مصطفى الهادي.
💠 لقد كتبت مئات المقالات وألوف الصفحات عن دينٍ وكتابٍ يقوم بإهانة الأنبياء وقد ثبّت عندكم بأن كل ما كتبته أو اوردتهُ موجود في كتبكم لم اتصرف به. أما آن الأوان ان تنفتحوا على الآخر الذي يعطي الأنبياء حقهم؟
💠 كانوا يبحثون عن المسيح طفلا ، اليهود والدولة الرومانية الوثنية ليقتلوه ولكن الله انقذه من أيديهم واستمروا في محاولة تصفيته حتى بعد بعثته كما نقرأ ذلك واضحا : (كان اليهود يطردون يسوع، ويطلبون أن يقتلوه).(1)
💠 وكان القيصر أيضا يُطارده ليقتله كما نقرأ: (ملاك الرب ظهر ليوسف قائلا : قم خذ الصبي وأمه واهرب ، لأن هيرودس مزمع أن يطلب الصبي ليهلكه).(2) فحسب نصوص الإنجيل فإن هذه المحاولات تم الاستعداد لها قبل ولادة السيد المسيح وقد عرفوا ذلك من خلال النبوءات بنبي قادم تبناها اليهود على شكل عقيدة وانتبهت لها الدولة الرومانية بناءا على تفسيرات قدمها مجموعة من المنجمين والعرافين او ما قام بدّسه اليهود للقيصر لعلهُ يُخلصهم من هذا المنافس لديانتهم.صحيح انهم كانوا ينتظرون نبيا ولكن على شرط أن لا يمس مصالحهم.
💠 الإنجيل والقرآن اتفقا على ذلك وأشارا إلى الخطر الثنائي الذي شكلهُ اليهود والوثنيين الرومان، فقد مرّ بنا بعض نصوص الإنجيل التي تؤيد قولنا هذا ، وأما القرآن فقدم لنا صورة واضحة أيضا عندما أمر الله مريم أن تخرج بعيدا لولادة السيد المسيح، وبعد أن أصبح امر ولادته امر واقع (جاءت به قومها تحمله).(3) ولكن هيرودس عندما علم بولادة المسيح واختفاء مريم بعيدا في مكان مجهول (فانتبذت به مكانا قصيا، أو : انتبذت من أهلها مكانا شرقيا).(4) قام بمجزرة اطفال مرعبة (هيرودس غضب جدا. فأرسل وقتل جميع الصبيان الذين في بيت لحم وفي كل تخومها، من ابن سنتين فما دون).(5)
📛 هنا أريد أن اتوقف في مسالة هروب السيدة مريم بالطفل.
💠 الإنجيل يقول أنها هربت إلى مصر كما نقرأ : (ظهر ملاك ليوسف قائلا : قم وخذ الصبي وأمه واهرب إلى مصر. فقام وأخذ الصبي وأمه ليلا وانصرف إلى مصر).(6) أما القرآن فقد وصف هروب مريم وابنها بأنها ذهبت إلى (مكانا شرقيا). وهذا هو الأصح ، لأن مصر بالنسبة إلى بيت لحم تقع في غربها وليس في شرقها. اما شرقها فهو الأردن وجزء من سوريا والعراق. والعراق هو المكان الشرقي القصيّ ، وسبب اختيارها للعراق لأنه لم يكن تحت حكم الرومان، بعكس مصر والأردن وسوريا فقد كان الحكم الروماني مهيمنا هناك وهذا يعني أن سلطة القيصر سوف تمتد لتصل إلى المسيح وتقتله.بينما لا يستطيع القيصر الوصول إلى العراق لأنهُ كان تحت الحكم الفارسي، وكانت الحرب محتدمة بين الفرس والرومان.وقد كانت حدود الدولة الرومانية تمتد إلى الرمادي وحدود عين التمر الطارات الحالية ومن هنا قال الكثير من علماء الشيعة بأن عيسى ولد في العراق تحديدا في كربلاء ، او حتى في بغداد. بسبب أن هذه الأماكن كانت خاضعة للدولة الفارسية.
💠 كل هذه المخاطر التي تعرض لها السيد المسيح في طفولته لم تنته بل لاحقته حتى بعد أن اصبح له من العمر (33) عاما حيث بُعث نبيا، وهنا اصبحت المطاردة جدا شرسة من قبل اليهود والرومان.فقد صدقت النبوءات والرؤى. وأصبح الطرفان في خطر من دعوة عيسى.
💠 الرومان: لأنهم رأوا فيه تهديدا خطيرا لديانتهم الوثنية، حيث بدأ الناس يتجهون إليه ويؤمنون به
💠 بعدما ظهرت منه معجزات اذهلت الجميع. وبناءا على ذلك لابد من التخلص منه.
اليهود: لأنه منافس قوي وخطير اضافة إلى ادعائه بأنه ابن الله او هو الله، اضافة إلى محاربته للربا وإعلانه الحرب على كهنة الباطل. فسعوا جاهدين للوالي الروماني بأن يقتله.
💠 ومما زاد في المخاوف اكثر وأكثر هو قيام الوالي الروماني بسجن النبي يوحنا المعمدان ابن خالة المسيح ، ثم قام بقطع رأسه وهو في السجن. من ذلك كله ومخاطر أخرى كثيرة حاقت بشخص السيد المسيح وتحت تأثير هذه الأجواء الخطيرة كان من حق (مريم العذراء) أم السيد المسيح ان تخاف عليه وتحرص على سلامته ، فهو وحيدها ذو الشأن العظيم : (وجعلناها وابنها آيةً للعالمين).(7)
💠 فكانت مريم تأخذ ابناء يوسف النجار وتدور في السكك تبحث عن ولدها المسيح لتطمأن عليه وفي يوم وجدته في عرس فوقفت خارجا وأرسلت من يُناديه لتراه وهذا ما نقرأ جليا واضحا : (وجاء إليه أمه وإخوته، ولم يقدروا أن يصلوا إليه لسبب الجمع. فأخبروه قائلين: أمك وإخوتك واقفون خارجا، يريدون أن يروك). (8) ولكنه رفض الخروج من العرس فأجابهم وقال : (أمي وإخوتي هم الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها).(9) سبحان الله وهل يوجد في الأرض أكثر إيمانا والتزاما من مريم العذراء.(يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين).(10)
💠 وألحّت مريم من أجل رؤية ابنها فأرسلت شخصا آخر تطلب رؤية ابنها عيسى المسيح ولكن عيسى استمر بالكلام ولم يُبالي : (وفيما هو يُكلم الجموع إذا أمه وإخوته وقفوا خارجا طالبين أن يُكلموه. فأجاب وقال للقائل : من هي أمي ومن هم أخوتي. ثم مد يده نحو التلاميذ وقال : ها أمي وإخوتي).(11)
💠 وفي المرة الثالثة ، أصرت أمه لكي تراه وتطمأن هل هو حيٌ او هو ميت وعندما ألحت عليه خرج يسوع شبه مغضب وصرخ فيها وسط حشود الناس : (قال لها يسوع: مالي ولك يا امرأة؟ لم تأت ساعتي بعد).(12) ثم وضع المسيح قاعدته المشهورة في البغض : (إن كان أحد يأتي إليّ ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته وأخواته، حتى نفسه أيضا، فلا يقدر أن يكون لي تلميذا).(13) كلام غامض احتار به حتى مفسري المسيحية.
💠 سبحان الله أين صلة الأرحام والرأفة بالمؤمنين والبر بالوالدين ، الم تكن أمهُ مريم مؤمنة لا بل افضل نساء العالمين. أين عيسى من قول القرآن الذي يأمر بالإحسان إلى الوالدين حتى لو اجبرا أولادهم على الشرك : (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا).(14) أمن المعروف والإنصاف أن يصرخ بوجه أمه (مالي ولك يا امرأة).وقضاء الله يأمره بطاعتها (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما).
💠 هذا هو حال الإنجيل مع الاسف الشديد أنه يُصور السيد المسيح قاسي القلب عاقا بأمه، بينما نرى القرآن يتهم من يفعل ذلك بأنهُ مرتكب كبيرة تستوجب العذاب وفي نفس الوقت يقوم القرآن بتنزيه النبي عيسى من هذه الافعال تجاه والدته فيقول عيسى : (وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا).(15) فعدّ عيسى كل من لا يبر والديه بأنه من الجبابرة الأشقياء.
💠 وهكذا يصف لنا الإنجيل حال مريم وألمها الشديد من تصرفات ابنها يسوع المسيح فلم تفارق هذه الآلام قلبها ابدا ، فتُعاتب أبنها قائلة: (يا بني، لماذا فعلت بنا هكذا ؟ هوذا أبوك وأنا كنا نطلبك معذبين. وكانت أمه تحفظ جميع هذه الأمور في قلبها).(16) هذا الألم يضرب القلب خصوصا الأم وقد وصف لنا القرآن حالة أم موسى عندما اضطرت أن ترمي وليدها في الماء لتُنقذه من بطش فرعون فقال : (وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها لتكون من المؤمنين).(17) سبحان الله أيُ ألم تمر به الأم عند فراق وليدها. الأب يستطيع ان يكتم مشاعره ولكن الأم (إن كانت لتبدي به). أي كادت ان تعبر عن مشاعرها كأم مكلومة فتقوم بالصراخ والعويل والحزن ولكن (لولا أن ربطنا على قلبها). الله هو الذي قام بتسكين ألم الفراق وأوعدها خيرا.
💠 اما مريم العذراء فعلى ما يبدو أنها لم تر ولدها عيسى إلا وهو معلق على الصليب ــ حسب رواية الإنجيل ــ الذي يقول : (وكانت واقفات عند صليب يسوع أمه ، فلما رأى يسوع أمه، قال لأمه يا امرأة، هوذا ابنك ثم قال للتلميذ هوذا أمك. فأخذها التلميذ إلى خاصته).(18) كلام غامض لا نفهم منه شيئا سوى أن احد التلاميذ اخذ مريم بعد صلب ابنها ــ حسب رواية الإنجيل ــ واختفى التلميذ الذي لا نعرف من هو ، واختفت معهُ مريم العذراء ولم نعلم عن حالها بعد ذلك شيئا.
📛 المصادر :
1- إنجيل يوحنا 5 : 16.
2- إنجيل متى 2 : 13.
3- سورة مريم آية : 27.
4- سورة مريم آية : 22.
5- إنجيل متى 2 : 16.
6- إنجيل متى 2 : 13 ــ 14.
7- سورة الانبياء آية 91 .
8- إنجيل لوقا 8 : 19 ـ 20.
9- إنجيل لوقا 8 : 21.
10- سورة آل عمران آية : 43.
11- إنجيل متى 12 : 46.
12- إنجيل يوحنا 2 : 4. وقول عيسى لأمه (لم تأت ساعتي بعد). يدل على أن عيسى علم سبب قلق أمه وأنها كانت تخاف عليه من القتل. فكان جوابه مما يؤسف له مثل السخرية بها . هكذا يُصوروه.
13- إنجيل لوقا 2 : 48 ـ 51.
14- سورة لقمان آية : 15.
15- سورة مريم آية : 32.
16- إنجيل لوقا 2 : 51. قولها هذا أبوك تعني بذلك يوسف النجار الذي اشرف على تربية عيسى المسيح، فكانوا ينسبونه إلى يوسف.
17- سورة القصص آية : 10.
18- إنجيل يوحنا 19 : 25 ـ 27.
https://telegram.me/buratha