لم تمكنه من أبلغ هذا العلم إلى المسلمين بالطرق العادية، ولم تكن الحالة العقلية للمسلمين بالدرجة التي تسمح للرسول صلى الله عليه وآله وسلم بمجرد الاطمئنان لما حصل من تقدم علمي فضلا عن تكاملهم العملي.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك