الدكتور فاضل حسن شريف
1- قال الله تبارك وتعالى "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ (1) وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (2) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ (3) قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ (4) النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ (5) إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ (6) وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ (7) وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (8) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (9) إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (10) إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ (11) إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ (12) إِنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ (13) وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16) هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ (17) فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ (18) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ (19) وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ (20) بَلْ هُوَ قُرْآَنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ (22)" (البروج 1 - 22).
2- قال الله تعالى "قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ" (البروج 4) الاخدود هو شق كبير يحفر في الأرض او يكون طبيعيا وخاصة في التضاريس الجبلية او المتموجة.
3- وأصحاب الاخدود هم مجموعة ناس عديمي الضمير لا رحمة لهم وقساة القلب يرمون المخالفين لهم في الرأي والعقيدة في اخدود ليموتوا فيه. فالاخدود يصبح مقبرة جماعية للمناوئين وعوائلهم من نساء وأطفال، وهذا التفسير ذكره معظم المفسرين. وهنالك تفسير ضعيف بان أصحاب الاخدود هم الابرياء الذين يقتلون في الاخدود، وهذا التفسير مردود لان الايات التالية تبين انهم قعود على طرف الاخدود و شهود على الابرياء.
4- قال الله عز من قائل "إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ" (البروج 6) أي ان أصحاب الاخدود المجرمون قاعدون على طرف الاخدود ويشرفون على حرق الأبرياء.
5- لم يذكر الله سبحانه في سورة البروح صاحب الاخدود وانما أصحاب الاخدود أي ان كل من شارك في جريمة المقابر الجماعية وشاهدها ورضي بها وساندها مشمولون بعذاب الله. فالملك الظالم بدون هؤلاء جميعا لم يستطع ان يقوم بفعلته الشنعاء. وهذا حاصل الى يومنا الحالي فلا يعتقد اي مساند لظالم انه سيفلت من عاقب الله. قال الله نعالى "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ" (الشعراء 227).
6- عن الصدوق، عن ماجيلويه، عن عمه، عن الكوفي، عن أبي جميلة، عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام قال: إن أسقف نجران دخل على أمير المؤمنين عليه السلام فجرى ذكر أصحاب الأخدود، فقال عليه السلام: بعث الله تعالى نبيا حبشيا إلى قومه وهم حبشية فدعاهم إلى الله تعالى، فكذبوه وحاربوه وظفروا به وخدوا الخدود وجعلوا فيها الحطب والنار، فلما كان حرا قالوا لمن كان على دين ذلك النبي: اعتزلوا وإلا طرحناكم فيها، فاعتزل قوم كثير، وقذف فيها خلق كثير حتى وقعت امرأة ومعها ابن لها من شهرين، فقيل لها: إما أن ترجعي وإما أن تقذفي في النار، فهمت تطرح نفسها فلما رأت ابنها رحمته، فأنطق الله تعالى الصبي وقال: يا أماه ألقي نفسك وإياي في النار، فإن هذا في الله قليل. وتلا عند الصادق عليه السلام رجل: " قتل أصحاب الأخدود " فقال: قتل أصحاب الأخدود.
7- جاء في الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل للشيخ ناصر مكارم الشيرازي: كان المؤمنون في بداية الدعوة المحمدية خصوصا في مكة يعانون من شدة التضييق وأقسى ألوان التعذيب الجسدي والنفسي، الذي انهال به عدوهم من الكفار على أن يتركوا إيمانهم بترك عقيدة الحق والارتداد عن الدين القويم. وبملاحظة كون سورة البروج مكية، فيظهر إنها نزلت لتقوية معنويات المؤمنين لمواجهة تلك الظروف الصعبة، ولترغيبهم على الصمود أمام الصعاب والثبات على الإيمان وترسيخه في القلوب. وتناولت السورة قصة أصحاب الأخدود، الذين حفروا خندقا وسجروه بالنيران، وهددوا المؤمنين بإلقائهم في تلك النار إن لم يعودوا إلى كفرهم. وأحرقوا مجموعة منهم بالنار وهم أحياء، ومع ذلك لم يرجعوا عن دينهم. وتعد سورة البروج في بعض آياتها بعذاب جهنم الأليم لأولئك الذين يؤذون المؤمنين ويعذبونهم على إيمانهم، وتذمهم ذما شديدا، في حين تبشر المؤمنين الصابرين بالجنة والفوز بنعيمها. وفي جانب آخر من السورة، تعرض لنا مقتطفات من قصتي فرعون وثمود وقوميهما الجناة الطغاة، وما آلوا إليه من ذل وهلاك، كل ذلك تذكيرا لكفار مكة الذين هم أضعف قوة وأقل جندا من أولئك، فعسى أن يرعووا عما هم فيه من جهة، وتسلية لقلب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان معه من المؤمنين من جهة أخرى. وتختم السورة في آخر مقاطعها بالإشارة إلى عظمة القرآن الكريم، وإلى الأهمية البالغة لهذا الوحي الإلهي. وعموما، فسورة البروج من سور المقاومة والثبات والصبر أمام ضغوط الظالمين والمستكبرين، وآياتها تتضمن الوعد الإلهي بنصر المؤمنين.
https://telegram.me/buratha