الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: فواتح السور: مذاهب تفسير فواتح السور: المذهب الأول: ما نسب إلى ابن عباس من أن هذه الحروف ترمز إلى بعض أسماء الله وصفاته وأفعاله، فقد روي عنه في "ألم" (البقرة 1): (أنا الله أعلم). ويؤيده ما روي عن معاوية بن قرة عن النبي صلى الله عليه وآله من أنها حروف من أسماء الله . الثاني: أنها أسماء للقرآن الكريم كالكتاب والفرقان والذكر، والى هذا المذهب صار جماعة من التابعين كقتادة ومجاهد وابن جريج والكلبي والسدي. ويناقش هذان المذهبان بأنهما لا يستندان إلى دليل علمي أو قرينة معتمدة.
عن المجتمع الانساني في القرآن الكريم للشهيد السيد محمد باقر الحكيم قدس سره: في مبررات الخلافة والحكمة في استخلاف آدم عليه السلام إن ما يعنينا من دراسته في هذا الفصل، هو الآيات الأربع الأولى من هذا المقطع القرآني الشريف، والآيات الأخرى المشابهة السابقة. والبحث فيها، وما تضمنته من معلومات ومفاهيم، وله عدة جوانب: الأول: تحديد الموقف العام تجاه دراسة هذه الآيات من هذا المقطع القرآني، وتصوير ما يعنيه القرآن الكريم منها. الثاني: تحديد الموقف القرآني والإسلامي تجاه بعض المفاهيم التي جاءت في هذا المقطع، بالشكل الذي ينسجم مع المسلمات القرآنية، والظهور اللفظي لهذا المقطع بالخصوص. وقد اختص هذان الأمران بهذا المقطع، لما ذكرناه من وضوحه وتفصيله.
الثالث: بيان الصورة الكاملة حول الاستخلاف، التي يمكن استفادتها من مجموع الآيات القرآنية الشريفة المتشابهة. وفيما يتعلق بالجانب الأول نجد الشيخ محمد عبده تبعاً لبعض الدارسين المتقدمين يذكر رأيين مختلفين بحسب الشكل وأن كانا يتفقان في النهاية، حسب ما يقول: الرأي الأول: هو الذي سار عليه السلف واختاره الشيخ محمد عبده نفسه أيضاً، حيث يقول: (وأما ذلك الحوار في الآيات فهو شأن من شؤون الله مع ملائكته، صوره لنا في هذه الفصول بالقول والمراجعة والسؤال والجواب، ونحن لا نعرف حقيقة ذلك القول، ولكننا نعلم أنّه ليس كما يكون منا، وأن هناك معاني قصدت إفادتها بهذه العبارات، وهي عبارة عن شأن من شؤونه تعالى قبل خلق آدم وأنه كان يعد له الكون، وشأن مع الملائكة يتعلق بخلق نوع الإنسان، وشأن آخر في بيان كرامة هذا النوع وفضله). والرأي الثاني: الرأي الذي سار عليه الخلف من المحققين وعلماء الإسلام الذين بذلوا جهدهم في دراسة القرآن والتعرف على مقاصده وتأويله على أساس العقل، فإذا جزم العقل بشيء وورد النقل خلافه، يكون حكم العقل القطعي قرينة على أن النقل لا يراد به ظاهره، حيث يرون أن هذه القصة بمواقفها المختلفة إنّما جاءت على شكل التمثيل ومحاولة تقريب النشأة الآدمية الإنسانية وأهميتها وفضيلتها، وأن جميع المواقف والمفاهيم التي جاءت فيها لا يمكن فهم حقيقة المعاني والأهداف التي قصدت منها، بل يأتينا الله في ذلك ما يقرب المعاني من عقولنا ومخيلتنا.
فالرأي الأول والثاني وإن كانا يلتقيان في حقيقة تنزيه الله سبحانه وتعالى وعالم الغيب عن مشابهة المخلوقات المادية المحسوسة في مثل هذه المشاهد والمواقف المختلفة، وكادا يتفقان أيضاً في الأهداف والغايات العامة المقصودة من هذا المقطع القرآني، ولكنهما مع ذلك يختلفان في إمكانية تحديد بعض المفاهيم التي وردت في المقطع، كما سوف يتضح ذلك عند معالجتنا للمقطع القرآني من جانبه الآخر. وفيما يتعلق بالجانب الثاني نجد السلف انسجاماً مع موقفهم في الجانب الأول يقفون من دراسة المقطع موقفاً سلبياً، ويكتفون في بعض حالات الانفتاح بذكر الفوائد الدينية التي تترتب على ذكر القرآن لهذا المقطع القرآني المتشابه الذي لا يمكن فهم حقيقة المعاني فيه. وقد أشار الشيخ محمد عبده إلى بعض هذه الفوائد، ونكتفي بذكر فائدتين منها: الأولى: أن الله سبحانه وتعالى في عظمته وجلاله يرضى لعبيده أن يسألوه عن حكمته في صنعه وما يخفى عليهم من أسراره في خلقه. الثانية: أن الله لطيف بعباده رحيم بهم، يعمل على معالجتهم بوجوه اللطف والرحمة، فهو يهدي الملائكة في حيرتهم ويجيبهم عن سؤالهم عندما يطلبون الدليل والحجة بعد أن يرشدهم إلى واجبهم من الخضوع والتسليم: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ * وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" (البقرة 30-31). وأما الخلف فقد حاولوا إيضاح المفاهيم التي وردت في هذا المقطع القرآني ليتجلى بذلك معنى استخلاف الله سبحانه وتعالى لآدم.
جاء في كتاب علوم القرآن للسيد محمد باقر الحكيم: نعم، يوجد في القرآن الكريم تقريع وتأنيب عنيف، وهو موجود في المدني كما هو في المكي وان كان يكثر وجوده في المكي بالنظر لمراعاة ظروف الاضطهاد والقسوة التي كانت تمر بها الدعوة، الامر الذي اقتضى ان يواجه القرآن ذلك بالعنف والتقريع أحيانا لتقوية معنويات المسلمين من جانب، وتحطيم معنويات الكافرين من جانب آخر، كما سوف نشير إليه قريبا. ومن هذا التقريع في السور المدنية قوله تعالى"وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ" (البقرة 61)
https://telegram.me/buratha