كاظم الخطيب
لا ينبغي لكمٍ من الحروف، ولا لحشدٍ من السطور، ولا حتى لزخمٍ من الأوراق، الإحاطة بفكرِ، وعطاءِ، وثوريةِ كربلاء.. كما لا يمكن لسيلٍ من الكلمات، ولا لجمهورٍ من الكتاب والباحثين، ولا لعنقٍ من الخطباء والمحدثين، الإلمام بالجوانب الفكرية، والعقائدية، وإختزال الأحداث بزمن معين، أو حصر النتائج بحقبة بذاتها.
واقعة كربلاء، لم تكن لتختص بحقبة من الزمن، ولا لتحدد ببقعة من الأرض، فكل يوم عاشوراء، وكل أرض كربلاء.
لقد كانت مبادئ القيام الحسيني على مدى العصور، مناراً يهتدي بها الأحرار، ودروساً تلهب مشاعر الثوار.
لذلك فقد واجهت هذه المبادئ، من قبل قوى الإستكبار العالمي، وأقطاب الفكر السلفي في المحيط الإقليمي، حملة من التضليل والتعتيم، ومحاولات تشويه وتزييف الحقائق، والحيلولة دون إطلاع عامة الناس، على هذه المبادئ، التي من شأنها تقويض، مشاريعهم، وفضح ممارساتهم القمعية، وتحريض الناس، على المطالبة بحقوقهم، وعدم الركون للظلم والظالمين.
إن تعدد أهداف ومرامي الثورة الحسينية، جعل من جبهة المواجهة، وتيار الممانعة لها، جبهة عريضة، وتياراً قوياً شرساً.
كونها قد دعت إلى الإصلاح، الذي يشمل جميع أوجه الفساد، سواءً كان ذلك في الحكم، أو في الإدارة ، أو في الأخلاقيات العامة، من قبيل الأفكار المنحرفة كالتطرف، والمغالاة، والسلوكيات الشاذة، وجميع ما يخالف شريعة السماء، ودعوة الكمال الأخلاقي، التي جاء بها المصطفى، عليه وعلى آله أفضل الصلوات وأتم التسليم.
في العراق، تجسدت المواجهة بين حكومة البعث الكافر، بالمبادئ والقيم الإنسانية، وبين العقول النيرة، التي جعلت من الشعائر الحسينية، منهجاً لمقاومة البعثيين، وتحدياً لطغيانهم، من خلال الإستعداد للتضحية بالنفس، والمال، والولد، تأسياً بالإمام الحسين عليه السلام، فكانت زيارة الحسين تمثل رعباً، لأزلام البعث، فكانوا يستنفرون طاقاتهم، لمنع الزائرين من الوصول إلى كربلاء التضحية والإباء، وزيارة سيد الشهداء.
كما تجسد بعد زوال حكومة البعث، وجه أخر من أوجه الصراع، ولكن هذه المرة، كان بين المبادئ الحسينية، وبين من يدعي الدفاع عنها، والحرص على تجسيدها، لكنه إصطدم معها، في جبهة الشهوات الآنية، والأطماع الشخصية، فقد أبهرته هيبة السلطان، وروعة الصولجان.
لقد نسي أو تناسى، إنه لن يستطيع أن يملك كما ملك يزيد، وأنه لن يقدر على ما قدر عليه صدام، لكن هواه قد غلبه، وأعماه، وإذا بهذه المبادئ تقف بوجهه، وتهزأ من جبروته، وترفع راية الإصلاح والتغيير، فكانت ثورة الحسين نبراساً، لدعاة التغيير، الذين تمكنوا من إقتلاع الفاسدين، وفضح ممارساتهم، وكشف زيفهم، والشروع بحملة الإصلاح، التي دعت إليها هذه الثورة المباركة.
إن نجاح الثلة المؤمنة بربها، وبماديء الثورة الحسينية، في إحداث التغيير، حري به أن يكون دافعاً، لبقية أبناء الشعب العراقي، لدعم الجهود الخيرة، والمساهمة الفاعلة، في بناء الدولة العصرية العادلة، وترك الخلاف، وقطع الطريق على المفسدين، وتمكين الأمة من إستغلال ثرواتها، بما يخدم مصالح جميع أبنائها.
الشعائر الحسينية، أصبحت نهجاً قد تخطى جميع الحدود الجغرافية، وولاءً تجاوز كل الإختلافات العرقية، فقد أصبحت هذه الشعائر، صرخة مدوية بوجه الظلم والظالمين، وجعلت من كربلاء كعبة للعشق، تحج إليها القلوب، وتسعى إليها النفوس، من كل حدب وصوب، فتصرخ الضمائر، وتصدح الحناجر، وهي تهتف بلسان واحد رغم إختلاف ألسنتها، لبيك يا حسين..
https://telegram.me/buratha