مصطفى الهادي.
🔹 لم تتعرّض هذه الواقعة وحدها إلى التّشكيك والتّشويه المتعمّد، بل سبق ذلك الطّعن بشخصيّة المصطفى (صلّى الله عليه وآله) واتّهامه بشتّى الاتّهامات لكي يُسقطوا ما أتى به للعالمين ، فقيل عنه : شاعر، ومجنون ، وساحر ، ولمّا أعياهم ذلك وأعجزهم قالوا عن كتابه : إنّه نسخة من التّوراة والإنجيل، وإنّ بعض الكهّان كان يُلقّنه آياته ، وإنّه كان يُصاب بالصّرع ويهذي بهذا الكلام ، ولمّا أعياهم ذلك أيضا عمدوا إلى إشهار سيوفهم ورماحهم وتحالفوا مع الشّياطين من أجل إسقاط دعوته والقضاء على رسالته ، ولمّا لم يفلحوا أيضا دسوا المنافقين في دعوته ليكونوا من أقرب صحابته لهدم الدّين من الدّاخل وليكونوا مثلا سيئا لشكل المسلم المؤمن بالدّين الجديد لتنفير النّاس ومنعهم من اعتناق هذا الدّين.
🔹 ولمّا أعياهم ذلك وأصبح الإسلام عزيزاً منيعاً وتحقّق كلّ ما تنبّأ به المصطفى (صلّى الله عليه وآله) من الفتوحات والقوّة والغلبة والعلوّ بدأوا يعملون في السّرّ مشكّلين جيشاً من اليهود والنّصارى والفلاسفة وما تبقى من مشركي قريش ممّن أبطن كفراً وأظهر إسلاماً فعمدوا إلى كلّ ما قاموا به وما طرحوه من شبهات منذ بداية دعوته وحتّى يوم وفاته (صلّى الله عليه وآله) فجعلوه دستوراً لهم ومنهاجاً يسيرون عليه من أجل القضاء على الرّسالة أو تشويهها أو طمس معالمها وخلق دين جديد بمواصفاتهم الخاصّة إضافة إلى شخصياتهم (المنافقة) الّتي دفعوها إلى الواجهة أملا بالاستحواذ على الدّين كلّه بعد رحيل نبيه العظيم (صلّى الله عليه وآله) ، وهذا ما حصل فعلاً في (السّقيفة) بدعمٍ قويّ جدّاً من الخطّ الأمويّ الّذي ما يزال يُبطن كفراً ويُظهر إسلاماً كاذباً.
🔹 لقد تعامل القرشيّون مع الدّين على أنّه تجارة ، وهم الّذين اعتادوا ـ طيلة قرون ـ على أن يستفيدوا من الدّين وينتفعوا من الأصنام وما تدره عليهم من أموال وما تهبه لهم من جاه، يضاف إلى ذلك عقليّتهم التّجاريّة الّتي ذكرها القرآن الكريم متمثّلة في (رحلة الشّتاء والصّيف) الّتي لم يكونوا يُحسنون غيرها، فلا صناعة ولا زراعة عندهم ، فقد كانت حياتهم التّجارة وهي الشّريان الّذي يمدّهم بالبقاء ، فكانوا من خلال ذلك يبخسون حقّ النّاس ويسرقونهم علنا تحت عنوان الرّبا حتّى أصبحت هناك طبقات ثريّة تشرّبت المعاملات التّجاريّة في دمائهم فأبت أن تنصاع للدّين الجديد الّذي يحدّ من حرّيّاتهم ويقطع عنهم سبل الغشّ الّتي كانت من أولويات رزقهم وثرواتهم. ولمّا جاء الدّين الجديد على يد فقير يتيم استعظموا ذلك وهم أهل الجاه والقوّة والثّروات ، فحاولوا جاهدين أن يستثمروا ذلك لصالح تجارتهم ويتعاملوا مع الدّين الجديد بالبيع والشّراء على أساس أنّه مصدر رزق آخر ينتفعون منه ، ولذلك نرى قريشا في بداية دعوة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) تعرض عليه أموراً أهمها أن يجمعوا له أموالاً لكي يكون أكثرهم مالاً ويترك الدّين الجديد.
🔹 فإذا كان هذا حال قريش ، وهم أهله وعشيرته ، فما هو حال اليهود والنّصارى الّذين كانوا حول مكّة والّذين كانوا أكثر تحضّرا ، إذ أنّ لهم زراعتهم وصناعتهم وفلسفتهم ، ماذا كان موقفهم من الدّين الجديد؟
🔹 لقد مرّ في المقدمة أنّهم تحالفوا مع قريش من أجل القضاء على هذا الدّين مع معرفتهم التّامّة في كونه دين حقّ وأنّه نبيّ حقّ واستسلامهم في المباهلة لشروط النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) اعتراف منهم بذلك ، ولكنّهم عجزوا عن مقارعته حتّى تمّ إجلاؤهم عن مكّة وضواحيها بسبب سوء نواياهم وغدرهم المتكرر ، ولكنّنا مع ذلك لم نشهد من اليهود والنّصارى المعاصرين لولادة النّبيّ محمّد (صلّى الله عليه وآله) ورسالته أيّ تشكيك في آيات القرآن في بداية الأمر، فقد كانوا في البداية يُشكّكون في شخصيّته وأوشكوا أن يباهلوه على هذا الأساس ، ولم نسمع منهم في بداية الدّعوة تشكيكاً بما جاء به وخصوصاً فيما يتعلّق بالآيات الّتي تنبّأ بها أو ذكر فيها أشياء معجزة خارقة للطّبيعة ، لأنّ ذلك وبكلّ بساطة قد تحقّق وأثبت صدق الرّاوي ووثاقة المصدر.
🔹 ومن ذلك واقعة الفيل المشهورة كأغرب معركة حصلت في هذه البقعة القاحلة من الجزيرة ، فعند نزول سورة الفيل المباركة لم يقل أحدٌ من مشركي قريش أو من يهودها أو نصرانيها أنّ ذلك لم يحصل ؛ لأنّ قريشاً شاهدت الحادث بأمّ أعينها وأمّا نصارى الجزيرة فقد انظمّ بعضهم إلى حملة أبرهة أصلاً وبذلك فهم يعلمون صدق رواية القرآن الكريم ، ولكنّ التّشكيك حصل بعد عدّة قرون ؛ وذلك بسبب عجز أعداء الإسلام عن العثور على هنّات في القرآن الكريم يتخذونها ذريعة للطّعن فيه ، فبدأت الأقاويل تظهر من هنا وهناك ، خصوصا في العهد الأمويّ والعباسيّ الّذي اشتدّت به حركة التّرجمة ودخول النّصارى إلى القصور الملكيّة حتّى أصبحوا من كبار رجالات الدّولة فبدأوا يتحركون من الدّاخل بكل قوّة بسبب دعم الخلفاء لهم.
🎈 واقعة الفيل.
إنّ استعمال الفيلة في الحروب قديماً لم يكن أمراً مُستغرباً ، ولكنّ المستغرب لدى البعض أنّ الكثير من الوقائع الّتي تمّ استخدام الفيلة فيها حصلت فيها معاجز كبرى للقضاء على هذه القوّة الفتّاكة في ذلك الزّمان ، يقول مقال منشور في صفحة تأريخ الأسطورة : (قصّة محمّد وبداية دين الإسلام بدأت عام 571 م الّذي سُـمّي عام الفيل ، وبسبب الاحتقان الدّينيّ بين مكّة واليمن قرّر الملك النّصرانيّ أبرهة إرسال جيش يضمّ عدداً من الفيلة الّتي يُفترض أنها قادرة على دكّ المدينة المقدّسة ، ولـقُرون كان الإثيوبيّون يضعون الفيلة في مقدّمة الجيوش) ، ثمّ كتب المقال عن حملة أبرهة بتفاصيل أكثر ، فهو لم ينكر وقوع هذه المعركة ، بل اعتبرها من المسلّمات التّأريخيّة(1).
🔹 وعلى الرّغم من بعد المكان عن إفريقيا وغرابة النّصوص المتعلّقة بمعارك الفيلة إلّا أنّنا نرى الكتاب المقدّس يروي لنا الكثير من الوقائع والمعارك الّتي حصلت هنا وهناك وخصوصا على أرض فلسطين ، حيث استخدمت الجيوش الغازية الفيلة وبأعداد كثيرة ، لا بل أنّ السّرد التّفصيليّ لهذه المعارك وما تحمله الفيلة من أثقال أو تقوم به من أفعال لا يقبله العقل وذلك من حيث أعداد المقاتلين الّذين يحملهم كلّ فيل ناهيك عن عدّتهم وسلاحهم والهودج وما فيه من سلاسل وأثقال ورماح ونبال ودروع حديديّة يرتديها الرّجال(2) ، ومع ذلك فإنّ عالم اليهوديّة والمسيحيّة كلّها يقف مدافعا عن هذه النّصوص مبرّراً الهنّات الّتي وردت فيها ، ولم نَرَ أيّ يهوديّ أو نصرانيّ قام بالتّشكيك بهذه التّفصيلات المملّة وغير المنطقية الّتي تذكرها النّصوص المقدّسة الّتي يزعمون أنّها إلهيّة ولم تصلها يد التّحريف.
🔹 وكما هو معروف عند الأديان جميعها وخصوصا اليهوديّة والنّصرانيّة من أنّ أفرادها يؤمنون بمعتقد نصرة السّماء للبشر وبأشكال مختلفة ، وكتبهم المقدّسة حافلة بذلك ، والتّركيز هنا على ما جاء في (سفر المكابيّين) الّذي يذكر قصّة الحاكم الإغريقيّ (أبولونيوس) حاكم سوريّا وفينيقيا وكيليكيا واضطهاده لليهود فيها ، فيُفسّرون ما وقع في هذا السّفر بقولهم : (وما أن وصل أبولونيوس حتّى أعلن أنّه جاء بأمر الملك سلوقس ليضع يده على المال الّذي وُضع في كنز الهيكل ، وتوجّه أبولونيوس إلى الهيكل مهدّداً فاجتمع الكهنة والنّساء والأولاد في الهيكل ، وتوسّلوا إلى الله ليحمي المكان المقدّس ، وإذ كان أبولونيوس داخلاً مع جيشه المدجّج بالسّلاح ليسلب المال ، ظهر من السّماء ملائكة يمتطون الجياد ويرتدون الأسلحة اللّمّاعة ، فامتلأوا خوفاً ورعدةً وسقط أبولونيوس شبه ميت في رواق الأمم ، فصلّى عظيم الكهنة من أجله فنجا أبولونيوس بمعجزة)(3) .
🔹 كما يذكر هذا السّفر أيضاً قصّة (بطليموس فيلوباتير) الّذي توعّد اليهود بالانتقام منهم ، فأمر بأن يُداس أولئك اليهود بأقدام خمسمائة من الفيلة الثّملة ، فلمّا حان وقت التّنفيذ لقتل اليهود صلّى هؤلاء إلى الله بقيادة كاهن عجوز يُدعى أليعازار فنزل ملاكان من السّماء أفزعا الفيلة فتحولّت إلى جنود الملك وقتلت عدداً منهم ، ممّا جعل الملك يندم ويتوب إلى الله ويُطلق سراح اليهود! ، هذا كلّه وراد في كتب القوم المقدّسة وتفاسيرهم وتراثهم ، ولم نَرَ من اليهوديّة او المسيحيّة ولا من المتأسلمين من علمانيّين والحاديّين من ينتقد ذلك او يُشكّك به ، بل تنصبّ كلّ جهودهم على نقض ما جاء في الإسلام والقرآن الكريم.
🔹 ما اريد أن أقوله هو : إن هؤلاء اليهود والنّصارى يُضاف إليهم مجموعة من المتأسلمين من العلمانيّين والملحدين يستهدفون هذه الواقعة الّتي خلّدها القرآن الكريم فيعمدون إلى توجيه سهام النّقد والتّشكيك من دون أن يُقدّموا أيّ تفسير أو دليل علميّ منطقيّ بديل ، ومن ذلك على سبيل المثال ما يقوله الدّكتور غالي المعروف بـ(هولي بيبل) في موقع (مقالات الكتاب المقدّس) تحت عنوان (الفَرق بين حجارة البَرَدِ في زمن يشوع وحجارة طير الأبابيل) فيقول
🔹 : (موضوعي هو مقارنة سقوط حجارة من السّماء في الكتاب المقدّس والقرآن ، وهو مقارنة لتوضيح الفرق بين المعجزة والخرافة ، يُعتبر سقوط الحجارة من السّماء في الكتاب المقدّس أمراً إعجازياً ، بينما سقوط الحجارة من السّماء في واقعة الفيل خرافة ، إنّ الرّبّ إله الكون استخدم الطّبيعة لمساندة يشوع وشعب إسرائيل فسمح بسقوط حجارة ثلجيّة من السّماء والمعجزه حدثت بتوقيت مناسب لقتل أعداء يشوع وحماية يشوع وشعبه من البَرَدِ فَقُتِلَ الأعداءُ فقط بإرادة الرّبّ) ، بينما يرى (غالي بيبل) أنّ حجارة طير الأبابيل الّتي كانت ترجم الجيش برمّته منفردة به من دون اختلاط مع جيش آخر، هذه الحجارة يراها مجرّد خرافة ، فحجارته ـ حسب رأي الدّكتور ـ كانت تفرز جماعة يشوع فلا تُصيبهم مع أنهم كانوا مشتبكين وملتحمين بالسّلاح مع أعدائهم ، فهي تختار أعداء يشوع فقط فترضخ رؤوسهم.
🔹 ولعلّ أغرب ما قرأته عن واقعة الفيل هو قيام بعض النّصارى باقتباس هذه الواقعة بالشّكل الّذي ذكره القرآن الكريم وما قاله المفسّرون ونسبوها إلى شخصيّات وهميّة وأماكن ووقائع عجيبة ، والأغرب من ذلك أنّ من يسرقون هذه الواقعة يضعون لها تاريخاً يقترب من فترة ميلاد نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) ، فيزعمون أنّ هذه المعارك وقعت بتاريخ (451م) ، تحت اسم معركة (أفاراير) ، ولكنّ فريقاً آخر انتبه إلى هذه السّقطة فزعم أنّ هناك معركة أخرى وقعت بتأريخ (591م) ، أطلقوا عليها معركة (بلاراثون) ، ولكنّ الغريب أنّ كلا التّأريخين لا يتطابق والواقعة الّتي حصلت في مكّة والّتي يُحدّد وقوعها المؤرّخون بين سنة (570 – 571م) ، وبعضهم يقول سنة (468 ــ 469م) ، ومن خلال ذلك نعرف أنّ هذه التّواريخ هي الّتي أحاطت بزمن ولادة نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله)(4) وأنّ تقديم تأريخ المعركة أو تأخيره إنّما يخدم أهدافا مستقبليّة غايتها التّعمية على الحدث الأهمّ ألا وهو ميلاد نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) ومحاولة اغتياله ، فهل هذا التّشويه عن طريق المصادفة أم أنّ هناك يد حاذق يعرف كيف يُتقن كذبته.
🔹 كذلك يقولون : إنّ بعض المعارك الّتي حدثت بين الفرس والرّوم بالقرب من مناطق مكّة ــ طبعا لا يحدّدون المكان ـــ والّتي استُخدمت فيها الفيلة ، هذه المعارك سرقها المسلمون ونسبوها لهم وحاكوا منها أسطورة أبرهة الحبشيّ وفيلته ، ثمّ يذكرون تواريخ وأماكن لهذه المعارك ، ولكنّنا نقول لهم : إنّ ما تقوّلتموه هو شهادة من طرف واحد لا دليل تأريخيّا عليها عند الطّرف الآخر (الفُرس) ، فالفُرس لم يذكروا في مدوّناتهم هذه المعارك المزعومة ، فلم يؤرّخوا لمعركة حصلت بالقرب من مكّة بينهم وبين الرّومان سنة 451م أو سنة 591م.
🔹 من ذلك نفهم أنّ كلّ ما يجري من تشويه لهذه الواقعة يزرع الشّكّ في العقول ويدفعها للاعتقاد أنّ حدثا هامّا حاول النّصارى إسكاته والتّعتيم عليه منذ زمن مبكّر وبدعم من اليهود الّذين كانوا يتواجدون حول مكّة وفي المدينة يُراقبون الأوضاع عن كثب لعلمهم أنّ هذه المنطقة سوف تتمخض عن ولادة نبيّ جديد سوف (يُدين المسكونة) وهذا ما يجدونه مكتوباً عندهم في الكتاب المقدّس كما يقول يوحنّا اللّاهوتيّ : (لأنّه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل ، برجل قد عيّنه مقدّماً للجميع)(5) ،
🔹 وهذا النّصّ كتبهُ اللّاهوتي بعد رحيل السّيّد المسيح وموت يوحنّا المعمّدان ، فلا مجال للزّعم فيه بأنّه يتعلّق بهما (عليهما السّلام) ؛ لأنّ السّيّد المسيح لم يبقَ سوى ثلاث سنوات في تبليغ رسالته ثمّ رحل ، ويوحنّا تمّ قطع رأسه وقُتل شهيداً على عهد السّيّد المسيح ، وبعدهما بسنوات طويلة كتب يوحنّا اللّاهوتي رؤياه الّتي أخبر فيها بأنّ الله مزمع أن يرسل رسولاً قد عيّنهُ للجميع ، أي لجميع البشر ، ومصداق ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى : (يا أيّها النّاس إنّي رسول الله إليكم جميعاً)(6)
🔹 يضاف إلى ذلك نفي يوحنّا المعمّدان أن يكون هو هذا الرّجل الّذي عيّنه الله لهداية الجميع فقد نفى ذلك وقال : (من تظنّون أنّي أنا؟ لست أنا إيّاه ، لكن هو ذا يأتي بعدي هو أقوى منّي)(7) وفعلا قُتل يوحنّا شهيداً ، ورحل السّيّد المسيح وحيداً، وبقى النّصارى ينتظرون (الآتي) وقد عرفوا من كتبهم بأنّ المنطقة الّتي سوف يخرج منها هي تيماء (مكّة) فعمدوا أوّلاً إلى تشويه نصوص البشارة بنبوّة نبيّنا (صلّى الله عليه وآله) في كتابهم المقدّس ، وانتقالهم للسّكن حول مكان الولادة ثانياً ، ومن هنا فإنّ أهل الكتاب كانوا (يعرفونه كما يعرفون أبنائهم .... الرّسول النّبيّ الأمّيّ الّذي يجدونه مكتوباً عندهم في التّوراة والإنجيل)(😎 ويعرفون علاماته وحتّى تأريخه الّذي أزف أن يولد فيه ، ولكنّهم كانوا يكتمون ذلك ويتحيّنون الفرص للانقضاض عليه وقتله خصوصا وأنّ لهم تأريخاً طويلاً في ملاحقة الأنبياء ومحاولة قتلهم في المهد ، كمحاولتهم قتل نبيّ الله موسى (عليه السّلام) يوم ولادته لولا أنّ الله تعالى أنقذه ، وكذلك محاولتهم قتل السّيّد المسيح أيضا يوم ولادته فهربت به أمّه إلى مصر ، وتأريخ الأديان حافل بمحاولات قتل الأنبياء الّتي نجح بعضها وفشل البعض الآخر، فلا نستغرب أن يقوم اليهود والنّصارى بتجهيز جيش لقتل هذا الوليد ، وعندما فشلت محاولتهم ودحر الله تعالى جيوش الباطل وأهلكهم و(جعلهم كعصفٍ مأكول)
🔹 استمرت محاولاتهم للنّيل منه (صلّى الله عليه وآله) إلى آخر يوم من أيام حياته المباركة فشنّوا عليه الحروب ، وحرّضوا القبائل ، ودسّوا له من يغتاله ، ووضعوا له السّمّ في الطّعام ، وحاولوا إلقائه من الجبل بالتّعاون مع المنافقين فيما يُعرف بـ(ليلة الدّباب) ، فكلّ ما جرى من محاولات لتصفية النّبيّ الخاتم (صلّى الله عليه وآله) ما هي إلّا امتداد لمحاولة أبرهة الفاشلة.
🔹 أما قوله تعالى : (ألم يجعل كيدهم) فأرى أنّ معنى المكيدة المرادة في هذه الآية الشّريفة هي التّخطيط وحياكة المؤامرة بإحكام ، فإذا فشلت استمرت تلاحق كلّ ما يتعلّق بالمكيد له في رسالته وفي كتابه وفي شخصيّته ، لا بل بكلّ ما يتعلّق به ، ومن الطّبيعيّ أنّ المكيدة لا تكون في الجماد من الأحجار والبنايات ولا الحيوانات ؛ لأنّ غايتها هي إيقاف الشّيء عند حدّه وهي موجّهة للعاقل من المخلوقات ، وأمّا قول إبراهيم (عليه السّلام) : (لأكيدنّ أصنامكم) فتعني لأبطلنّ عبادتكم لها ، ولذلك نرى القرآن الكريم استخدم (الكيد) في أكثر من آية مشيراً به للإنسان كقوله تعالى : (وإن تصبروا وتتقوا لا يضرّكم كيدهم شيئاً)(9) وقوله تعالى : (لا تقصص رؤياك على إخوتك فيَكيدوا لك كيداً)(10) وقوله تعالى : (وإلّا تصرف عنّي كيدهنّ أصبُ إليهنّ)(11) ، ومن ذلك نفهم أنّ قوله تعالى : (إلم يجعل كيدهم) أي كيدهم الّذي أرادوا به أن يقتلوا النّبيّ الجديد كعادتهم في قتل أنبياء الله تعالى ، فجعل كيدهم في ضياع وخسار وأبطلهُ (أفكلّما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقاً كذّبتم وفريقاً تقتلون)(12).
🔹 إنّ الّذي أرسل الطّير الأبابيل لحمايته صغيرا ودفع عنه الكيد حفظه من المشركين كبيراً وأنزل عليه جيوشا من الملائكة لنصرته وحفظه كما حصل ذلك في بدر ونقلته سورة التوبة المباركة (وأنزل جنوداً لم تروها .. يمددكم ربّكم بخمسة آلاف من الملائكة مسوّمين)(13).
🔹 وفي السّيرة النّبويّة الكثير من هذه المحاولات الرّامية إلى تصفية النّبيّ الأعظم (صلّى الله عليه وآله) ومنذ أن كان طفلاً ، فقد ذكروا أنه (صلّى الله عليه وآله) كان صبيّاً عندما ذهب مع عمّه أبي طالب (رضوان الله عليه) في رحلة إلى الشّام وفي منطقة الاستراحة (نصرة) رآه راهب مسيحيّ كان في صومعة هناك وعرفه من أوصافه ، ونصح أبا طالب أن يرجع به إلى مكّة خوفاً عليه من اليهود وغيرهم من الّذين يتربّصون به فرجع به أبو طالب ولم يُكمل مسيره إلى الشّام الّتي كانت تعجّ بالنّصارى(14).
🔹 إذن فهجوم أبرهة الحبشيّ لا يتعلّق بهدم الكعبة أصلا ، بل أنّ هناك امراً آخر خَفِيَ تستّروا عليه ، فكما نعرف أنّ الكعبة تعرّضت للحريق عدّة مرّات ، وتعرّضت للغرق حتّى تهدّمت جدرانها ، ووضع المشركون فيها أصنامهم وعبدوها من دون الله تعالى ، وقام زنادقة بسرقة الحجر الأسود ونقله إلى اليمن ثمّ إلى الكوفة وهم يهتفون (أين الطّير الأبابيل؟ أين الحجارة من سجيل؟)(15).
🔹 فلم يرسل الله تعالى عليهم طيرا أبابيل على الرّغم من الإشراك به والجرأة عليه بما كان يجري من محرّمات في بيته المحرّم ، فلماذا يتكفّل الله شخصيّا بالدّفاع عن بيته بسبب شخص وثنيّ مشرك طفر من مكّة إلى اليمن ليقضي حاجته في كنيسة أبرهة فثارت بسبب ذلك ثائرة النّصارى وأعلنوا الحرب على الله تعالى وعلى بيته وقرّروا هدمه انتقاما لحادثة إحراق ستائر أو (التّغوّط) في كنيستهم إن صح ذلك ، وأيّ عاقل يقبل ذلك؟ ثمّ كيف عرف أبرهة أنّ هذا المتغوّط كان من مكّة؟ والرّوايات لا تقول بذلك ، بل هو من أحد قبائل الجزيرة.
🔹 أمّا الجانب الآخر (المسيحيّ) الّذي يقوم ليل نهار بتشويه الإسلام محاولاً طمس معالمه ـ وبعد البحث ـ فقد وجدنا أنّ كتابهم المقدّس أشار إلى هذه المعركة إشارات واضحة ، فهذه المعركة ليست من مختصّات القرآن الكريم وحده ، فهذه الواقعة ذكرها الكتاب المقدّس ولكنّهم كعادتهم خلطوا بين الأحداث والأماكن فضيّعوا معالمها.
🔹 المعاصرون لأجواء المعركة الّتي ذكرها الكتاب المقدّس كانوا يترقّبون نصراً من السّماء يقضي على الجيوش الغازية كما نقرأ في نص سفر المكابيّين: (وكان الباقون في المدينة في اضطراب شديد من قبل القتال الّذي كانوا يتوقّعونه في الفضاء ، وبينما كان الجميع ينتظرون ما يأول إليه الأمر ، وقد ازدلف العدوّ واصطفّ الجيش وأقيمت الفيلة في مواضعها ، تفرّس المكابيّ في كثرة الجيوش وتوفّر الأسلحة المختلفة وضراوة الفيلة فرفع يديه إلى السّماء ودعا الرّبّ الرّقيب صانع المعجزات وصلّى قائلا : يا رب ، يا ملك السّموات ، ارسل ملاكاً صالحاً أمامنا يوقع الرّعب والرّعدة وبعظمة ذراعك)(16) ، وهذا عينه ما فعله عبد المطّلب أيضا حينما رأى كثرة جيوش أبرهة وفيلته إذ قام برفع يده إلى السّماء ـ كما تذكر لنا المراجع ـ ودعا الله تعالى لحماية بيته ، ويؤيد ذلك ما يذهب إليه القس أنطونيوس فكري في تفسيره لنصّ المكابيّين حول معنى النُّصرة الّتي كانوا يتوقعونها من السّماء : (تأتى رؤيا المكابيّ امتداداً وتكليلاً لكافّة الرّؤى والمعونات الآتية رأساً من السّماء) ، فلم يقل القرآن الكريم أكثر من ذلك ، والمدد نزل من السّماء على جيشٍ وفيلةٍ معتدية أيضا.
🔹 وأمّا الّذين أثاروا شبهة أنّ مرض الجدريّ قد انتشر في أوساط جيش أبرهة فعلى ما يبدو أنّهم بتروا ذلك من الرّواية الّتي أوردها الرّازيّ في تفسيره عن ابن عبّاس حين قال : (لمّا أرسل الله الحجارة على أصحاب الفيل لم يقع حجرٌ على أحد منهم إلّا نفط جلده وثار به الجدريّ فجعلت ترميهم بها حتّى جدرت أجسادهم فقتلهم بها) ، ولكنّ أعداء الإسلام أخذوا كلمة (الجدريّ) وتركوا بقيّة الرّواية الّتي تذكر الطّير الأبابيل(17) ، ولكن لو سلّمنا جدلاً بقولهم فإنّ ما يؤيد أنّ مرض الجدريّ إنما حصل بفعل طيور جاءت به كما يذكر المؤرخ (بروكوبيوس القيسرانيّ) الّذي قال : تفشى هذا المرض في بيلوز سنة 554م وكذلك في القسطنطينيّة سنة 569م ، إنّ هذا الوباء قد جاء من منطقة مجاورة لبلاد العرب عن طريق بعض الطّيور ، وهذا التّأريخ هو أحد التّواريخ الّتي ذكرها المؤرّخون لحملة أبرهة(18).
🔹 وفي الكتاب المقدّس نرى حادثة أعجب من حادثة الفيل ولكنّها من حيث الوصف تشبه ما حصل لجيش أبرهة تماماً من انتشار مرض غريب فيه دمامل وبثور ، وذلك عندما ضرب الله تعالى فرعون بعدّة أمراض كما يقول : (ثمّ قال الرّبّ لموسى وهرون : خذا ملء أيديكما من رماد الأتون وليذره موسى نحو السّماء أمام فرعون ليصير غباراً على كلّ أرض مصر فيصير على النّاس وعلى البهائم دمامل طالعة ببثور في كلّ أرض مصر ، فأخذا رماد الأتون ووقفا أمام فرعون وذراه موسى نحو السّماء فصارت دمامل وبثور طالعة في النّاس وفي البهائم)(19).
🔹 فالكتاب المقدّس يقول : إنّهُ بقبضة واحدة من رماد أصاب الله تعالى كلّ أرض مصر وكلّ شعبها وحيواناتها بالدّمامل والبثور ، وهذا نفسه ما حصل لجيش أبرهة حيث أصابه وحيواناته وفيلته بتلك الحجارة الّتي جعلت جلودهم تنفط كالجدريّ مليئة بالدّمامل والبثور ، فما هو الغريب الذي تُنكرونه في واقعة الفيل ويوجد عندكم مثله وأكثر ، ولكنّ الفرق بين الواقعتين هو أنّ الله تعالى ضرب جيوش أبرهة المعتدية فقط ، بينما في واقعة موسى قد ضرب كلّ حيّ في أرض مصر من بشر وبهائم مع أنّ المعتدي فقط هو فرعون ومن يتبعهُ من جنوده.
🔹 أقول : إنّ ابن عبّاس لم يكن مولودا يوم الواقعة أصلاً ، بل اعتمد في قوله : إنّ الجدريّ قد أصابهم على الوصف الّذي وصفه بعض من بقى حيّا ممّن كان حاضراً وشاهد الواقعة ، والّذين لم يجدوا تفسيراً لهذه الظّاهرة وهم يرون تناثر لحوم الجنود بشكل جعلهم كأنّهم ورق الخريف متساقطا على الأرض إلّا أن يُشبهوها بمرض الجدريّ الّذي يُقطّع لحم المصاب به على شكل بثور ودمامل وقيح وغيرها.
إنّ الّذين يُنكرون واقعة الفيل ويُنكرون معها الطّير الأبابيل هؤلاء يذكرون معركة شبيهة بما يذكره القرآن الكريم حيث يزعمون بأنّ الفُرس الموالين لخسرو الثّاني الّذي انقلب على بهرام الفارسيّ قد استعانوا بالأرمن المسيحيّين ضد بهرام ويزعمون أنّ القائد الفارسيّ بهرام أرسل رسالة إلى الملك موريق الثّاني يُهدّدهُ فيها بأنّهُ سيسحق جيشه بواسطة الفيلة ، ولكنّ موريق الثّاني ردّ عليه قائلا له : (أن يترقب عذاب الله يسقط عليه من السّماء)(20).
🔹 والغريب هنا هو أنّ الرّهبان الّذين أرّخوا لهذه لهذه المعركة يذكرون أنّها وقعت سنة (451م) وهذا التّأريخ قريب جدّاً من تأريخ وقوع حادثة الفيل ، فهل هذا عن طريق المصادفة أم أنّ هناك سعياً حثيثاً تآزر فيه الجميع على تشويه معالم التّأريخ وتزويره ، وهذه المعركة معروفة تاريخيّاً باسم (معركة أفاراير) وقد وقعت بين جيش الفُرس السّاسانيّين أصحاب الفيلة وجيش الأرمن المسيحيّين ، وقد انتصر الأرمن ـ حسب زعمهم ـ بواسطة (مدد من السّماء) ؛ لأنّ عدد قوّاتهم كان قليلاً مقابل جيوش السّاسانيّين الهائلة ، وما زالوا يحتفلون بهذا اليوم إلى يومنا هذا وهو عيد باسم القدّيس (فارطان ماميكونيان) الّذي قُتل في المعركة.
🔹 ولكنّ هناك مراجع تذكر معركة أخرى استخدم فيها بهرام الفيلة في معاركه ضد البيزنطينيّين وليس ضد الأرمن وهي معركة (بلاراثون) الّتي وقعت سنة (591م) وانتصر فيها الملك الفارسيّ خسرو الثّاني على تحالف البيزنطينيّين مع بهرام وحصل الملك الفارسيّ على مقاطعة كبيرة من البيزنطيّين هي مدينة (يريفان) عاصمة أرمينيا الحاليّة ، ومعظم المعلومات حول هذه المعركة تأتي من تأريخ المؤرّخ اليونانيّ هيرودوت ، أمّا المصادر الفارسيّة فلا توجد فيها أيّة إشارة إلى هاتين المعركتين مع علمنا بحرص الفُرس على تدوين انتصاراتهم.
🔹 لقد انفراد المسيحيّون بذكر هاتين المعركتين فيما أهملهما الفُرس ما يدلّنا على أنّ المسيحيّين يرومون من وراء ذلك إخفاء حقيقة مهمّة جدّاً دارت بسببها حادثة الفيل والتّدخّل الإلهيّ فيها ، وسبب إخفائهم وتشويشهم للرّواية هو أنّهم لا يرغبون في أن يُطلَق عليهم وصف (قتلة الأنبياء) كما عُرِفَ عن اليهود ، فتمّ اختراع قصّة القلّيس والتّغوّط فيه وتوجّه أبرهة لهدم الكعبة إمعاناً في التّستّر منهم على هدف حملتهم الرّئيسيّ ألا وهو تصفية النّبيّ المولود (صلّى الله عليه وآله) قبل أن يستفحل أمره ويقضي على دينهم.
🔹 ثمّ مالت على الجانب الأهمّ في الرّواية وهي (الطّير الأبابيل) فقد شكّك النّصارى يتبعهم في ذلك جيش من المستشرقين ممّن يحملون حقداً غريباً على الإسلام ، فقد زعم هؤلاء بأنّ الّذي أصاب الجيوش الغازية هو إمّا مرض الجدري أو الطّاعون ؛ لأنّ وصف سورة الفيل يوحي بذلك وأن لا دخل للطّيور بحسم المعركة.
🔹 ونقول لهم : في قولكم هذا اعتراف ضمنيّ بقدوم أبرهة وحصول المعركة ، والاختلاف فقط بيننا هو في هل جاءت طيور وقضت على الجيش أم أنّه مرض الجدريّ أو الطّاعون؟ والجواب هو من كتابكم المقدّس الّذي يؤكّد على أنّ الله تعالى يُسخّر الطّيور وغيرها لتنفيذ بعض أوامره في معاقبة الظّالمين أو خدمة الصّالحين ، لأنّ الطّيور خلق من خلقه وجند من جنده أيضا تُطيع أمره (وما يعلم جنود ربّك إلّا هو) فإنّ الله تعالى استعمل الرّمال والمياه والحرائق والبراكين والزّلازل والملائكة وغيرها لتأديب بعض الشّعوب الّتي تفرعنت وجلبت الشّرّ للأرض ومن عليها ، وهناك نصوص كثيرة تذكر ذلك ومنها ما ذكر في المزامير من أنّ الله تعالى فتح السّماء بطيور ذوات أجنحة (فأمر السّحاب من فوق ، وفتح مصاريع السّماوات ، وأمطر عليهم لحما مثل التّراب ، وكرمل البحر طيوراً ذوات أجنحة وأسقطها في وسط محلّتهم حوالي مساكنهم فأكلوا وشبعوا جدّا)(21) وهذا يشبه ما ذكره القرآن الكريم في وصفه لذلك بـ(المنّ والسّلوى) ، والمنّ شيء يشبه الخبز ، والسّلوى طائر يُقال : إنّه من طيور الجنّة.
🔹 ومثله ما جاء في سِفرِ الملوك من أنّ الله تعالى أخبر إيليّا أن يختبئ عند نهر كريث قائلًا له : (اختبئ عند نهر كريث وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك ، وكانت الغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحاً ، وبخبز ولحم مساءً)(22) ، وهذا ـ بلا شكّ ـ فعل معجز عجيب لم تقم به الطّيور لحالها بل هي مأمورة كما يتّضح من سياق النّصّ ، ولا بأس بذكر تعليق للأستاذ علاء أبو بكر يقول فيه : (كيف كانت تأتي الغربان بالخبز الطّازج لإيليّا؟ هل كانت تسرقه؟ أم كانت تتقن العجن والخبز وشوي اللّحم؟)(23) ، ومع غرابة هذا النّصّ إلّا أنّنا نرى دفاعا مستميتا من قبل النّصارى عن هذا النّصّ فجميع مفسري المسيحيّة يُدافعون عن نصّ الغربان ــ مع علمهم بأنّ الغربان نجسة وقذرة لأنّها تأكل الجيف ــ ويُبرّرون كيفيّة إيصال اللّحم والخبز صباحاً ومساءً ويعتبرون ذلك معجزة كما يقولون : (إنّه مشهد عجيب أن نرى غراباً يهرب بطعام قد خطفه ، هذا أمر طبيعي ، لكن أن يُحضر غراب طعاماً دون أن يهرب به ويأكله ، فهذا أمر يدعو للدّهشة والتّعجّب!)(24).
🔹 يضاف إلى ذلك أنّ العقوبة بحجارة السّجّيل لم تكن في واقعة الفيل فقط ، فقد عذّب الله تعالى بعض الأمم الماضية بهذه الحجارة كما في قوله تعالى : (وأمطرنا عليها حجارةً من سجّيلٍ منضود)(25) وكذلك قوله تعالى : (فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجّيل)(26) والدّليل واضح على أنّ هذه الحجارة من السّماء وذلك لقوله تعالى : (إنا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السّماء).
والسّجّيل ـ كما هو معروف ـ طين مفخور مثل الّذي يتكوّن في كور الحدّاد أو معامل الطّابوق ولطول الفترة الّتي يقضيها في النّار وشدتها تصبح حوافّها صلبة قويّة حادّة الأطراف جارحة وهذا ما يحصل في البراكين أيضا ، وقد ضرب الله تعالى بهذه الحجارة مثلا في كتابه العزيز ودلّ على أنّها من الطّين المفخور بالنّار : (لنرسل عليهم حجارة من طين) ولكن تبقى طريقة رجمها على الأمم العاصية فقط ، هل تمّت بواسطة طيور أو ملائكة أو أنّها تمطر كحبّات البَرَد؟(27) كما يقول الكتاب المقدّس.
🔹 إنّ من المعروف ـ عند المفسّرين ـ أنّ سورة الفيل المباركة نزلت في مكّة قبل هجرة الرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وفي وسط مجتمع ما يزال على الشّرك ، فإذا كانت هذه الواقعة خرافة لا أصل لها فلماذا لم تعترض قريش على السّورة وتنكر حصول حادثة الطّير الأبابيل ، في الوقت الّذي كانت قريش تتربص بالرّسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وتكيل له شتّى الاتّهامات مثل (ساحر، مجنون ، شاعر) ، وقد عَمَّرَ بعض الصّحابة من قريش إلى ما بعد رحيل المصطفى (صلّى الله عليه وآله) فترة طويلة ، ومع ذلك لم نَرَ أيّ معترض على هذه السّورة أو منكر أو مشكّك ، ولم يزعم أحدٌ منهم بأنّ الّذي تسبّب في هلاك أبرهة وجيشه هو الجراثيم أو الأمراض ، واستمر الحال هكذا حتّى زمن ظهور التّفسير بالإسرائيليّات ومن هناك بدأت تتسلّل الكثير من الشّبهات حول بعض سور القرآن الكريم وآياته الشّريفة ، ثمّ أصبح هناك تفسير يتبع مدرسة الخلفاء (أهل السّنّة والجماعة) وهناك تفسير يتبع آل بيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ثمّ تدخّل الزّنادقة وحُشرت الأساطير اليونانيّة فأقحموا أنفسهم في تفسير القرآن الكريم وملأوا كتب التّأريخ والسّيرة والتّفسير بما لم يقله رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، حتّى أفرد العلماء المسلمون علماً خاصّاً بها أطلقوا عليه (الإسرائيليات).
🔹 ثم أقحم الملاحدة والعلمانيّون أنفسهم في ما ليس لهم فيه خبرة ، إنّما فعلوا ذلك عناداً وغروراً منهم فعمدوا إلى تضييق نطاق الخوارق والإعجاز في الأديان ، وتفسير الحادثة على أساس السّنن الكونيّة الطّبيعيّة المألوفة ، فشرّقوا وغرّبوا في عمليّة شقّ البحر لموسى (عليه السّلام) وانقلاب العصيّ إلى أفاعٍ ، ومعاجز عيسى (عليه السّلام) في إحياء الموتى وإبراء العُمي والصّمّ والبُرص فوضعوا لها تفسيرات غريبة من دون أيّ دليل علميّ وقالوا : إنّ الطّير الأبابيل قد تكون هي الذّباب والبعوض الّذي يحمل الميكروبات ، فالطّير هو كلّ ما يطير ، وإنّ هلاك الجيش كان بسبب تفشّي وباء كمرض الجدريّ أو غيره ، ولقد ابتعد هؤلاء عن الصّواب ولم يدركوا أنّ سياق الحادثة في القرآن الكريم والأحاديث المفسّرة لها يدلّ على أنّ ما حصل كان على شكل معجزة تدخّل فيها الله تعالى بشكل مباشر عن طريق جنوده لإيقاف جريمة على وشك الوقوع ، وهذا له سابقة أيضا في قضيّة لجوء النّبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى الغار حيث حماه الله تعالى من كفّار قريش فأمر الحمامة والعنكبوت بإخفاء معالم دخول النّبيّ المصطفى (صلّى الله عليه وآله) إلى الغار.
🔹 ولو قرأت كتاب ابن كثير وغيره من كتب المؤرّخين لعرفت أنّ معجزة الطّير الأبابيل لم تكن وحدها بل جاءت ضمن سلسلة معجزات رافقت الميلاد الميمون لنبينا الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إذ ذكر المؤرّخون الآيات والمعجزات الّتي حصلت يوم مولده (صلّى الله عليه وآله) والّتي لم تقتصر على واقعة الفيل فقط بل هي عديدة منها مثلاً ؛ غوران بحيرة ساوة ، وتهدّم إيوان كسرى ، ورؤيا نجاشيّ الحبشة بهلاك جيشه بقيادة أبرهة ، وانطفاء نار المجوس ، وغيرها الكثير(28).
🔹 ومن ذلك نفهم أنّ أبرهة لم يأتِ لهدم الكعبة المشرّفة أصلا ، إنّما علم القوم بموعد ولادة نبيّ جديد سوف يكون على يديه زوال أديانهم فجهزوا جيشاً لقتله ، والكتب المقدّسة كلّها تؤيّد ذلك حيث إنّ فرعون حاول قتل النّبيّ موسى (عليه السّلام) يوم ولادته فأنقذه الله تعالى منه(29) ، وقيصر الرّوم حاول قتل السّيّد المسيح (عليه السّلام) يوم ولادته فهربوا به إلى مصر(30) ، وهكذا فإن الرّوم أوعزوا إلى ملك الحبشة الّذي كان نصرانيّا أن يرسل حملةً لقتل مولود سوف يُولد في مكّة المكرّمة ، والآية الكريمة (أّلَم تَرَ) هي خطاب موجّه ومواسٍ للحبيب محمّد (صلّى الله عليه وآله) من الله تعالى عندما ضاقت به السّبل وهو يرى قريشا تحاصره وقومه ، فذكّره الله تعالى بحادثة الفيل وأنّ الّذي قضى على تلك الجيوش وحماه من القتل قادر على نصره وحمايته مرّة أخرى.
🔹المشككون في حادثة الفيل لم يتحلّوا بالأمانة والدّقّة فيما نشروه ، فهم إمّا أن يكونوا متعمّدين أو هم جهلة ، فهم يقولون : إنّ (سورة الفيل) يعود أصلها للشّاعر رؤبة بن العجّاج الّذي كان شاهدا على حادثة الفيل وقال واصفاً هزيمة حملة أبرهة ببيتين من الشّعر هما :
ومسّهم ما مسّ أصحاب الفيل ترميهم بحجارة من سجّيل
ولعبت بهم طـــير أبابـــــيل فَصُيّروا مثل عصف مأكول
ثمّ بعد عدّة أعوام جاء القرآن الكريم ليقتبس من هذين البيتين فصاغ سورة الفيل المباركة الّتي نصّها : (أَلَم تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصحَابِ الفِيلِ أَلَم يَجعَل كَيدَهُم فِي تَضلِيلٍ وَأَرسَلَ عَلَيهِم طَيراً أَبَابِيلَ تَرمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِن سِجِّيلٍ فَجَعَلَهُم كَعَصفٍ مَأكُولٍ).
🔹 وباختصار شديد نقول لهؤلاء : إنّ اسم رؤبة بن العجّاج ينطبق على شخصيّتين معروفتين ؛ الأوّل هو أبو الجحّاف الرّاجز وهو رؤبة بن العجاج بن رؤبة بن لبيد بن صخر بن زيد مناة بن تميم شاعر مشهور وله حديث عن أبيه عن أبي هريرة رواه عنه أبو عبيدة معمر بن المثنى وعثمان بن الهيثم المؤذّن فرؤبة هذا كان مسلماً ، والثّاني هو رؤبة بن العجّاج بن شدقم الباهليّ ويُكنى بأبي بيهس(31).
🔹 فتبيّن ـ من خلال البحث ـ أنّ الإثنين كانا مسلمين وقد اقتبس رؤبة في أرجوزته من القرآن الكريم ولم يقتبس القرآن الكريم منه ، ويقول المؤرّخون عن رؤبة صاحب البيتين : إنّه شاعر بدويّ نزل البصرة وأدرك بني أميّة وبني العبّاس ، ويُعدّ من رُجّاز المسلمين المقدّمين وفصحائهم المشهورين ، وقد مدح في شعره بني أميّة ثمّ مدح بني العبّاس ، وتوفي أيّام المنصور العبّاسيّ ، ونظراً للسّنوات الّتي قضاها من عمره الممتدّ حتّى فترة حكم أبي جعفر المنصور ـ وبناءً على هذا ـ فإنّه قد ولد في الإسلام وليس في زمن الجاهليّة ؛ لأنّه لو كان ولد في زمن الجاهليّة لكان عمره يوم وفاته أكثر من مائة وثمانين سنة ، هذا إذا كان الحساب من يوم ولادته لا من يوم قوله البيتين اللّتين زعم القوم أنّه قالهما قبل نزول القرآن الكريم أصلا ، وهذا شبيه بالخيال.
🔹 الفيل والطّير الأبابيل في روايات الشّيعة
المشككون في واقعة الفيل يستغلّون بعض الرّوايات الإسرائيليّة الّتي تضفي على الطّير الأبابيل أشكالاً عجيبة ، والحقيقة أنّها كلّها تفاسير غير منطقيّة وأغلب من روى هذه الغرائب لم يشهد الواقعة أصلاً ، ولكنّنا ـ وبالرجوع إلى روايات أهل البيت (عليهم السّلام) ـ نجد التّفسير المنطقيّ متمثّلاً في رواياتهم المعتبرة ومنها مثلاً رواية الإمام الصّادق (عليه السّلام) : (أرسل الله على أهل الفيل طيراً مثل الخطّاف أو نحوه ، في منقاره حجر مثل العدسة ، فكان يحاذي برأس الرّجل فيرميه بالحجر ، فيخرج من دبره ، فلم تزل بهم حتّى أتت عليهم ، قال : فأفلت رجل منهم فجعل يخبر النّاس بالقصّة ، فبينما هو يخبرهم إذ أبصر طيراً منها فقال : مثل هذا هو منها ، قال : فحاذى به فطرحه على رأسه فخرج من دبره)(32) فالإمام (عليه السّلام) هنا يصف هذه الطّيور بأنها مثل الخطّاف ، وهو طائر السّنونو المعروف ، وهو كلام منطقيّ بعيد عن التّأويلات العجيبة.
🔹 والرّواية الثّانية عن ابن عبّاس قال : (دعا الله الطّير الأبابيل فأعطاها حجارة سوداً عليها الطّين ، فلمّا حاذت بهم رمتهم ، فما بقي أحد منهم إلّا أخذته الحكّة ، فكان لا يحكّ إنسان منهم جلده إلّا تساقط لحمه ، قال : وكانت الطّير نشأت من قبل البحر لها خراطيم الطّيور ورؤوس السّباع ، لم تُرَ قبل ذلك ولا بعده)(33) ، ففي هذه الرّواية يقول ابن عباس : إن هذه الطّيور لم تُرَ من قبل ، ولم يرها أحد بعد الحادثة ، فهي لربما طيور جاءت عن طريق المعجزة مثل نزول الملائكة الّذين جاؤوا لنصرة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في معركة بدر وأحد ، فحسب الرّواية أن المسلمين لم يروا الملائكة المسوّمين من قبل ولم يروها مرّة أخرى بعد ذهابها ، كما في رواية مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقّاص قال : (رأيت عن يمين رسول الله (صلى الله عليه (وآله) وسلم) وعن شماله يوم أحد رجلين عليهما ثياب بيض ما رأيتهما قبل ولا بعد)(34) فلم يروهما مرّة أخرى ، وهذا ما قاله أبو سفيان في يوم حنين الّتي انكسر فيها المسلمون : (ما لنا لا نرى الرّجال البيض الطّوال الّذين قاتلوا معهُ في بدر).
🎈 المصادر :
1- انظر صفحة تأريخ الأسطورة والأديان ، مقالة بعنوان (حقيقة سورة الفيل) ، بحث لمجموعة من الكتّاب وهم : محمّد المسيح ورفيق باباشي ود. سام مايكلز Dr. Sam Michaels. 2017.
2- سفر المكابيّين الأوّل 6 : 36 (وكان على كلّ فيل برج حصين من الخشب يحميه ، مطوّق بالمجانيق ، وعلى البرج اثنان وثلاثون رجلاً من ذوي البأس يقاتلون منه).
3- سفر المكابيّين الثّاني 5 : 18.
4- المجلسيّ ، بحار الأنوار ج 65 ، ص230 ؛ ابن خلدون ، تأريخ ابن خلدون ج 1، ص 64 ؛ الطّبرسيّ ، مجمع البيان ج 9 و10، ص820 ؛ السّبحانيّ ، فرازهايي أز تأريخ پيامبر إسلام ، ص46 ؛ ابن عثمان ، المبعث والمغازي ص 36.
5- سِفر أعمال الرّسل 17: 31.
6- سورة الأعراف الآية : 158.
7- سِفر أعمال الرّسل 13: 25 ، وإنجيل مرقس 1 : 7.
8- سورة البقرة الآية : 146(الَّذِينَ آتَينَاهُمُ الكِتَابَ يَعرِفُونَهُ كَمَا يَعرِفُونَ أَبنَاءَهُم وَإِنَّ فَرِيقًا مِنهُم لَيَكتُمُونَ الحَقَّ وَهُم يَعلَمُونَ) ، وكذلك سورة الأعراف الآية : 157.
9- سورة آل عمران الآية : 120.
10- سورة يوسف الآية : 5.
11- سورة يوسف الآية : 33.
12- سورة البقرة الآية : 87.
13- سورة التّوبة الآية : 26 ، وسورة آل عمران الآية : 125.
14- السّيرة النّبويّة ، لابن كثير (1 : 245) ، الرّوض الأنف (1 : 325) ، زاد المعاد (1 : 70).
15- محمّد بن جرير الطّبريّ ، تأريخ الملوك والرّسل نقلاً عن هشام بن محمّد الكلبيّ فى جمهرة النّسب.
16- سِفر المكابيّين الثّاني 15: 20.
17- الرّازيّ ، تفسير مفاتيح الغيب ، ج 32 ، ص100 ، عن عكرمة عن ابن عبّاس وهو قول سعيد بن جبير أيضا ، في قاموس المعاني قال : (جَدَرَ الجُدريّ في البدن : ظهر فيه) معنى جَدَر في معجم المعاني الجامع - معجم عربيّ عربيّ ، وتفسير القرطبيّ ص601 تفسير سورة الفيل.
18- أ. يوسف أحمد في كتابه (المحمل والحجّ ص77) ، وكذلك يرى كتاب تأريخ الحركات الفكريّة في الإسلام ، المستشرق الرّوسيّ بندلى جوزى ، ص142 ، وكتاب النّجوم الزّاهرة في ملوك مصر والقاهرة لجمال الدّين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي.
19- سِفر الخروج 9 : 11.
20- قرأتُ في بعض المراجع أنّ رسالة موشق الثّاني محفوظة في معهد ماتدنداران للمخطوطات القديمة في أرمينيا تحت رقم MS 2639.
21- سِفر المزامير 78 : 27.
22- سِفر الملوك الأوَل 17 : 4.
23- انظر كتاب البهريز في الكلام الّذي يغيظ ، لعلاء أبي بكر، ج1 ص 213 ـ142.
24- خلف مكاري ، المنتدى المسيحيّ الكتابيّ العامّ : الغراب في الكتاب المقدّس.
25- سورة هود الآية : 82.
26- سورة الحجر الآية : 74.
27- في قاموس المعاني عربيّ عربيّ يقول : السِّجِّيلُ : الطين المتحجِّر ، السِّجِّيلُ : وادٍ في جهنَّم.
التّوراة لم تغفل قضيّة رجم الحجارة من السّماء فقد ذكرتها في سفر يشوع 10 : 11(وبينما هم هاربون ، رماهم الرّبّ بحجارة عظيمة من السّماء فماتوا) ، انظر تفسيرها في التّلمود البابليّ ج13 القسم الرّابع نزيقين ، الباب الثّامن عفودا زارا ص 305 ، يشير إلى يوم سقوط حجارة جهنّم على الأرض.
28- انظر البداية والنّهاية ، لابن كثير تحقيق عبد الله التّركيّ طبع السّعوديّة ، ج3 ص593.
29- سِفر الخروج 2 : 3 ــ 15 (وكلّم ملك مصر قابلتي العبرانيّات وقال : حينما تولّدان العبرانيّات إن كان ابنا فاقتلاه ، وإن كان بنتا فتحيا ، فحبلت المرأة وولدت ابنا ، ولمّا لم يمكنها أن تخبّئه أخذت له سفطاً من البرديّ ووضعت الولد فيه على حافّة النّهر ووقفت أخته من بعيد لتعرف ماذا يُفعل به.(
30- إنجيل متّى 2 : 13(إذا ملاك الرّبّ قد ظهر ليوسف في حلم قائلا : قم وخذ الصّبيّ وأمّه واهرب إلى مصر لأنّ هيرودس مزمع أن يطلب الصّبيّ ليهلكه).
31- كتاب : المتّفق والمفترق للخطيب البغداديّ ، نشر المكتبة الشّاملة.
32- المجلسيّ ، مرآة العقول ، ج5 ، ص245.
33- المجلسيّ ، مرآة العقول ، ج 5 ، ص245.
34- صحيح مسلم رقم الحديث : 2306 ، وكذلك صحيح البخاريّ رقم الحديث : 4054.
https://telegram.me/buratha