الدكتور فاضل حسن شريف
قال الله سبحانه وتعالى "إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ" (ال عمران 96) جاء في تفاسير ان البيت الحرام خلق قبل الارض ثم دحيت الارض تحته. والدحو هو مكان تبسطه النعام لتبيض فيه بدون عِش. ان عدد من المفسرين قالوا ان الارض خلقت بعد خلق السماء والبعض الاخر قالوا العكس. ودحا تأتي بمعنى تدحرج وقيل ان الارض تدحرجت الى منى ثم الى عرفات ثم رجعت الى مكة المكرمة.
قال الله سبحانه وتعالى "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" (النازعات 30) عن الكليني في الكافي عن أبي عبد الله الصادق أنّه قال: (إن الله عز وجل دحا الأرض من تحت الكعبة إلى منى ثم دحاها من منى إلى عرفات ثم دحاها من عرفات إلى منى فالأرضُ من عرفاتٍ وعرفاتٌ من منى ومنى من الكعبة). وعن الشيخ صالح الكرباسي في صفحته الالكترونية في مركز الاشعاع الاسلامي أي بسطها و مهدها بحيث تصبح صالحة للسكن و السير، و "دحاها" أي جعلها كالدحية "البيضة" و هو ما يوافق أحدث الآراء الفلكية عن شكل الأرض، و لفظة دحا تعني أيضا البسط، و هي اللفظة العربية الوحيدة التي تشتمل على البسط و التكوير في ذات الوقت، فتكون أولى الألفاظ على الأرض المبسوطة في الظاهر المكورة في الحقيقة. و عن ناصر مكارم الشيرازي في الامثل في تفسير كتاب الله المقصود بدحو الأرض أنّ الكرة الأرضية في بدايتها كانت مغمورة بمياه الأمطار الغزيرة التي هطلت عليها لفترة طويلة، إلّا أن تلك المياه تدريجياً استقرت في المنخفضات الأرضية،وبذلك تشكلت البحار والمحيطات، وعلت اليابسة على أطرافها وتوسعت تدريجياً، وكانت مكة أول نقطة يابسة ظهرت من تحت الماء، حسب الأحاديث الإسلامية.
وعن كروية الارض ودورانها حول نفسها في ضوء القران الكريم للدكتور منصور محمد حسب النبي بالنسبة لشكل الأرض أشار القرآن الكريم إلى اختلاف قطريها كتفصيل دقيق لكرويتها في سياق الحديث عن تاريخها المبكر عند نشأتها حسب الاية "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" (النازعات 30). ولقد أجمع المفسرون على تفسير لفظ دحا بمعنى مدها وبسطها، بينما الفعل دحا له معاني أخرى وردت في اللغة لم يذكرها المفسرون نذكرها فيما يلي (أ) دحا بمعنى رمى من المقر، وهذا فعلاً ما حدث للأرض عند انفصالها من الشمس منذ 4.6 مليار سنة، وخاصة وأن الفعل دحا أتى بعد تمام إخراج الضحى في السماء في قوله تعالى:"وأخرج ضحاها" أي أتمّ صنع النوم فيها، (ب) دحا بمعنى أزاح، كما ورد باللغة دحا المطر الحصى عن الأرض، والإزاحة معناها حركة بسرعة معينة مما يشير إلى حركة الأرض، ولقد اكتشف العلم الحديث خمس حركات رئيسية ومتزامنة لكوكب الأرض.
قال الله عز من قائل "وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا" (النازعات 30) جاء في الاخبار ان دحو الارض حصل يوم 25 ذو القعدة. قال الإمام علي عليه السلام: (إنّ أوّل رحمة نزلت من السماء إلى الأرض في خمس وعشرين من ذي القعدة، فمن صام ذلك اليوم، وقام تلك الليلة، فله عبادة مائة سنة صام نهارها وقام ليلها، وأيّما جماعة اجتمعت ذلك اليوم في ذكر ربّهم عزّ وجلّ، لم يتفرّقوا حتّى يُعطوا سؤلهم، وينزل في ذلك اليوم ألف ألف رحمة، يضع منها تسعة وتسعين في حلق الذاكرين والصائمين في ذلك اليوم، والقائمين في تلك الليلة).
قال الله رب السماوات والارض "وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا" (الشمس 6) عن الطبرسي في مجمع البيان ان الايات الافاقية مثل هذه الاية هي التي تنظر في خلق الله لهذا الكون مثل السماوات والارض والبحار والصحاري والنباتات والحيوانات والكواكب في السماء، فالناظر لهذه الايات والمتأمل فيها يقطع ويؤمن بوحدة الخالق ووجوده. ومما يتطلب التفكر فمن مفردات دحو الارض حسب تسلسل الايات في سورة النازعات دوران الارض حول نفسها وحصول الليل والنهار كما قال الله رب السماوات والارض "وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا" (النازعات 29).
قال الله رب العالمين "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا" (الشمس 1) الطحو تسهيل السكن والدوران حول الشمس وحصول الفصول الاربعة لان تسلسل سورة الشمس يبين ان الشمس خلقت قبل الارض، وانفصال الارض والقمر لتدور الارض حول الشمس وبعدها خلقت النفس "وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا" (الشمس 1-7). في تفسير الميزان للسيد الطباطبائي الضحى انبساط الشمس وامتداد النهار وسمي الوقت به، والضمير للشمس، وفي الآية إقسام بالشمس وانبساط ضوئها على الأرض.
قال الله رب العالمين "وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا" (الشمس 2) القمر هو كوكب سيار يدور حول الارض وينيرها ليلا، واذا ظرف يدل في اكثر الحالات على الزمن المستقبل، وتلاها اي تبعها. عن الطباطبائي في الميزان قوله تعالى: "وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا" (الشمس 3) التجلية الاظهار والابراز، وضمير التأنيث للأرض، والمعنى وأقسم بالنهار إذا أظهر الأرض للابصار. وقيل: ضمير الفاعل في "جلاها " للنهار وضمير المفعول للشمس، والمراد الأقسام بحال إظهار لنهار للشمس فإنها تنجلي وتظهر إذا انبسط النهار، وفيه أنه لا يلائم ما تقدمه فان الشمس هي المظهرة للنهار دون العكس. و قوله تعالى: "وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا" (الشمس 4) أي يغطي الأرض، فالضمير للأرض كما في " جلاها ".
عن الطباطبائي في الميزان قوله تعالى: "وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا" (الشمس 5-6) طحو الأرض ودحوها بسطها، و "ما " في "وما بناها " و "ما طحاها " موصولة، والذي بناها وطحاها هو الله تعالى والتعبير عنه تعالى بما دون من لايثار الابهام المفيد للتفخيم والتعجيب فالمعنى وأقسم بالسماء والشئ القوي العجيب الذي بناها وأقسم بالأرض والشئ القوي العجيب الذي بسطها. وقيل: ما مصدرية والمعنى وأقسم بالسماء وبنائها والأرض وطحوها، والسياق وفيه قوله: "وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَىٰهَا" (الشمس 7-8).
https://telegram.me/buratha