الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله جل جلاله "وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ" (التوبة 6) وورد ان هذه الاية المباركة تعتبر حجر الزاوية للتشريع القرآني للجوء، وهو دليل على تشجيع دولة الاسلام على استقبال اللاجئين وحتى لو كانوا مشركين. واكد القرآن الكريم على اللجوء بمعاني مختلفة منها الهجرة والاجارة والامن والاستضعاف. واللجوء كان حاصلا قبل الاسلام ومن ذلك وردت اهميته في الديانات السماوية التي سبقت الاسلام، فقد لجأ المسلمون الاوائل الى ملك الحبشة فاعطاهم الامان وحسن وفادتهم. الاستجارة او الاجارة هي من معاني اللجوء المعروف في الوقت الحالي.قرأ غوتيريش الامين العام للامم المتحدة الآية السادسة من سورة التوبة في احدى المؤتمرات الدولية حول اللاجئين قائلا (هذه الآية مثال على التسامح ضد اللاجئين، وجاءت قبل مئات السنين من الاتفاقية الأممية الخاصة بوضع اللاجئين عام 1951).
على الانسان ان يعامل الاخرين بالاحسان وخاصة صاحب حاجة مثل اللاجئين وبالاخص الاطفال والنساء كما قال الله تعالى "وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا" (البقرة 83)، و "وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا * الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا" (النساء 36-37)، و "وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا" (الاسراء 26). واكد القرآن الكريم على المستضعفين من اللاجئين حيث يحق لهم اللجوء الى الاماكن الامنة في الارض. قال الله سبحانه وتعالى "وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا " (النساء 75).
ان اللجوء حق وواجب شرعه الاسلام الذي هو دين الرحمة والعطف والمحبة. قال الله تبارك وتعالى "ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ" (البلد 12). قال الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم (الراحمون يرحُمهم الرحمنُ، ارحموا أهلَ الأرضِ يَرْحَمْكم من في السماءِ).
مدح القرآن الكريم الانصار لاستقبالهم المهاجرين القادمين من مكة. قال الله تبارك وتعالى "وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ وَأُولُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ " (الانفال 75)، و "إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ " (الحجرات 10)، و " وَالَّذِينَ تَبَوَّأُوا الدَّارَ وَالْأِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" (الحشر 9).
والانسان يجب ان يكون آمن اي غير خائف قال الله تبارك وتعالى "مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ" (النمل 89)، و "وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ " (سبأ 37)، و "فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَىٰ يُوسُفَ آوَىٰ إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ " (يوسف 99).
ومن موانع اللجوء في الاسلام ان لا يكون طالب اللجوء اقترف جرما شرعا في بلده كالسارق والزاني. قال الله تعالى "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا (10)" (الشمس 7-10).
الاسلام اكد على حرية التنقل واختيار محل الاقامة في دولته او خارج دولته. قال الله تبارك وتعالى "لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ" (التوبة 57) الملجأ قد يكون مغارة او دولة. قال الله عز وجل "وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ" (التوبة 118)، و "اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُم مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُم مِّن نَّكِيرٍ" (الشورى 47).
وَالْيَوْمُ الْعَالَمِيُّ لِلاَجِئِينَ جاء بسبب الذِّكْرَى السَّنَوِيَّةَ لِتَأْسِيسِ مُفَوَّضَةِ الْأُمَمِ الْمُتَّحِدَةِ لِشُؤُونِ اللّاَجِئِينَ. جاء في تقرير للامم المتحدة: وَتُهَيِّبُ بِالدُّوَلِ وَبِالمُفَوَّضَةِ بُذِلَ جُهُودُ مُجَدَّدَةٌ مِنْ أَجَلْ كَفَالَةُ الْاِحْتِرَامِ الْكَامِلِ لِحُقوقِ اللّاَجِئِينَ كَبَارِّ السِّنِّ وَاللّاَجِئِينَ الْمُعَوِّقِينَ وَاِحْتِيَاجَاتِهُمْ وَكَرَامَتَهُمْ. وتجاوز عدد اللاجئين حسب احصائيات الامم المتحدة في الداخل والخارج 80 مليون لاجئ ونازح منهم 45 مايون نازح داخلي.
https://telegram.me/buratha