✍️ السيد احمد فليح الاعرجي||
خروج الإمام الحسين (عليه السلام) من مَكة إلى العراق
على أثر الرسائل الكثيرة التي أرسلها أهل الكوفة إلى الإمام الحسين (عليه السلام) عندما كان في مكة المكرمة وفي خلال إقامته في مدينة مكة لم تنقطع عنه وفود أهل الكوفة وهي تدعوه إلى القدوم إلى العراق، ولم يكن الإمام راغباً في البقاء في مدينة مكة، لأنه يعرف نوايا الأمويين وخططهم لقتله .
لذلك ، اِرتأى (عليه السلام) أن يُرسِل مندوباً عنه إلى الكوفة ، فوقع الاختيار على ابن عمه مُسلم بن عقيل (عليه السلام) لتوفر مستلزمات التمثيل والقيادة به .
ومنذ وصوله إلى الكوفة راحَ يجمع الأنصار، ويأخذ البَيعة للإمام الحسين (عليه السلام)، ويوضِّح أهداف الحركة الحسينية، ويشرح أهداف الثورة لزعماء الكوفة ورجالاتها .
فأعلَنَت الكوفة ولاءَها للإمام الحسين (عليه السلام)، وعلى أثر تلك الأجواء المشحونة، كتب مسلم بن عقيل إلى الإمام الحسين (عليهما السلام) يَحثُّه بالمسير والقدوم إلى الكوفة .
فتسلَّم الإمام الحسين (عليه السلام) رسالة مسلم بن عقيل وتقريره، عن الأوضاع والظروف السياسية، واتجاه الرأي العام .
فقرر الإمام (عليه السلام) التوجُّه إلى العراق، وذلك في اليوم الثامن من ذي الحجة (يوم التروية) 60 هـ .
ويعني ذلك أنَّ الإمام (عليه السلام) لم يُكمِل حَجَّه بِسببِ خُطورَة الموقف، لِيُمارس تكليفه الشرعي في الإمامة والقيادة.
فجمع الإمام الحسين (عليه السلام) نساءه، وأطفاله، وأبناءه، وأخوته، وأبناء أخيه، وأبناء عُمومَته، وشدَّ (عليه السلام) الرحَال، وقرَّر الخروج من مكة المكرَّمة.
فخرج لأنه لا يريد أن يكون سبباً في انتهاك حرمة هذه المدينة وبيت الله الحرام، ولهذا أجاب عبد الله بن الزبير حين قال له: لو أقمت في الحجاز ثم طلبت هذا الأمر لما خالفت عليك «إن أبي حدثني أن لها كبشاً به تستحل حرمتها وما أُحب أن أكون أنا ذلك الكبش»
لذلك خروج الإمام من مكة المكرمة في اليوم الثامن من ذي الحجة واختيار هذا اليوم له دلالتان:
١ . اختار هذا اليوم ليتفادى ما يدبّره الامويون من محاولة لاغتياله، وقد انتدبوا لذلك عمرو بن سعيد الأشدق، الذي فاجأه خروج الإمام الحسين وأفشل خطته، ولم تفلح كل محاولاته في منع الإمام الحسين من الخروج .
٢ . إن هذا اليوم هو اليوم الذي يفيض فيه حجاج بيت الله الحرام إلى عرفات وفي هذا اليوم يعلن الإمام سخطه وثورته على حكم يزيد، وهذا الخروج يمثّل رسالة ثائرة إلى كل بقاع البلاد الإسلامية في العالم وبذلك استطاع أن يوصل إعلان ثورته إلى كل بقاع الدنيا.
لذلك فوت الإمام هذه الفرصة عليهم بخروجه قبل وقت التنفيذ في الثامن من ذي الحجة سنة (٦٠ للهجرة) بالرغم من معارضة عدد كبير من الصحابة والتابعين وبني هاشم لهذا الخروج، ويبدو أن الإمام قد حسم أمره واتخذ قراره بالرحيل إلى العراق حيث المكان الموعود.
وندرك هنا أن للإمام الحسين (عليه السلام) قراراً وهدفاً لا يُمكِن أن يتراجع عنه، فقدْ كان واضحاً من خلال إصراره وحواره أنَّه (عليه السلام) كان متوقِّعاِ للنتائج التي آل إليها الموقف، ومشخِّصاً لها بشكل دقيق، إلاَّ أنه كان ينطلق في حركته من خلال ما يُملِيه عليه الواجب والتكليف الشرعي.
ونجد ذلك واضحاً في خُطبَتِه حيث قال (عليه السلام): (الحَمدُ للهِ، ومَا شاءَ الله، ولا قُوَّة إلاَّ بالله، خُطَّ المَوتُ على وِلدِ آدم مخطَّةَ القِلادَة على جِيدِ الفَتاة، وما أولَهَني إلى أسْلافي اشتياقَ يَعقُوبَ إلى يوسف، وخيرٌ لي مَصرعٌ أنا لاقيه، كأني بأوصالي تقطِّعُها عسلان الفلوات بين النَّواوِيسِ وكَربلاء، فيملأن أكراشاً جوفا، وأحوية سغباً.
لا مَحيصَ عن يوم خُطَّ بالقلم، رِضا الله رِضَانا أهل البيت، نصبر على بلائه، ويوفِّينا أجورنا أجور الصابرين، لن تشذّ عن رسول الله لَحمته، وهي مجموعة له في حظيرة القدس، تقرُّ بهم عَينه، وينجزُ بهمْ وَعدَه.
من كان باذلاً فِينَا مهجتَه، وموطِّناً على لِقَاء الله نفسه، فلْيَرْحَل مَعَنا، فإنِّي راحلٌ مُصبِحاً إن شاء الله .
إذن فكلُّ شيء واضحٌ أمام الإمام الحسين (عليه السلام)، وهو مُصمِّم على الكفاح والشهادة، فليس النصر يحسب دائماً بالنتائج الآنيَّة المادِّيَّة، فقد يحتاج الحدَث الكبير إلى فترة زمنية طويلة، حيث يتفاعل فيها جملة من الحوادث والأسباب، ليعطي نتائجه.
وهذا ما حدث بالفعل بعد استشهاد الإمام (عليه السلام)، إذ ظَلَّت روح المقاومة تغلي في نفوس أبناء الأمَّة إلى يومنا هذا المقاومة الإسلامية ثقافياً وعسكرياً ظَلَّت قائمة تقارع وتكافح انواع الطغيان والفساد والظلم في العالم .
واستمرَّتْ المقاومة بعد موت يزيد، حتى قَضَتْ على كِيان الحكم الأموي تلك الروح التي كانت شعاراً لِكلِّ ثائر في سبيل التحرُّر من الظُلم والطغيان .
جعلنا الله وإياكم من انصار وخِدّام الامام الحسين (عليه السلام) ومن الذَّابين في نهج المسيرة الحسينية واعلاء كلمة الحق .
ــــــــــــ
https://telegram.me/buratha