إيمان عبد الرحمن الدشتي
(برز الإيمان كله إلى الشرك كله) مقولة خالدة لنبينا محمد بحق إمامنا بطل الإسلام علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليهما وآلهما يوم برز لرأس الشرك عمرو بن عبد ود العامري، فما كان جزاء الإيمان من أمة الإسلام إلا أن يضرب على قرنه ضربة تتهدم منها أركان الهدى وتنفصم بها العروى الوثقى!
الإسلام بلا إيمان كعنوان بلا محتوى، ولذلك قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) فالإيمان هو إقرار باللسان وعقد في القلب وعملٌ بالأركان، وإن شريعة الإسلام التي أقرها الله تعالى كدين خاتم لكل الأديان لهداية عباده، جعلها مبنية على أصول خمسة هي التوحيد، والعدل، والنبوة، والإمامة، والمعاد، ينقص دين الفرد بإنكار احداهن، وقد ظهرت جماعات وتيارات ومازالت تظهر أخرى، تتلاعب بمفاهيم هذه الأصول وتقفز على استحقاقاتها وبالأخص اصل الإمامة، فقالوا إن النبوة والامامة لا يجتمعان في بيت!
الإمام علي عليه السلام وبمقتضى أقوال الصادق الأمين صلى الله عليه وآله والمؤيدة لعدة آيات قرآنية نزلت بحقه، قد جمع معاني الإيمان بأكملها فصار إماما للمتقين ويعسوبا للدين، وحتى صار بالإمكان أن نقول إن إسلاما بلا علي فارغ المحتوى.
كان الإمام علي بحقٍّ نفس النبي وصنوه، وقد شرف الله تعالى محمدا بالنبوة وشرف عليا بالإمامة، وبهذين الدورين الربانيين مجتمعين تتحقق هداية البشر جيلا بعد جيل وتتكامل الرسالة، إلا أن النفس الشيطانية المتحكمة بعقول أهل البدع ومستعملي الرأي المخترع كانت سكينا تطعن خاصرة الإسلام كلما لمع نجم في سماء الإمامة، إبتداء من غرتهم سيد الأوصياء عليه السلام ووصولا إلى خاتمهم إمامنا الحجة بن الحسن عجل الله فرجه.
تكالبت على مولانا أمير المؤمنين عليه السلام المؤامرات والفتن بعد رحيل النبي الخاتم صلى الله عليه وآله من أمة لم تشكر الله ما حباها اياه، يبحث فيها عبّاد الدنيا بجهلهم عن جاه وسلطة دنيوية زائلة تنافس المراتب الربانية التي جعلها الله لخاصة خلقه وساداتهم، وهذا دليل قاطع على نقصان دين أولئك الجهلة وعدم استقامتهم وعدم أهليتهم لخلافة عصمها الله من الزلل.
أُقصي على أثر ذلك التآمر شوطا من الزمن مَنْ لو ثنيت له الوسادة لحكم بين أهل القرآن بالقرآن، ولحكم بين أهل التوراة بالتوراة، ولحكم بين أهل الإنجيل بالإنجيل، ولحكم بين أهل الزبور بالزبور، حتى إذا ما تهيأت له الأسباب للنهوض بأعباء الخلافة أثبت أنه الأمير الأوحد للمؤمنين حقا وصدقا، فاللسان كليل والله عن وصف رجل ملأت ما بين الخافقين فضائله والكرامات والمعاجز التي رافقت حياته الشريفة، عدل في حكمه حتى شُهد له بأنه أعدل حاكم في التاريخ، وفاض عطفا حتى صار مأوى وأبا رحوما للأيتام، وما بين الحرب والمحراب كان ضحّاكا مستبسلا في الأول وبكّاء خاشعا في الآخر.
انتزعت الرحمة من قلوب اعدائه وظهر نفاقهم، واثمرت الشجرة الملعونة في القرآن لآل أبي سفيان مكرا وغدرا وفجورا وقسوة على آل محمد صلوات الله وسلامه عليهم، فأظهر معاوية بن أبي سفيان خسته ومكره للقضاء على أمير المؤمنين عليه السلام على يد أشقى الأولين والآخرين ابن ملجم عليه لعائن الله بضربة شجت رأس قرآن الإسلام الناطق.
رحمك الله يا أبا الحسن، كنت أول القوم إسلاما، وأخلصهم إيمانا، فلو اتبعوك لهدوا، ولكنهم عشقوا التآمر عليكم وذابوا في معاداتكم حنقا وغيظا وحسدا، وقد فزت ورب الكعبة فوزا عظيما، واتعبت من بعدك تعبا شديدا.
https://telegram.me/buratha