🖌🖌 محمد شرف الدين ||
(( كانت أول معركة في الإسلام وأول اختبار حقيقي للقوة التي بدأت تأخذ طريقها لأول مرة قبل خمسة عشر عاماً والتي حظيت برعاية واهتمام الرسول ( صلى اله عليه وآله وسلم ) فقد بدأ الإسلام بواحد واثنين واليوم أصبحت له دولة وتحول إلى مجتمع إسلامي مصغر ، فكان لابد من اختبار قوة هذا المجتمع ومدى تماسكه مع القيادة ... كان عليه أن يبدأ الفصل الجديد من التاريخ الإسلامي بهذه المعركة الفاصلة التي هيأ نفسه لها من فترة وهيأ المسلمين لها بعد أن أعدّهم إعداداً عسكرياً ممتازاً لخوض غمار المواجهة ....
فقد كانت معركة بدر معركة وجود ، نستنتج ذلك من دعاء النبي ( صلى الله عليه وآله ) قبل قيام الحرب (( اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد )) فإنّ الإسلام كله كان يتوقف بقاؤه على هذه القلة من المسلمين ، وإنَّ التاريخ كله كان يتوقف على تلك اللحظات التي سيكتب فيها لهذه القلة النصر أو الهزيمة ....
وتقدم المسلمون للمعركة الفاصلة وهم على يقين بأنّ كل خطوة من خطواتهم ستكتب في التاريخ وأن مصير هذا الدين سيتوقف على هذه الخطوات ، وبدأت المعركة الفاصلة بفاصلة قتالية قدّم فيها النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) أقرباءه الثلاثة علي وحمزة والحارث بن عبيدة بينما راحت قريش تختار أفضل مقاتليها لهذه الجولة وهم عتبة وأخيه شيبة وابنه الوليد ،.... وانتهت المعركة بنصر حاسم فولت قريش بمن بقي من مقاتليها ... ))
* نتائج هذه المعركة :
1 ـ عززت ثقة المسلمين بأنفسهم ، وثبتت إيمان بعض المترددين في إسلامهم .
2 ـ جعلت من المسلمين قوة مرهوبة الجانب عند القبائل المشركة واليهود في المنطقة.
3 ـ شجعت الكثيرين على الدخول في الإسلام بعد أن كانت قريش تشكل الحاجز النفسي والمادي لهم .
4 ـ أضعفت هيبة قريش ونفوذها ومكانتها بين العرب .
5 ـ فتحت الأبواب أمام رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) في الانطلاق بحرية اكبر في نشر الدعوة .
6 ـ زادت من قوة التضامن والتماسك بين المهاجرين والأنصار وعززت وحدتهما في مواجهة التحدي .
(( وقد حدد الله تعالى هدفه من معركة بدر بقوله في سورة آل عمران الآيات 123- 129 (( لقد نصركم الله ببدرٍ وأنتم أذلةٌ فاتقوا الله لعلكم تشكرون & إذ تقول للمؤمنين ألن يكفيكم أن يُّمدكم ربُكم بثلاثة آلاف من الملائكة مُنزلين & بلى إن تصبروا وتتقوا ويأتوكم من فوركم هذا يمددكم ربُكم بخمسةِ آلافٍ من الملائكة مسوِّمين & وما جعله الله إلا بُشرى لكم ولتطمئنَّ قلوبكم به وما النصر إلاّ من عند الله العزيز الحكيم & لِيقطع طرفاً من الذين كفروا أو يكبتهم فينقلبوا خائبين & ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون & ولله ما في السمواتِ وما في الأرض يغفر لمَنْ يشاء ويعذب مَنْ يشاء والله غفور رحيم & ))
فالهدف : إهلاك طرفٍ أي قطعة من قبائل قريش ، وكبتُ الباقين بهزيمتهم .. ))
*أسباب الانتصار :
ثمة أسباب عديدة تمخض عنها انتصار القلة على الكثرة في معركة بدر نعرض هنا لأنّها يمكن أن تعد الأسباب النموذجية التي تفسر لنا الكثير من الانتصارات التي حققها المسلمون ضد أعدائهم الذين يفوقونهم عدداً وعتاداً ليس في عصر النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فقط بل فيما تلاه من عصور وحتى عصرنا وهذه الأسباب هي :
أولاً : وحدة القيادة :
فقد كان الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم ) هو القائد العام للمسلمين في معركة بدر ، وكان المسلمون يعملون كيد واحدة تحت قيادته ، يوجههم ويحدد لهم التكاليف للقيام بعمل حاسم ، وكان انضباط المسلمين في تنفيذ أوامر قائدهم نموذجاً رائعاً للانضباط الحقيقي ، ومعنى الانضباط هو إطاعة الأوامر وتنفيذها والقيام بالتكاليف المحددة بحرص وأمانة وعن طيبة خاطر .
ثانياً : العقيدة الراسخة والمعنويات العالية :
فقد تمتع المسلمون في بدر بروح معنوية عالية نابعة من عقيدة راسخة وإرادة قوية وإخلاص وتفانِ في سبيل الله قل نظيره ، ولم تكن معنويات الذين مارسوا الحرب طويلاً عالية فقط ، وإنّما كانت معنويات الأحداث الصغار الذين لم يمارسوا حرباً ولا قتالاً عاليةً أيضاً .
ثالثاً : وضوح الهدف وسمو الغاية :
يقول أحد العلماء (( .... من لم يعرف كيف ينتهي حتماً لم يعرف كيف يبتدأ ... )) أي إنّ تحديد الهدف مهم جداً في حياة الإنسان ويكون تحرك الإنسان اتجاه هدفه بقيمة ذلك الهدف .
فقد كان المسلمون في بدر يقاتلون في سبيل رضوان الله ، وطلباً للآخرة ، وكانت لديهم أهداف واضحة يعرفونها ويؤمنون بها وهي إزالة كل الحواجز المادية من أمام الدين الجديد وترك الحرية الكاملة لهم لنشر الإسلام الذي يحرر الإنسان من العبودية للطاغوت لتكون كلمة الله هي العليا .
https://telegram.me/buratha