احلام الخفاجي
شهر رمضان شهر دعينا فيه لضيافة الله، شهر ايامه افضل الايام، ولياليه افضل الليالي، لتحلق ارواحنا ولتسمو في افاق الملكوت، حيث النفحات الايمانية، والفيوضات الإلهية، والشياطين مقرنة بالاصفاد، ونار جهنم لملمت اذيالها، وخبتت نيرانها تقديسا له، وتزينت الجنة حتى باتت كالعروس، منادية هل من تائب حيث جنات عدن اعدت للمتقين؟
شرف الله عز وجل شهر رمضان، بان يكون شهره، فاعطاه من فضله، مالم يعط لبقية الشهور، عطاء غير مجذوذ، ففيه تمطر علينا شآبيب رحمته، وتتباهل ايامه فيما بينها لتجعل لعنة الله على العاصين، ففيه تتخايل العشرة الاولى بالرحمة، وتتفاخر اوسطها بالمغفرة، وتزهو اخرها كالطاووس، بأن في ايامها تُلوى عنق نار جهنم، وتغلق أبوابها، وتعتق فيها رقاب المستغفرين بالأسحار، ليلقي الحجة على عباده بأن عدوهم الاول الذي توعد بهم (لأقعدن لهم صراطك المستقيم) قد قُيِّد، ليكونوا في خط المواجهة الاول مع أنفسهم، وليرى ماهم فاعلون، لكن مازال بنو ادم يظنون ان شجرة الدنيا هي شجرة الخلد، وفي كل مرة يوسوس لهم الشيطان، وفي كل مرة يبحثون عما يواري سوءاتهم، وغاب عنهم ان لباس التقوى خير لمن اتقى.
اجتبى الله شهر رمضان عن بقية شهور السنة، تماما كما اجتبى يوسف بالنبوة وميزه عن بقية اولاد يعقوب، حيث فيه يقبل قربان الدعاء، كما تقبل قربان هابيل من قبل (انما يتقبل الله من المتقين) بان تخرج من صلبه ليالي القدر اولها ليلة التاسع عشر من رمضان، والتي فيها يفرق كل امر حكيم، حيث تقسم ارزاق العباد، لتتنزل الملائكة بعدها على سيد الارض، ولتعرض عليه صحائف ارزاق العالمين طبقا للتفويض الرباني لصاحب الامر والولاية التكوينية، فلا ارزاق بدون ختمه الشريف، وبما ان الاعمال بخواتيمها، فخير ما نختم به ليالي القدر، هي ليلة الثالث والعشرين، تلك الليلة التي كانت فيها مولاتنا فاطمة الزهراء لاتدع اهلها ينامون فيها وتعالجهم بقلة الطعام وتتاهب لها من النهار، وهي خير من الف شهر بجزيل ثوابها، وهباتها الإلهية، حيث تفتح ابواب السماء، ليصعد اليه الكلم الطيب، والعمل الصالح يرفعه، ولتستمر نزول فيوضاته على عباده حتى مطلع الفجر (سلام هي حتى مطلع الفجر)
خص الله عز وجل ليلة الثالث والعشرين بكثير من النفحات، ناهيك عن عظيم ثوابها، وتنزيل الملائكة بمعية روح القدس على صاحب الامر (عج) حيث شرفها باحدى علامات الظهور الحتمية، ذلك الظهور الذي نعيش ارهاصاته واحدة تلو الاخرى، فما زاغ البصر وما كذب فؤاد البصيرة ما راى من العلامات المتحققة، والتي تقف جميعها على تل الانتظار، ملوّحة بيدها وكأن لسان حالها يقول استعدوا وتهيئوا، فان امامكم الغائب قد اصبح قاب قوسين او ادنى من سدرة الظهور، وان امر اهل البيت اوضح من الشمس في رابعة النهار، فمن هذه العلامات الصيحة الجبرائيلية، فاي قدر لك عند الله ياليلتنا المباركة؟ فلك الحق ان تتبختري وتتزيني فمن رحمك ستولد تلك الصيحة الاعجازية، بصوت جبرائيل (ع) ليطلق صوته مدويا (ان الحق مع علي وشيعته) لتطرق اسماع كل من على وجه البسيطة، معلنة ظهور الامام وانتهاء غيبته الكبرى، ظهور يلتحفه شئ من الخصوصية، حيث لا يكون ظهوره متاحا الا لبعض الاصحاب المخلصين، للتحضير لثورته المباركة والتي ستنطلق شرارتها في العاشر من محرم الحرام، وكان كل شئ اتخذ من عاشوراء منهاجا وبوصلة له.
يعقب الصيحة الاولى ليلا الصيحة الابليسة، تلك الصيحة التي وُعدنا بها وهي بصوت جنود ابليس فعن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليهما السلام) في حديث طويل له: (... فإذا كان من الغد صعد إبليس اللعين حتى يتوارى من الأرض في جو السماء، ثم ينادي: (ألا إن عثمان قتل مظلوما فاطلبوا بدمه)
والتي تتخذ من الطائفية مادة اعلامية لها والتي هي من فعل جنود ابليس لتكذيب الصيحة الأولى، وبأنها قد خرجت من تحت عباءة ولاية الفقيه، حيث استطاعت قوى الاستكبار العالمي من خلال حربهم الناعمة استغفال عقول كثير من الناس لخلق قاعدة جماهيرية معادية لكل من يقف بوجه مشاريعهم الاستكبارية وعلى رأس الهرم الجمهورية الاسلامية الإيرانية، ومافتنة تشرين عنا ببعيد، حيث ان اغلب جمهور هذه الفتنة ممن لم يطلع على علامات الظهور، والا كانوا قد عرفوا ان فتنة تشرين ماهي الا جزء من فتنة الدهيماء التي ذكرتها روايات اهل البيت فعن رسول الله في حديث طويل له: (...
ثم يصطلح الناس على رجلٍ كوركٍ على ضلعٍ ثم فتنة الدهيماء لا تدع أحداً من هذه الأمة إلا لطمته لطمةً، فإِذا قيل انقضت تمادت، يصبح الرجل فيها مؤمناً ويمسي كافراً) فلو اطلع هؤلاء على خارطة الروايات التي وصلتنا لما سقط كثير من الناس في مستنقع الفتن، ولما بحت اصوات الفضلاء والمنتظرين في الحث على دراسة علامات الظهور، والغوص في سبر القضية المهدوية لتكون لهم ردءا من سامري الفتن، حيث علت الضفة المقابلة اصوات نشاز تحاول هدم جدار الاستعداد والتهيؤ الذي مابرح المنتظرون إقامته، صادحة بأعلى صوتها، فليكتفي المؤمن بأمور دينه فحسب، هنا سؤال يطرح نفسه على طاولة التساؤلات، لوكانت دراسة العلامات ظاهرة ترفية فلِم استفاضت الروايات عن اهل البيت في ذكرها والاسهاب في تفصيلها؟ ويعلم القاصي والداني بان اهل البيت (ع) كجدهم رسول الله (لاينطق عن الهوى ان هو الا وحي يوحى)
عودة على ذي بدء، وبما اننا نعيش اجواء رمضان، فلنعقل دابة انفسنا بوتد التوبة، ونسقيها بماء الاستغفار، ولنطلق العنان فيما بعد لانفسنا المطمئنة، لترجع الى ربها راضية مرضية، ولتدخل في عباده ولتدخل في جنته، ولنجعل من ايامه كسفينة نوح من ركبها نجى، ومن تخلف عنها غرق، ولندلوا بدلو البصيرة علنا نغترف من بئر الايمان يوسفَ الورع، ولتنادي ملائكة السماء بُشراكم، ولنستبدله ببضاعتنا المزجاة التي ادخرناها على مدى سنة كاملة، ولنعد انفسنا على كافة المستويات لنصرة الموعود، الذي تتطلع اليه البشرية جمعاء لاقامة الامت والعوج الذي استفحل في بدن الارض ومن عليها، والتي ما إن تطأها قدم الموعود حتى ربت واهتزت وانبتت من كل زوج بهيج.
https://telegram.me/buratha