علياء الانصاري *||
نحتفي جميعا بعيد ميلاد من نحب، وهم كذلك يفعلون معنا.
وفي كثير من الأحيان، نبالغ بهذا الاحتفال تبعا لمكانة المحتفى به وقربه منا.
فما بالنا، بذكرى ميلاد (إسلامنا)؟!!
لماذا لا يحتفي به إصحابه كما يليق بشأنه ومكانته لديهم؟!
لماذا لا يحتفون به كما يحتفون بالمناسبة الدينية الحزينة؟ والتي تستغرق في بعض الأحيان أياما وليالي؟!!
لماذا نحن كأفراد، لا نخصص له احتفالا مجيدا به في بيوتنا، مع أطفالنا، نخبرهم بان هذا اليوم هو يوم ميلاد الإسلام، هذا هو اليوم الذي نزل به محمد (ص) من غار حراء، مبعوثا للناس رحمة أولها : (أقرأ)؟
لماذا لا يصبح هذا اليوم، عيدا وطنيا.
في كل المناسبات الأخرى التي تتعلق بغيرنا، من أخوتنا المسيح والصابئة والاكراد والشبك وغيرهم من المذاهب والقوميات، نتسارع بارسال التهاني لهم والتبريكات على صفحاتنا في وسائل التواصل الاجتماعي ونتسارع في إظهار المحبة والسلام لهم ولغيرهم.
لم أستلم اليوم أي بطاقة تهنئة من أي مسلم أو غير مسلم، ما عدا تهنئة واحدة وصلتني على الواتساب من أحدى السيدات.
ولم أجد ذلك الزخم من التهاني والبوستات على صفحات المسلمين في وسائل التواصل الاجتماعي، ما عدا قلة قليلة هنا وهناك.
أين المشكلة؟ في الإسلام أم المسلمين؟!
ألا يملك المسلمون الثقة الكافية بدينهم وأنفسهم ويشعرون بفخر الإنتماء إليه؟!
ألا يعتقد المسلمون، بأن دينهم يستحق الإحتفاء به وتجذيره في ذاكرة الفرح لديهم ولدى أطفالهم كل عام؟!
جميع المسلمين غضب غضبا عارما عندما رسم أحدهم رسوما أهانت رمز الإسلام، رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وكانت غضبة في الله، فأين هم الآن من إستذكار المبعث النبوي أو ميلاد الإسلام؟!
قد يقول أحدهم: وهل فكرة الاحتفال بعيد ميلاد الإسلام تستوجب كل هذا الكلام؟
نعم لعمري، انه تستوجب أكثر من ذلك..
كما يستوجب الاحتفال بعيد ميلاد أبنائنا وأصدقائنا وإحياء مناسبات عديدة لمختلف مجالات الحياة.. لأن فكرة الاستذكار أو الاحتفال أو الاحتفاء، تتلخص في (تجذير الشخص أو الفكرة أو المناسبة في الذاكرة لتترجم بعد حين الى سلوك).
لذلك الناس تختلف في طبيعة إحتفائها بالأشياء وبالأشخاص، فثلة تستذكر الرياضيين وثلة الفنانين وثلة العلماء وثلة الفقهاء وثلة حوادث تأريخية معينة، وثلة أخرى مناسبات تتعلق بمواضيع اجتماعية أو تاريخية.. كل واحد فينا يحتفي بما يعتقد بانه مهم في الحياة.
كل واحد فينا يحتفي بالأشخاص الذين يعتقد بانهم يشكلون له رمزا في الحياة أو قدوة.
يحتلفون بمناسبات، يعتقدون بانها ستضفي على حياتهم قيمة، مثل (يوم الحب / يوم الطبيعة / يوم الام / يوم المعلم وغيرها).
لذلك دعونا نتساءل بصدق وبعمق: أين هو إحتفالنا بالمبعث النبوي الشريف من كل هذا؟!
ها هو محمد بن عبدالله (ص) الصادق الأمين، يهبط من علياء الجبل الى شعاب مكة، بعد أن حُمل برسالة السماء.. تلك الرسالة التي كانت بدايتها: (أقرأ).
ليقرأ مع الناس، حكاية الكون والوجود، حكاية الخلق والإنسان..
ليقرأ لهم الرحمة والمودة والحبّ، طريقا للحياة.
كان يريدنا أن نتعلم قراءة أنفسنا، والكون من حولنا، لنكون أبرع المؤلفين لسيناريوهات الحياة، لنا وللآخرين.
كان يريد منا، أن نترجم حروف الحبّ والرحمة والتسامح والسلام التي قرأناها فيه، الى ثقافة وسلوك ونهج حياة.
فأعذرنا يا رسول الإسلام والرحمة، مازلنا نتجادل في مصطلحات (الإسلام السياسي / الإسلام المعتدل / الإسلام الأمريكي / إسلام داعش أم إسلام القاعدة / إسلام السنة أم إسلام الشيعة)، جعلونا نغرق في هذه التسميات وتبعاتها.
أصبحت مهمتنا عسيرة في إفهام العالم، أن المسلم من سلم الناس من يده ولسانه، وغير هذا فهو خارجٌ منه.
أصبحت مهمتنا صعبة في مواجهة لصوص الدين الذين قطعوا الطريق على أبنائنا، طريق معرفتك وحبّك والاقتداء بكَ.
ومع كل تلك الصعوبة وذاك العُسر، يبقى الأمل يرنو فينا، ما دام حبّكَ ينبض فينا، رحمة ً وعطاء ً وإنسانية.
كل عام وإسلامنا بالف خير.. كل عام ومحمد ينبض فينا بخير
*كاتبة / مديرة تنفيذية لمنظمة بنت الرافدين
https://telegram.me/buratha