ولد الإمام الباقر عام 57 هجرية, وأبوه زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام, وأمه الطاهرة الصديقة التي لم توجد في نساء عصرها من هي أفصح منها, ألا وهي الطاهرة الجليلة السيدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى المسموم سلام الله عليه وعليها, وبذلك يكون الباقر سلام الله عليه أول مولود يولد من علويين وفاطميين.
عايش الإمام الباقر عليه السلام في طفولته واقعة الطف الأليمة, وله من العمر ثلاث سنوات, وكان لهذه الحادثة وما شاهده من مجازر أُرتكبت بحق أهل بيته سلام الله عليهم, وما تعرضت له العائلة الكريمة من السِبا, أثرا كبيرا في حياته سلام الله عليه.
عاصر إمامنا الباقر سلام الله عليه خمس من الحكام الظالمين من بني أمية, وهم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان ثم عمر بن عبد العزيز ثم يزيد بن عبد الملك ثم هشام بن عبد الملك, وباستثناء فترة عمر بن عبد العزيز التي اتسمت بالانفتاح الظاهري تجاه آل البيت سلام الله عليهم, فأن الحكام الآخرون كانوا شديدي البطش والتشدد تجاه الأئمة وشيعتهم.
أخبر النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله بولادة الإمام الباقر عليه السلام قبل أن يولد, حيث أخبر صلى الله عليه وآله جابرا بن عبد الله الأنصاري بأنه سيدرك رجلا من ولده, شمائله شمائل رسول الله صلى الله عليه وآله, وأنه سيبقر العلم بقرا, لقد كانت النبوءة بولادة الباقر سلام الله حقا, فالنبي العظيم لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى.
نعم بهذه النبوءة كانت سيرة الباقر عليه السلام, فكان منارة للعلم, وقبلة للعلماء, سبر من بحار العلم أغوارها, وكشف الحقائق, وأوضح البراهين, فكان بحق مؤسس الجامعة الإسلامية الأولى, وقد أخذ ونهل من علمه الموالف والمخالف, وقد كتب عنه العلماء كلمات كثيرة, يشيدون فيها بفضله وأعلميته, وكانوا لا يمرون على ذكره إلا بإكبار وإجلال, فهذا ابن حجر الهيثمي في كتابه الصواعق المحرقة يقول عن الباقر عليه السلام: “أظهر من مخبئات كنوز المعارف, وحقائق الأحكام والحكم واللطائف, ما لا يخفى إلا على منطمس البصيرة أو فاسد الطوية والسريرة, ومن ثم قيل فيه هو باقر العلم وجامعه, وشاهر علمه ورافعه”, وقال عبد الله بن عطاء وهو من العلماء الكبار المعاصرين للإمام عليه السلام “ما رأيت العلماء عند أحد قط أصغر منهم عند أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين”.
لقد ربى الإمام الباقر عليه السلام جيلا من العلماء العظام, في مجالات العلم المختلفة, في الفقه والتفسير والحديث وكانت لطلابه شأنية كبيرة, وتقديرا عالي عند أوساط العامة, ومن أبرز تلامذته سلام الله عليه (أبي محمد بن مسلم, زرارة بن أعين, أبو بصير, بريد بن معاوية العجلي, جابر بن يزيد الجعفي, حمران ابن أعين, وهشام بن سالم” وقد قال الإمام السادس جعفر بن محمد الصدق سلام الله عليه, عن هؤلاء العلماء ما يبين فضلهم, وعلو منزلتهم, حيث قال سلام الله عليه “ما أحد أحيا ذكرنا وأحاديث أبي عليه السلام, إلا زرارة وأبو بصير ليث المرادي ومحمد بن مسلم وبريد بن معاوية العجلي, ولولا هؤلاء ما كان أحد يستنبط هذا, هؤلاء حُفّاظ الدين, وأمناء أبي على حلال الله وحرامه, وهم السابقون إلينا في الدنيا, والسابقون إلينا في الآخرة”.
شهرة الإمام عليه السلام وعلميته الكبيرة, وسمو أخلاقه, جعل من الناس أن تلتف حوله, وتستمع قوله, الأمر الذي أثار حفيظة البلاط الأموي, فارسل هشام بن عبد الملك بدعوة ظاهرية للإمام عليه السلام للقدوم الى دمشق, وفي باطنها هي دعوة اجبارية.
حاول هشام بن عبد الملك التقليل من مكانة الأمام عليه السلام, فأمر بإبقائه ثلاث أيام في دمشق قبل أن يدخل عليه, ظنا منه أنه بذلك يكسر هيبة الأمام عليه السلام, لكن خاب فأله بذلك, ثم حاول إحراج الأمام عليه السلام بإلزامه رمي السهام أمام كبراء قريش, حيث حسب أن الامام عليه السلام لا يجيد ذلك, فانبرى الامام روحي فداه ورمى تسعة اسهم الواحد في كبد الآخر يشقه نصفين, فبهت هشام وقرر إعادة الامام عليه السلام الى المدينة.
كان من سيرة الإمام عليه السلام هو مناظراته مع العلماء والفرق التي نشطت في تلك الفترة كالخوارج والمرجئة, وسيرا على هذا النهج قام عند عودته الى المدينة بمناقشة اسقف المسيح في دمشق, وغلبه وأحرجه امام قومه, في حادثة مفصلة في كتب السيرة والتاريخ, وكان له المناظرة عظيم الأثر باشتعال نار الحسد والحقد في قلب هشام الحاقد أصلا, فقرر الفتك بالإمام عليه السلام, فدس إليه السم وقضى روحي فداه مظلوما كآبائه عليهم السلام في عام 114 هجرية وقد دامت امامته تسعة عشر سنة.
فسلام عليك أيها المؤمن الصابر يا أبا جعفر محمد بن علي الباقر يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيا.
https://telegram.me/buratha