محمد حسن الساعدي
كان أول وآخر مخلوق يولد في البيت ، فتهافت الناس فيما بينهم من هذه المرأة التي أنشق لها الجدار ودخلت ، أهي ملك من السماء أم أنها من البشر ، لا .. أنها فاطمة بنت أسد ، وماذا تفعل في داخل البيت الحرام ؟ّ! وكيف دخلت ؟!
كثر السؤال والصراخ ، فما كان إلا أن برز نور من داخل البيت ، فهتف الناس مبارك لك يا أبا طالب ، فكان وليداً حمل كل الصفات الإلهية ، وحمل كل هموم الرسالة السماوية ، انه ذلك البطل علي (ع) فحمله رسول الإنسانية وكفله ، وكان يزق الأكل في فمه زقا ؟!! .
كان فتىً شجاعاً ، وكان حليماً مؤثراً على نفسه ، إلى جانب أيمانه المطلق برسالة محمد (ص) ، فكان السيف الذي كسر أنوف الأصنام وجبابرة قريش ، وحطم عنجهية الجهل والتخلف ، فما كان إلا حملوا عليه حقداً وضغينةً كانت حاضرة في تاريخ أولاده المعصومين (ع) ، ومع كل هذا الحقد إلا أن علي (ع) كان حاضراً في كل منازلة تحتاج إلى الرجال ، وكان حاضراً في كل مناظرة يحتاج إلى العلم والمعرفة ، وكان المخالفين له يلجاؤن إليه في أغلب المسائل العقائدية والفقهية والقضائية ، فما كان ألا إن أبعدوه عن مكانته التي نصه الله ( عزوجل ) بها ، وأنفرد بها ولياً ووصياً للرسالة المحمدية .
علي (ع) حمل هموماً كثيرةً ، وكان يحمل جروح امة لم ترعى نبيها في عترته ، فكان يحمل هموم أداء وحماية النبوة من التشويه والانحراف ، إلى جانب سكوته عن حقه المغتصب ، فهذا علي (ع) بحمله وصبره وقف أمام رياح الفساد والكره والحقد ليكون جبلاً أشم يدفع شبهة هذا ويرد كيد هذا ، وكان سيفاً قاطعاً في الدفاع عن بيضة الإسلام والدين المحمدي الأصيل ، فما أن تسنم زمام الحكومة ، حتى كانت دولته ، دولة الله في الأرض ، فكان سمحاً سخياً ، وكان حاسماً حازماً في القضاء وعلى الموالين في الولايات ، إلى جانب رأفته في الأيتام ورعايتهم حتى لُقب (بابي الأيتام ) ، فكان صغيراً مع الصغار ، وكان كبيراً مع الكبار ، حتى يروى انه كان يحمل أيتام المدينة على ظهره وهو يداعبهم ويخفف هموم الدنيا عليهم .
أخيراً وهنا لا يمكن أن تكون هذه الكلمات تشفي صدر محب لعلي (ع) ، ولكنها ربما تكون شافعة مشفعة ليتيم من أيتامه ، فلقد كان علي مدرسة يتعلم فيها الأحرار في كل مكان وزمان ، وكان رمزاً للإنسانية والحرية في كل مكان ، كما ان في سيرة وفكر الإمام علي (عليه السلام) ما يكشف لنا عن جوانب كثيرة من المبادئ العظيمة التي اكتسبها من معاني القرآن الكريم ومن تعاليم مربيه العظيم وابن عمه النبي الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله) وهذه المبادئ تظهر لنا عناصر الحكمة من جميع جوانبها المادية والمعنوية وهي متسمة بالعاطفة والإحساس المتطلع دائما إلى الرحمة والرأفة والدفاع عن الحق والحرية والإنسان.
فكان (عليه السلام) يهتم بتنمية الشخصية الإنسانية إذ يركز على الجانب الفكري يوليه مكانة خاصة انسجاما مع النهج القرآني الذي يؤكد على التفكير والتأمل ويرفض الجهل والتقليد ، لهذا نجد ركائز الدولة الحديثة حاضرة في فكر أمير المؤمنين (ع) ، وكانت مثلاً غنياً تستقي منه العوالم اليوم ، وهكذا رحل علي في بيت الله ، فكان أمة في رجل ، وكان وهو يسير إلى رحاب الله وعرشه ، ينظر بعين الشفقة والرحمة لامةٍ لا تعرف كيف ترعى حرمة نبيها في عترته .
https://telegram.me/buratha