الصفحة الإسلامية

اشارات الشهيد السيد محمد باقر الحكيم عن القرآن الكريم من سورة البقرة (ح 25)


الدكتور فاضل حسن شريف

عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: الصورة الأولى: ذكرها السيد رشيد رضا في تفسيره عن أستاذه الشيخ محمد‌ عبده،‌ حيث يرى أن القصة وردت مورد التمثيل، لغرض تقريبها من تناول أفهام الخـلق لهـا، لتحصل لهم الفائدة من معرفة حال النشأة الأولى "قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (البقرة 38). وعلى هذا الأساس يمكننا أن نفهم‌ كثيراً‌ من جوانب هذه المحاورة والألفاظ التي استعملت فيها، دون أن نتقيد بالمعنى اللغوي العرفي لها. ولنظرية الشـيخ عـبده أركان أساسية ثلاثة هي:

 

1 ـ إن الله‌ سبحانه‌ وتعالى‌ أخبر الملائكة بالقرار الإلهي، في‌ أن‌ يجعل‌ في الأرض خليفة عنه يودع في فطرته (الإرادة المطلقة) التي تجعله قادراً على التصرف، حسب قدرته ومـعلوماته التي لا يـمكن أن‌ تصل‌ إلى‌ مرتبة الكـمال. وعـلى أسـاس هذه الإرادة المطلقة،‌ وهذا‌ العلم الناقص، عرف الملائكة أن هذا الخليفة سوف يسفك الدماء ويفسد في الأرض، لأن ذلك نتيجة طبيعية لما يتمتع‌ به‌ مـن‌ إرادة مـطلقة يـسير بها حسب علمه الذي لا يحيط بجميع‌ جوانب المصالح والمـنافع، الأمـر الذي قد يوجه الإرادة إلى خلاف الحكمة والمصلحة، فيقع في الفساد. وحين عرف‌ الملائكة‌ ذلك،‌ تعجبوا من خلافة هذا النوع من الخـلق الذي يسفك الدمـاء ويـفسد‌ في‌ الأرض لله تعالى، فسألوا الله سبحانه (عن طريق النطق، أو الحال، أو غير ذلك) أن يتفضل‌ عليهم‌ بإعلامهم‌ عن ذلك وبيان الحكمة لهم.

 

2 ـ وكان الجواب لهم على‌ ذلك،‌ هو‌ بيان وجوب الخضوع والتسليم، لمـن هـو بـكل شيء عليم، لأن هذا هو موقف جميع‌ المخلوقات‌ تجاهه،‌ لأنه العالم المـحيط بـكل المصالح والحكم. على أن هذا النوع من الخضوع والتسليم‌ الذي‌ ينشأ من معرفة الملائكة بإحاطة الله بكل شـيء، قـد لا يـذهب الحيرة ولا‌ يزيل‌ الاضطراب،‌ وإنّما تسكن النفس بإظهار الحكمة والسر الذي يختفي وراء الفعل الذي حـصل مـنه تـعجب‌ الملائكة. ولذلك تفضل الله سبحانه على الملائكة، بأن أوضح لهم السر، وأكمل علمهم‌ ببيان‌ الحكمة‌ في هـذا الخـلق، فأودع في نفس آدم وفطرته (علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا‌ تعيين)‌ الأمر الذي جعل لآدم امـتيازاً خـاصاً استحق به الخلافة عن الله في‌ الأرض.

 

3 ـ ويظهر هذا الامتياز حين نقارن بين الإنـسان وبـنى المـخلوقات لله سبحانه، فقد نطق‌ الوحي،‌ ودل‌ العيان والاختبار على أن الله تعالى خلق العالم أنواعاً مختلفة، وخص كـل‌ نـوع‌ منها بقدرات ومواهب، ولكن الإنسان مع ذلك يختلف عنها، في أنّه لما منحه الله مـن قـدرات‌ ومـواهب‌ ليست لها حدود معينة لا يتعداها على خلاف بقية المخلوقات. فالملائكة‌ ـ الذين لا نتمكن من معرفة حـقيقتهم إلاّ‌ عـن‌ طريق‌ الوحي ـ لهم وظائف محدودة ـ كما‌ دلت‌ الآيات والأحاديث ـ فهم يسبحون الله ليـلاً ونـهاراً، وهـم صافون، ويفعلون ما يؤمرون،‌ إلى‌ غير ذلك من الأعمال المحدودة. وما نعرفه‌ بالنظر‌ والاختبار‌ عن حـال الحـيوان والنـبات والجماد، فإنها‌ بين‌ ما يكون لا علم له ولا عمل كالجماد، أو يكون له عمل‌ معين‌ يختص بـه نـفس دون أن يكون‌ له علم وإرادة، ولو‌ فرض‌ أن له علماً أو إرادة‌ فهما‌ لا أثر لهما في جعل عملهما مبيناً لحكم الله وسنته في الخلق، ولا‌ وسـيلة‌ لبـيان أحكامه وتنفيذها. فكل‌ حي‌ من‌ الأحياء المحسوسة والغيبية‌ ـ عدا الإنسان ـ له‌ اسـتعداد‌ مـحدود وعلم إلهامي محدود، وما كان كذلك لا يـصلح أن يـكون خـليفة عن الذي‌ لا‌ حد لعلمه وإرادته. وأما الإنـسان‌ فـقد‌ خلقه الله‌ ضعيفاً‌ وجاهلاً،‌ ولكنه على ضعفه وجهله،‌ فهو يتصرف في الموجودات القـوية، ويـعلم جميع الأسماء بما وهبه الله مـن قـدرة على النـمو‌ والتـطور‌ التـدريجي في إحساسه ومشاعره وإدراكه، فتكون‌ له‌ السـلطة‌ على‌ هذا‌ الكائنات، يخسرها ثم‌ يذللها‌ بعد ذلك كما تشاء قوته الغريبة التي يـسمونها (العقل) ولا يعرفون حقيقتها ولا يدركون كنهها؛ فـهذه‌ القوة‌ نجدها تغني الإنـسان عـن كل ما وهب‌ الله‌ للحـيوان‌ فـي‌ أصل‌ الفطرة‌ والإلهام من الكساء والغذاء والأعضاء والقوة. فالإنسان بهذه القوة غير مـحدود الاسـتعداد ولا محدود الرغائب ولا محدود العلم ولا مـحدود العـمل. وكـما أعطاه الله تعالى‌ هـذه المـواهب، أعطاه أحكاماً وشرائع حـدد فـيها أعماله وأخلاقه، وهي في الوقت نفسه تساعده على بلوغ كماله لأنها مرشد للعقل الذي كـان له كـل تلك المزايا. وبهذا العلم كله‌ اسـتحق‌ الإنـسان خلافة الله في الأرض، هـو التصرف وخلق المخلوقات بـها، ونحن نشاهد في عصرنا آثار هذه الخلافة بما فعله الإنسان من تطوير وسيطرة وتصرف في الكـون. وحين أودع‌ الله‌ في فطرة آدم عـلى الأشـياء مـن غـير تـحديد، عرض الأشياء عـلى المـلائكة وأطلعهم عليها إطلاعاً إجمالياً، ثم طالبهم بمعرفتها والإنباء بها، وإذا‌ بهم‌ يظهرون التسليم والخضوع والعجز والاعتراف. وعـند ذلك أمـر الله آدم أن يـنبئهم بالأشياء ففعل، وذلك لتتكشف لهم الحقيقة بأوضح صـورها وأشـكالها.

 

جاء في موقع شبكة فجر الثقافية عن الاختلاف والوحدة في نظر القرآن الكريم (2) للسيد محمد باقر الحكيم: الاختلاف بسبب الفساد في الأرض: وفي تطور آخر إلى جانب الاختلاف العقائدي بدأ سبب آخر للاختلاف ينطلق من الهوى أيضاً، وهو: الاختلاف بسبب الجهل والطغيان، وتحول بعض الممارسات السلوكية إلى عادات ثابتة، أو تقاليد مقدسة لوراثتها عن الآباء والأجداد، وبفعل الاجتهادات والتغيرات القائمة على الهوى والأغراض الشخصية أو الظنون والأوهام، الأمر الذي أدى إلى انقسام الناس إلى جماعات متعصبة وأحزاب متفرقة يقتل بعضهم البعض الآخر ويشرده من دياره، أو يستعبده ويستغله من أجل مصالحه وحاجاته وإرضاء لرغباته وشهواته "وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ" (البقرة 170). وقد وردت آيات كثير في سور متعددة بهذا الصدد. وهناك المئات من الآيات الكريمة التي تناولت معالم الفساد والانحراف في العقائد والسلوك والاجتهادات، وتحدثت عن مفردات الهوى وزخارف الدنيا وآثارها في الحياة الإنسانية.

 

جاء في كتاب فاجعة الطف للسيد محمد سعيد الحكيم: غلبة الباطل لا توجب ضياع الدين الحق وخفاء حجته: وحينئذ لابد من كون غلبة الباطل وتسلطه بنحو لا يمنع من قيام الحجة على بطلان دعوته، وصحة دعوة الحق، بحيث تنبه الغافل لذلك، وتقطع عذر الجاهل. كما لابد أن تبقى الدعوة المحقة التي يرعاها المرجع المعصوم شاخصة ناطقة، بحيث لو طلبها من شاء من أهل ذلك الدين وغيرهم، ونظر في حجتها بموضوعية تامة، بعيداً عن التعصب والعناد، لوصل إليه. ونتيجة لذلك لابد من كون الخلاف للحق، والخروج عنه ليس لقصور في بيانه وخفاء فيه، بل عن تقصير من الخارج بعد البينة، وقيام الحجة الكافية على الحق. كما قال الله تعالى: "كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاس فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ" (البقرة 213) . وفي حديث العرباض بن سارية عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "قد تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك" إلى غير ذلك.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك