كثيرا ما ينظر الى الانسان من جانب النسب والأملاك المادية -عادةً- من دون النظر الى علمه أو اتقانه فان قيمة المرء فيما يتقنه وليس في ما يمتلكه من اموال او نسب او ما شابه ذلك.
ولذا فان النظر في الشأن الذي حازت عليه السيدة زينب عليها السلام لم يكن مكتسب من اصل نسبها فقط بل ان لها صفات امتازت بها بحد ذاتها بغض النظر عن نسبها و تخرجها من بيت النبوة و الامامة، ففي الروايات الشريفة التي نصت و أشعت من نصعتها بانها “عالمة غير معلمة” ويدل ذلك على ان للسيد زينب عليها السلام استقلالية في اكتساب علمها، ولذلك فان السيدة زينب عليها السلام إتصفت بالعلم و الصبر و التقوى…الخ بحد ذاتها؛ أي ليس النسب الرفيع هو العلة الرئيسية في سمو شأنها بما اتصفت به.
ولكن ما الغاية في هذا التخصيص للسيدة زينب من كرامة كونها عالمة غير معلمة هل هو تمهيد لتكليفها في سد بعض حاجات الرسالة الاسلامية؟ ام كانت تعتبر جهة داعمة متصدية لمسك طبقة من طبقات الراي العام الذي كان في دوام تعرضه للجرح و الطعن بأهل البيت عليهم السلام؟. والجواب هو نعم فان السيدة زينب عليها السلام قد تصدت لنشر كلمة الحق و الثقافة الاسلامية من خلال تتبع مسيرتها، و لا يخفى علينا ان نسبها الرفيع من اسباب عظمتها الذي هو أيضا ما اختصها به الله تعالى، فان شرفية النسب له الاثر الواضح في دعمه للمسيرة الحركية للسيدة زينب من حيث اعطائها المحيط الاكبر في الساحة الاسلامية التي استطاعت من خلاله التأثير على جزء كبير منه بتوضيح الحقائق للناس المتلبسة عليهم.
وقد يشكل البعض أن لقضية النسَب للسيدة زينب عليها السلام هي أصل عظمتها وليس هنالك شيء غيره لان اكتساب علمها يتبع كونها شربت من ماء بيت النبوة. والجواب على ذلك واضح من ما ذكر اعلاه فنحن هنا ليس بصدد انتزاع النسب من السيدة زينب عليها السلام بل لكي نفرق بين شخصيتها و نسبها، و تمييز منشأ عظمتها عليها السلام ومن الحديث اعلاه في كونها “عالمة غير معلمة ” يتبين ان لها استقلال في علمها و قد يكون هذا الاستقلال بالعلم هو من بركات نسبها و العلم عند الله.
هذا من جانب شخص السيدة زينب عليها السلام اما من جانب دورها الفعال في مواجهة السياسة الاموية اليزيدية فله القسم الاكبر من اهمية الحديث عن سيرتها، فلا يخفى على القارئ ان الاسلام اعطى للمرأة حقوقها من الحماية و ممارسة دورها في المجتمع و غيرها، ولذلك فإننا نرى في الحقب الساخنة للإسلام دور بارز و فعّال للمرأة من حيث تسلسل الشخصيات ابتداءاً من انطلاق الدعوة الاسلامية التي برزت بها شخصية السيدة خديجة عليها السلام زوجة النبي محمد صلى الله عليه وآله المذكورة في حديثه بفضلها قائلاً ( (ما قام ولا إستقام ديني إلا بشيئين: مال خديجة وسيف عليّ بن أبي طالب عليهما السلام))وقال أيضاً ( (ما نفعني مالٌ قط مثلما نفعني مال خديجة عليها السلام))، و بعد العبور من مرحلة النبوة و التبليغ بالاسلام الى مرحلة الامامة حيث برزت الشخصية الخالدة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام بضعة الرسول صلى الله عليه وآله و اتخذت دورها في تبليغ ما انزل على أبيها النبي محمد صلى الله عليه وآله و الدفاع عن بعلها الامام علي عليه السلام الذي غصبت منه الخلافة الاسلامية حقداً وبغضاً عليه و على ابن عمه النبي محمد صلى الله عليه وآله.
ويصل السلّم التأريخي في ابراز هذه الشخصيات العظيمة الى دور السيدة زينب عليها السلام في إكمال مسيرة الدفاع عن الامامة التي تسلمتها من امها الطاهرة فاطمة الزهراء عليها السلام، حيث موقفها في ملازمة اخيها و إمامها الامام الحسن عليه السلام و من ثم ملازمتها و دفاعها عن الامام الحسين عليه السلام ومن ثم ملازمتها و حمايتها للإمام زين العادين عليه السلام، و منعها من تضليل قضية نهضة الامام الحسين عليه السلام ووقفت متصدية لحماية و حفظ أطفال و سبايا الامام الحسين عليه السلام قدر المستطاع.
ولذلك استحقت هذه الشخصية الصلبة أن تلقب بجبل الصبر وأم المصائب لما لاقته من فجائع في حياتها بالخصوص مشاهدت مصرع الامام الشهيد الحسين عليه السلام ولِما وقع على عاتقها من مسؤوليات و لِما افنت به نفسها في احياء كلمة الحق ناهيك عن مضايقتها بعد شهادة الامام الحسين عليه السلام وخروجها الى مصر أو الشام على اختلاف الروايات.
فلهذه السيدة العظيمة فضلاً كبيراً على الاسلام و منع انحرافه فهي تستحق ما لقبت به ولا ينكر فضلها القريب و البعيد الا من دخل قلبه ما دخل على قلوب من غصبوا خلافة المسلمين من الامام علي بن ابي طالب عليه السلام فسلام عليها يوم ولدت و يوم وفاتها و يوم تبعث حيا.