الصفحة الإسلامية

قصة النبي ابراهيم عليه السلام مع عيد أهل بابل وتحطيم الأصنام


الدكتور فاضل حسن شريف

بعد قدوم ابراهيم عليه السلام من اور جنوب العراق الى بابل وسط العراق سنرى ماذا حصل به؟ اوضح الشيخ جعفر السبحاني في كتابه سيد المرسلين: لقد حلَّ موسم العيد وخرج أهلُ بابل المغفّلين الجهلة إلى الصحراء للاستجمام ولقضاء فترة العيد وإجراء مراسيمه وقد أخلوا المدينة. ولقد كانت سوابق إبراهيم وتحامله على الأصنام واستهزاؤه بها قد أوجدت قلقاً وشكاً لدى أهل بابل ولهذا طلبوا منه وهم الذين يساورهم القلق من موقفه تجاه اصنامهم الخروج معهم إلى الصحراء والمشاركة في تلك المراسيم ولكن اقتراحهم هذا بل إصرارهم واجه رفض إبراهيم الّذي رد على طلبهم بحجة المرض إذ قال "إِنِّي سَقِيمٌ" (الصافات 89) وهكذا لم يشترك في عيدهم وخروجهم وبقي في المدينة.

 

حقاً لقد كان ذلك اليوم يوم ابتهاج وفرح للموحد والمشرك وأمّا للمشركين فقد كان عيداً قديماً عريقاً يخرجون للاحتفال به واقامة مراسيمه وتجديد ما كان عليه الآباء والاسلاف إلى الصحراء حيث السفوح الخضراء والمراع الجميلة. وكان عيداً لإبراهيم عليه السلام بطل التوحيد كذلك عيداً لم يسبق له مثيل عيداً طال انتظارُه وافرح حضوره وحلوله فها هو إبراهيم يجد المدينة فارغة من اهلها والفرصة مناسبة للانقضاض على مظاهر الشرك والوثنية وحدث هذا فعلا. فعندما خرج آخر فريق من اهل بابل من المدينة إغتنم إبراهيم تلك الفرصة ودخل وهو ممتلئ ايماناً ويقيناً باللّه في معبدهم حيث الأصنام والأوثان المنحوتة الخاوية وأمامها الأطعمةُ الكثيرة الّتي احضرها الوثنيون هناك بقصد التبرك بها وقد لفتت هذه الأطعمة نظر الخليل عليه‌ السلام فأخذ بيده منها كسرة خبز وقدمها مستهزئ إلى تلك الاصنام قائلا : لماذا لا تأكلون من هذه الاطعمة؟ قد حطم الخليل عليه‌ السلام جميع الاصنام وتركها ركاماً من الاعواد المهشمة والمعدن المتحطم وإذا بتلك الاصنام المنصوبة في اطراف ذلك الهيكل قد تحولت إلى تلة في وسط المعبد. غير ان ابراهيم عليه السلام ترك الصنم الأكبر من دون ان يمسه بسوء ووضع المعول على عاتقه وهو يريد بذلك ان يظهر للقوم بأن محطِمَ تلك الأَصنام هو ذلك الصنمُ الكبير إلاّ أن هدفه الحقيقي من وراء ذلك كان امراً آخراً. فمنذ أن اخذت الشمس تدنو إلى المغيب ويقتربُ موعد غروبها وتتقلص اشعتها وتنكمش من الرَّوابي والسهول أخذَ الناسُ يؤوبون إلى المدينة أفواجاً افواجاً.

 

وعند ما آن موعد العبادة وتوجّهوا إلى حيث اصنامهم واجهوا منظراً فضيعاً وامراً عجيباً لم يكونوا ليتوقّعونه. وقال احدهم: من الّذي ارتكب هذه الجريمة ومن فعل هذا بالهتنا؟ ولقد كانت آراء إبراهيم ومواقفه السلبية السابقة ضد الاصنام وتحامله الصريح عليها تبعثهم على اليقين بأن إبراهيم وليس سواه هو الّذي صنع ما صنع بآلهتم واصنامهم. ولأجل ذلك تشكلت فوراً محكمة يرأسها نمرود نفسه وأخذوا يحاكمون ابراهيم واُمه ولم يكن لاُمه من ذنب إلا أنها أخفت ابنها ولم تُعلِم السلطات بوجوده ليقضوا عليه شأنه شأن غيره من المواليد الذين قضت تلك السلطة الظالمة عليهم حفاظاً على نفسها وكيانها. ولقد أجابت اُم إبراهيم على هذا السؤال بقولها : أيها الملك فعلت هذا نظراً مني لرعيّتك فقد رأيتك تقتل أولاد رعيّتك فكان يذهب النسل فقلت : إن كان هذا الّذي يطلبه دفعتُه إليه ليقتله ويكف عن قتل أولاد الناس وإن لم يكن ذلك فبقي لنا ولدنا. ثم جاء دور مساءلة إبراهيم عليه‌ السلام فسأله قائلا "مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يا إبْراهيْم" (الأنبياء 59) فقال إبراهيم "فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ" (الأنبياء 63).

 

و نفس الرواية روتها بسنت الشرقاوي في موقع الشروق: لما أنكر النبي إبراهيم على قومه عبادة الأوثان واحتقرها، ما كانت حجتهم إلا أنها صنيع آبائهم وأجدادهم، فلما خرجوا إلى عيدهم فرحين، ذهب رسول الله إلى الآلهة وحطمها وعلق الفأس في عنق كبير الآلهة؛ إشارة منه بأنه فاعل ذلك، وأخبر قومه بأن كبير الآلهة فعل ذلك لغيرته من أن تعبد معه الآلهة الصغيرة وعندما سألوه من فعل ذلك، رد عليهم بأن يسألوا كبيرهم، وهنا تحققت أكبر مقاصد الخليل باجتماع أكبر عدد من الملأ ليشهدوا الحديث والبينة ويسمعوا كلام الله. يقول الله في القرآن الكريم في آيات سورة الأنبياء: "قَالُوا مَن فَعَلَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ (59) قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ (60) قَالُوا فَأْتُوا بِهِ عَلَىٰ أَعْيُنِ النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَشْهَدُونَ (61) قَالُوا أَأَنتَ فَعَلْتَ هَٰذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ (62) قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَٰذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ (63) فَرَجَعُوا إِلَىٰ أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) ثُمَّ نُكِسُوا عَلَىٰ رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَٰؤُلَاءِ يَنطِقُونَ (65) قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66)" (الانبياء 59-66).

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك