الشيخ خيرالدين الهادي الشبكي||
توافرت الادلة على ضرورة الاهتمام بأمر أهل البيت عليهم السلام؛ باعتبارهم سفينة النجاة في وسط البحار المتلاطمة, فمن ركب سفينتهم كان في مأمن ومن تخلف عنهم فقد تخلف عن الخير كله, وقطعا فان ركوب الخير يستلزم الكثير من المقدمات ومن أهمها الدعاء بصدق النية وخلوصها للتوفيق في الامر ومواكبة الصالحين ومرافقتهم ومجالستهم؛ لذلك نجد العلماء يتسابقون بالتضرع إلى الله تعالى ليمكنهم في حضور مجالس ذكر أهل البيت عليهم السلام بشكل عام ومجالس الحسين بشكل أخص سيما في شهر الاحزان في ظلال محرم الحرام.
إن ما ينبغي أن يلتفت إليه المؤمنون على وجه الخصوص هو أن مسألة استجابة الدعوة ليست متاحاً للجميع, وقد نبه القرآن على ذلك في مواضع كثيرة ومن بينها إخوة يوسف الذين لم يستجيبوا إلى الحق وسوّفوا التوبة نيف وثلاثين عاماً, وقد أكد العلماء أن عدم توفيقهم إلى التوبة على الرغم من أنهم كانوا أبناء نبيٍّ من الانبياء هو اصرارهم على الباطل والكذب, وبعد أن أيقنوا أنهم يخدعون أنفسهم بذلك توسلوا بالتوبة وطلبوا العفو فتوفقوا إلى التوبة, ومما ينبغي أن نلتفت إليه في أمرهم هو رأفة الله ورحمته الذي صبر عليهم كل تلك السنوات, وأبقاهم أحياءً ليتداركوا التوبة في حياتهم, فلو مات أحدهم قبل ذلك ما كان لينفعه نسبه وحسبه؛ بل كان يختم عليه بالتسويف والخيبة.
اليوم أيضاً كلنا كإخوة يوسف فقد أسلفنا وبالغنا في التسويف وتحجبنا عن استجابة دعوة المعصوم الحجب التي أفرزتها الذنوب والمعاصي, ومن لم يتوفق إلى ازالة الحجب ليس له القدرة على استجابة المعصوم, ولا يخفى أن الكثير من الناس من حولنا فشلوا في استجابة أمر الله تعالى قبل ذلك, والذي منعهم هو الذنب الذي يحول بين المرء وبين طاعة الله, فليس لأهل الباطل والرذيلة القدرة على التوفيق لاستماع صوت الحق والتجانس معه, وان الجوارح التي أصبحت مطية المعاصي لا تليق بها أن تكون متزينة بحسن الولاء والايمان, فاجتماع النقيضين محالٌ وغير منطقي.
وعلى هذا فان دعوة الامام الصادق عليه السلام في إحياء أمرهم ليس متاحاً للجميع؛ بل سينقسم الامر على حسب مستويات الناس, فمنهم من سيسعى بكل قوة على وفق المعطيات مراعياً للوقاية ومبادرا إلى تعظيم الشعائر بكل ما أوتي من الحول والقوة وهؤلاء من أهل الصفاء والسريرة الطيبة الذين توفقوا إلى التوبة فيسرَّ الله لهم الامر مع صعوبة الوضع والظرف وبما لا يتقاطع مع اجراءات السلامة والوقاية, ومنهم من لا يتصدى بشكل يكون هو المبادر والقائم على العمل؛ بل يشارك الناس إذا أقاموا ويكفي بالحضور واكثار السواد وهذا الصنف على الخير أيضاً ولكن مقامه مختلف عن السابقين والمبادرين, ومن الناس أيضاً من يجعل من أمر استجابة الدعوة عرضياً فان صادف يكون مع المعزيين وإن فاته لا يهتم للأمر وهذا الصنف ممن فاته الخير الكثير, وهناك من يسعى إلى تعطيل المجالس ومحارتها بالترويج ضدها أو الاستخفاف بها أو منعها وهؤلاء من سُلبوا التوفيق ومنعهم ثقل المعاصي والذنوب وينبغي عليهم المبادرة إلى التوبة للتوفيق في خدمة المجالس والحضور إليها.
أن دعوة الامام الصادق عليه السلام وإن كانت مطلقة وللجميع إلا أن الاستجابة مخصصة بالبعض دون البعض الاخر, ولا يستلزم استجابة امرهم اقامة المجالس الكبيرة أو التي قد تكون شائكة سيما في هذا الظرف الحرج من انتشار الوباء؛ بل يكفي إحياء امرهم في اقامة المجالس الصغيرة حتى لو كانت على مستوى البيوت, فالمهم في هذا الجانب إحياء الأمر وبما يتناسب مع الظرف مع الاحتراز الشديد والتمسك بأسباب الوقاية, والا فان المخالف لإجراءات السلامة والوقاية قد يكون هو الآخر مذنباً ويتحمل مسؤولية جمع الناس وأمنهم وسلامتهم.
https://telegram.me/buratha