الصفحة الإسلامية

السيد السيستاني دام ظلّه الوارف وقضيّة التطبير

17083 2016-10-16

السؤال من مجموعة (الشباب الرسالي):

كيف تتوقف المرجعية العليا عن الإجابة على سؤال شرعي فيه خلاف كبير بين الناس؟

الجواب:

يمكن الإجابة عن ذلك بعدّة أجوبة منها:

أولاً: إنّ المكلف إما يرجع في تقليده الى المرجعية العليا أو الى غيرها, فإن كان يرجع الى مرجعية أخرى فلا يؤثر عليه توقف المرجعية العليا في مسألة أو أخرى مادام هو لا يعمل وفق رأيها.

أما إذا كان يرجع في تقليده الى المرجعية العليا فهذا يعني أنه يرى أنّها تتصف بالأعلميّة والعدالة والورع والحكمة, وبالتالي لابدّ أن يطمأنّ أنّ توقفها في مسألة أو أخرى إنما هو لحكمة ما, وبالتالي فإنّ الحجّة قائمة عليه بأن يسلّم لرأيها وقولها، حتى لو لم يعلم ماهي هذه الحكمة، ولا داعي لتضطرب نفسه تجاه ذلك.

ثانياً: إنّ الفقيه يراعي مصالح متعدّدة و يجعل لها أولوية معيّنة عند بيان رأيه, ولا شكّ أنّ في عدم بيان رأيه مصلحة أهم هو يراعيها وفق حكمته وخبرته وعلمه.

وقد يكون ذلك ناشئاً من عدم جدوى بيان رأيه، لأن ذلك لن يغير من الواقع شيئاً، وإنما سيساهم فقط في تركيز الصراع وامتداده وتغذيته بين الطرفين المختلفين, وقد قال سيد الحكماء والبلغاء أمير المؤمنين عليه السلام (لا رأي لمَن لا يُطاع).

ثالثاً: إنّ الواقع الذي نعيشه ونعلمه جميعنا يُظهر لنا: أنّ هنالك نزاع بين فريقين كلٌّ منهما متشبّث برأيه ومصرّ عليه، ولن يتخلى عنه مهما كان رأي المرجعية حوله, وإنما كلّ منهما يريد أن تبيّن المرجعية رأيها ليتّخذ من قولها عصىً يضرب به صاحبه ويخاصمه به, والمرجعية حريصة أشدّ الحرص على عدم إعطاء أيّ من الفريقين هذه الفرصة.

والشاهد على ذلك ما يحشّده كلّ طرف في كلّ عام من الأدلة والأقوال والشواهد على موقفه, حتى فتّشوا الكتب عن كلّ شاردة وواردة ذكرها العلماء السابقين عن هذه المسألة, والمرجعية العليا التي تريد أن تحافظ على أتباع أهل البيت عليهم السلام من التشرذم والتفرق، وتريد أن تحافظ على أبويّتها ورعايتها لجميع المؤمنين مهما كان رأيه وموقفه، ولا تريد التخندق والتحزب مع طرف ضدّ آخر.

وموقفها هذا واضح وبيّن قد ظهر في قضايا كثيرة ومتعدّدة كما يعلم الجميع.

رابعاً: إنّ الصراع بين الطرفين حول الشعائر الحسينية مفهوماً ومصداقاً لن تنتهي عند هذه النقطة, حتى تبيّن المرجعية رأيها وتحسم الأمر، بل سيبقى سجالاً وجدالاً مستمرّاً, فلو أبدت المرجعيّة رأيها حول هذه المسألة فسيتمّ إثارة مسألة أخرى ثمّ أخرى، وستكون المرجعيّة حينها ملزمة ببيان رأيها حول كلّ ما يُثار من مسائل لا طائل لها, ممّا سيُشغل أتباع أهل البيت عليهم السلام عن إحياء مصاب سيد الشهداء عليه السلام بالنقاش والجدل في تلك المسائل، والذي سينشر الشحناء والتخاصم والتقاطع بين أتباعه عليه السلام, والمرجعيّة تربأ بنفسها عن المساهمة والمشاركة في هذا الجدل العقيم, ويتحمل مسئوليته من يُذكيه في كلّ عام وفي كلّ مناسبة طلباً للغلبة على خصمه.

خامساً: إنّ الاعتراض على موقف المرجعية حول هذه القضية هو بنفسه قد يكون كاشفاً عن تذمّر هذا الطرف أو ذاك من عدم تمكينه من فتوى يريد بها مخاصمة ومحاججة خصمه, وهو كاشف عن صحة موقف المرجعية ومتابعتها ووعيها بما يدور بين الناس حول ذلك.

سادساً: إنّ موقف المرجعية هذا يتماشى مع موقف هارون النبي عليه السلام عندما اعتزل القوم الذين عبدوا العجل من دون الله تعالى, واعتذر لأخيه موسى عليه السلام عندما عاد من الجبل، وسأله عن سبب اعتزاله عنهم فأجاب هارون عليه السلام: (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَن تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ), وقد أقرّ موسى عليه السلام والقرآن موقف هارون عندما روى الحادثة ولم يخطّئاه, هذا وقد عبد القوم عجلاً واتخذوه إلهاً, فكيف والأمر فيما نحن فيه أهون وأيسر، فلا يعتبر أيّ طرف و العياذ بالله قد كفر بالله, فخوف المرجعية وإحجامها عمّا يزيد في الفرقة بين أتباع أهل البيت عليهم السلام في هذه المسألة أولى.

سابعاً: إنّ إعراض المرجعية عن بيان رأيها في هذه المسألة إنما هو تربية وتأديب لنا بعدّة أمور منها:

• إنّ القضية لا يصحّ أن ترقى للخلاف والنزاع والخصومة, والأمر فيها هيّن فيُمكن لكلّ طرف أن يلتزم رأي المرجع الذي يرجع إليه، شأنه في ذلك شأن مئات المسائل الخلافيّة بين الفقهاء.

• إنّ الشعائر الحسينية لها من السعة في مصاديقها وتطبيقاتها مهما اختلفنا حول بعضها تأييداً أو رفضاً.

• إنّ على المؤمن أن ينأى بنفسه عن كلّ جدال عقيم مع الآخرين، مما يوقعه في جدال وخصومة, ولا ينبغي أن يُشغل نفسه بمثل هذه القضايا ممّا يصرفه عن الغرض الرئيسي وهو خدمة سيد الشهداء عليه السلام.

وهنالك نقاط أخرى في الجواب عن ذلك نعرض عنها خوف الإطالة أو الوقوع في المحذور الذي نفرّ منه.

السيد محمد حسين العميدي

مسؤول معتمدي مكتب السيد السيستاني (دام ظله)

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك