الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب تفسير سورة الحمد للسيد محمد باقر الحكيم قدس سره: تأويل المتشابهات: ولنا أن نتساءل هنا، هل كان هذا المعنى الاصطلاحي موجودا في عصر نزول القرآن الكريم؟ وهل جاءت كلمة التأويل بهذا المعنى آنذاك؟ إذ لا يكفي مجرد انسياق المعنى الاصطلاحي مع سياق الآية لتحمل الكلمة عليه. وفي أكبر الظن أن كلمة التأويل حتى في "وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ" (ال عمران 7) يراد بها ما يؤول إليه الشئ أيضا. وعلى هذا يكون تأويل الآيات المتشابهة ليس بمعنى بيان مدلولها وتفسير معانيها اللغوية، بل هو ما تؤول إليه تلك المعاني، لأن كل معنى عام حينما يجسده العقل في صورة معينة تكون هذه الصورة تأويلا له. وأما الذين في قلوبهم زيغ فإنهم كانوا يحاولون تحديد صورة معينة طبق ميولهم ورغباتهم وكما يريدون هم لمفاهيم الآيات المتشابهة إثارة للفتنة، وذلك لأن كثيرا من الآيات المتشابهة كانت معانيها متعلقة بعوالم الغيب أو بالأحداث والقضايا التأريخية والاجتماعية والإنسانية، فيكون تحديدها وتجسيدها في صورة ذهنية خاصة عرضة للخطر والفتنة. والقرينة على ما نقول من نفس آية سورة آل عمران، هي أن هذه الآية تفرض أن يكون لكل آية من القرآن من المتشابهات منها معنى مفهوم من الناحية اللغوية لدى الناس، وله ظهور لفظي لما يفهم من كلمة "فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ" (ال عمران 7) فإنه لو لم يكن له ظهور لفظي فلا يصدق على الأخذ بأحد معانيه المحتملة الذي يتردد بينها اتباعا للكلام، بل اتباعا للرأي، وأما تشخيص مصداق المعنى الظاهر في فرد معين ابتغاء الفتنة فإنه اتباع للكلام ولكن بقصد وهدف سئ وهو الفتنة. وعلى هذا الأساس يكون معنى التأويل في الآية المباركة هو ما أطلقنا عليه اسم تفسير المعنى. وعلى أساس هذا الفهم يمكننا استنتاج ما يلي:
1 - إن لفظة التأويل جاءت في القرآن الكريم بمعنى ما يؤول إليه الشئ لا بمعنى التفسير، وقد استخدمت بهذا المعنى للدلالة على تفسير المعنى لا تفسير اللفظ، وعدم الانتباه إلى هذا الأمر هو الذي أدى إلى حصول بعض الالتباسات عند بعض المفسرين.
2 - إن معنى اللفظ في الآيات المتشابهة مفهوم، وإلا لما صدق لفظ الاتباع في الآية المباركة، إذ كيف يتبع لفظ لا معنى مفهوم له، ثم كيف لا يكون معنى معين لبعض الألفاظ القرآنية وهي جزء من القرآن الكريم الذي انزل لهداية الناس ولتبيان كل شئ؟ 3 - إن اختصاص الله سبحانه وتعالى والراسخين في العلم بتأويل الآيات المتشابهة لا يعني أن الآيات المتشابهة ليس لها معنى مفهوم وأن الله وحده هو الذي يعلم بمدلول لفظها وتفسيرها، بل يعني هذا أن الله والراسخين في العلم هم الذين يعلمون بالواقع والمصداق الحقيقي الذي تشير إليه تلك المعاني ويستوعبون حدوده وكنهه.
جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف و الوحدة في نظر القرآن الكريم (4) للسيد محمد باقر الحكيم: الإيمان بالله الواحد، والوحي الإلهي، واليوم الآخر، والكتب والرسالات، حيث يمثل هذا الإيمان الأساس المشترك لهذه الديانات كلها. وبالرغم من الإشارات القرآنية إلى وجود الانحراف عن هذا الأصل في بعض هذه الديانات ـ بحيث عبر عنه القرآن الكريم بـ الكفر ولكن يبدو أن تقويم القرآن الكريم لهذا الكفر والشرك لم يكن بالدرجة التي تؤدي إلى القطيعة والانفصال، ولعل ذلك ـ والله أعلم ـ ينطلق من: أن هذا النوع من الكفر والشرك ليس بالدرجة العالية من الانحراف؛ لأنه كفر وشرك يرتبط بتصور الذات الإلهية تصوراً منحرفاً، أو الغلو في فهم بعض أفراد الأنبياء والصعود بدرجاتهم إلى مستوى يجعلهم يمثلون امتداداً لله الواحد نفسه، كما يبدو ذلك في تصور بعض طوائف النصارى للمسيح وأمه، بحيث تصبح الذات الإلهية ذات أبعاد ثلاثة، أو مراحل ثلاثة تشبه المراحل التي يمر بها بعض الموجودات البشرية أو المادية مثل: الأب، والابن، وروح القدس: "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة" "وقالت اليهود عزير ابن الله" "وقالت النصارى المسيح ابن الله".
ويبدو أن القرآن الكريم لم يستخدم كلمة الشرك و المشركين من أهل الكتاب، بل وضع الذين أشركوا في مقابل أهل الكتاب، بالرغم من انتقاد القرآن الشديد لأهل الكتاب أحياناً، ووضعهم إلى صف المشركين في إدانتهم والمصير الذي سوف ينتهون إليه أحيانا أخرى. "إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية". كما أنه قرنهم في أول السورة. "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم والله يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم". ويبدو من سياق الآيات في بعض الموارد من الآية السابقة وغيرها ومن التصريح في بعض الموارد الأخرى وجود الفرق بين أهل الكتاب أنفسهم من اليهود والنصارى، حيث اصطف اليهود إلى جانب، فكانوا أشد الناس عداوة وإيذاءً للمسلمين، شأنهم في ذلك شأن المشركين على خلاف النصارى الذين فيهم القسيسون والرهبان. "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون * وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين". "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلاّ ما دمت عليه قائماً ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون". "ودت طائفة من أهل الكتاب لو يضلونكم وما يضلون إلاّ أنفسهم وما يشعرون". وبعد أن يستعرض القرآن الكريم مواقف طوائف أهل الكتاب وانحرافاتهم وما يجب على المسلمين من مواقف تجاههم يختم هذا المقطع بقوله تعالى: "ليسوا سواء من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله اناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين * وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين" (ال عمران 115). وانطلاقاً من هذا التصور نجد القرآن الكريم يدعو أهل الكتاب إلى كلمة التوحيد باعتبارها الكلمة الجامعة، والتي تمثل القاسم المشترك بينهم وبين المسلمين. "قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون". كما نلاحظ القرآن الكريم يضع أهل الكتاب بأصنافهم المتعددة في صفٍ واحدٍ مع المسلمين في النهايات؛ وذلك انطلاقاً من هذه الرؤية الواقعية، والتمييز بين بعضهم والبعض الآخر، ويضع قضية الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح أساساً لذلك. "إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون".
https://telegram.me/buratha