الصفحة الإسلامية

السلام عليك سيدي ياأبا الحسن

4461 15:56:14 2016-03-16

قراءة في عينة عبد الباقي العمري.
من حق أي مسلم أن يتساءل ماهو السر الذي جعل الآلاف من الشعراء لأن يطلقوا ماجادت به قرائحهم في شخصكم سيدي على مر العصور.؟ هل قبضوا هدايا السلطان كما فعل شعراء البلاط حين يتجنون على الحقيقة ويذبحونها من الوريد إلى الوريد ؟ ولم يكن هؤلاء الشعراء الذين عشفوا صفاتك العظيمة من غلاة الشيعة كما يدعي بعض الذين عميت بصائرهم وعقولهم ونفوسهم عن رؤية الحق المبين. لا شك إنه السر الإلهي الذي كمن في هذه النفوس الطيبة التي لم تلوثها دمى الظلم والإستبداد للرد على أعداء الرسالة المحمدية الذين حاولوا بمختلف السبل اللاأخلاقية النيل من شخصك الطاهر، وصفاتك الإنسانية المثلى ، وتضحياتك العظيمة في تثبيت عقيدة الإسلام المحمدي الناصعة التي تعرضت للكثير من العواصف على أيدي دعاة الزيف والضلالة والإنحراف. واسمح لي ياسيدي أن أسلط الضوء على قصيدة واحدة من هذا البحر المتلاطم الذي قاله الشعراء في حقك. 

والشعر الرسالي الولائي الملتزم لابد أن يكون صادقا وناصعا كقرص الشمس لأنه نابع من حرارة الأيمان الذي يحمله الإنسان في عقله وقلبه وضميره. وحين يكتب شاعر مجيد قصيدة في حق شخصية متفردة عظيمة كشخصية الإمام علي بن أبي طالب ع التي حوت كل القيم الإنسانية العليا بعد رسول الإنسانية محمد ص . وحين يمتزج الصدق مع القدرة البلاغية والفنية في كتابة قصيدة بحق تلك الشخصية التي مازال الأدباء والبلغاء ينهلون من طهرها ونبلها وعدالتها وعطفها الإنساني الكبير وشجاعتها في الذود عن قيم الإسلام فلا شك أن قصيدته تخترق حدود الزمن. وتترك بصمات لاتمحوها غابرات السنين ، لأنها تغور في منجم الحقيقة ، وتكتشف الرؤى الإنسانية , وتصبح بذلك زادا ثقافيا متألقا كجوهر حي للباحثين عن الحقيقة ، ولابد من استحضار شخصية ذلك الشاعر العبقري الباحث عن الحق والعدل والرؤى الإنسانية الخلاقة ولو مضت عليه وعلى قصيدته التي كتبها أعوام وأعوام لكنها تشتد تألقا على مر الزمن. وهكذا كان الشاعر الكبير عبد الباقي العمري وقصيدته العينية بحقك سيدي ياأبا الحسن.

لقد أجاد العمري في وصف شخصية الأمام علي ع تلك الشخصية العظيمة التي احتلت قلوب الأحرار والتقاة والمؤمنين عبر الزمن وعرفت بتقواها المطلق وجلالها الزاكي، وسموها العرفاني الذي بلغ الآفاق. ولا غرابة في أن يتسابق الشعراء لمدح هذه الشخصية الجليلة التي قال عنها نبي الإسلام محمد ص :(لكل نبي وصي ووارث ، وأن عليا وصيي ِ ووارثي. )

وهكذا كان الشاعر عبد الباقي العمري الموصلي ذلك الشاعر الألمعي الذي كرس جل شعره لمدح آل البيت ع وترك لنا عدة مؤلفات منها (الباقيات الصالحات )وهي قصائد في مدح آل البيت ع و (أهلة الأفكار في مغاني الابتكار) وهو ديوان شعر ومؤلفات أخرى. وكان أبنه حسن شاعرا أيضا وله قصيدة في مدح الأمام علي ع مطلعها :
نعم بلغت ياصاح نفسي سؤالها
وليس عليها كالنفوس وما لها.
ولا غرو أن تلد الموصل الحدباء ذات التأريخ الإسلامي العريق شعراء كبار يوالون آل البيت عليهم السلام كعبد الباقي العمري والخطيب الموصلي وأبو فراس الحارث بن سعيد الحمداني وعثمان الخطيب وغيرهم .

وهكذا كان الشاعر عبد الباقي العمري الذي جند قلمه وفكره لآل بيت رسول الله الأطهار ع وتوجها بسبيكة من سبائك شعره الذهبية في قصيدته العينية الخالدة العصماء بحق علي بن أبي طالب ع (أنت العلي الذي فوق العلى رفعا) ولم تزل تلك القصيدة تتجدد عبر الزمن ويرددها ويطبعها الملايين من المؤمنين وتدخل قلب كل من عرف تلك الشخصية العظيمة معرفة حقيقية تلك هي شخصية علي بن أبي طالب ع.

ولد الشاعر والمؤرخ عبد الباقي سليمان أحمد بك العمري في الموصل سنة 1204ه الموافق 1789م وتوفي في عام 1278ه الموافق 1861م ودفن في الحضرة الكيلانية في بغداد . وقد تناول شرح قصيدته وتحليلها السيد محمود الآلوسي صاحب التفسير الكبير في ( سرح الخريدة الغيبية في شرح القصيدة العينية ) وقد دفعتني رغبتي الشخصية لأن أكتب شيئا يسيرا متواضعا عنها . يقول عبد الباقي العمري في مطلع القصيده: 
أنت العلي الذي فوق العلى رفعا
ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا.
وأنت باب تعالى شأن حارسه 
بغير راحة روح القدس إذ وضعا.
وأنت ذاك البطين الممتلي حكما 
معشارها فلك الأفلاك ماوسعا .
وأنت ذاك الهزبر الأنزع البطل 
الذي بمخلبه للشرك قد نزعا. 
وأنت نقطة باء مع توحدها 
بها جميع الذي في الذكر قد جمعا.
وأنت والحق ياأقضى الأنام به 
غداعلى الحوض حقا تحشران معا.
وأنت صنو نبي غير شرعته 
للأنبياء إله العرش ماشرعا 

ففي هذه الأبيات السبعة الرائعة تتفجر قريحة الشاعر عبد الباقي العمري المتأججة ببلاغة شعرية نادرة عبر ضمير الخطاب (أنت ) في العشرين بيتا الأولى التي احتوتها القصيده بوتيرة متصاعدة تزيد من لهفة المتلقي لمعرفة المزيد من الصفات الفريدة للممدوح. فكان لهذا الضمير رنين خاص أضفى على القصيدة جمالا باهرا، ومنحها تدفقا بلاغيا متصاعدا، وكأن كل بيت ينافس الآخر في ذكر فضائل سيد المتقين علي بن أبي طالب ع ومناقبه وقد بدت تلك اللوحة الشعرية النابضة كعقد من اللآلئ والدرر المتناسقة في البريق والصفاء . .

ففي البيت الأول يعلن الشاعر أن رفعة الأمام علي بن أبي طالب ع وعلوه جاءت من تفانيه لهذا الدين وهو الذي أول من آمن به ولم يسجد لصنم قط وهو الذي أول من صلى خلف رسول الإنسانية محمد ص وجاءت تلك الرفعة أيضا من قول رسول الله ص في حقه ع في ذلك الحديث المتواتر في معظم المصادر الإسلامية (ياعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى ولكن لانبي بعدي . ). أما الشطر الثاني من البيت (ببطن مكة وسط البيت إذ وضعا ) فلها علاقة أيضا بالرفعة التي رفعه بها الله حينما ولدته أمه فاطمة بنت أسد في جوف الكعبه بعد أن انشق جدار البيت ودخلته .ففي الفصول المهمة ص30: (ولد الإمام علي ع بمكة المشرفة داخل البيت الحرام في يوم الجمعة الثالث عشر من شهر الله الأعصم رجب المفرد سنة ثلاثين من عام الفيل قبل الهجرة بثلاث وعشرين سنه . ) وحكى الحافظ الكنجي الشافعي في (الكفاية ) عن طريق بن النجار عن الحاكم النيسابوري أنه قال :
(ولد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ع بمكة في بيت الله الحرام ليلة الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من رجب سنة ثلاثين من عام الفيل ولم يولد قبله ولا بعده مولود في بيت الله الحرام إكراما له بذلك وإجلالا لمحله في التعظيم . ) 

والبيت الثاني مأخوذ من الحديث النبوي الشريف المتواتر(أنا مدينة العلم وعلي بابها ومن أراد العلم فليأت الباب ) فهو باب مدينة العلم الذي هو رسول الله ص تلك المدينة التي حرسها الله بعنايته لتكتمل الرسالة على يده ص.وتصل إلى أبعد نقطة في الأرض والتي مهرها جبريل بأمر ربه بكلمة ( إقرأ ) حيث أصبح ذلك اللوح المحفوظ كتاب السعادة البشرية وأساس طريقها نحو الرقي والعلى .

وفي البيت الثالث (وأنت ذاك البطين الممتلي حكما - معشارها فلك الأفلاك ماوسعا) كيف لا يمتلي حكما وهو الذي نشأ وترعرع في بيت النبوة ونهل من معينها الرائق منذ طفولته وتعلم من رسول الإنسانية ص وأخلاقه السماوية السامية كل مكارم الأخلاق ؟ وهو القائل ع : (لقد كنت أتبع رسول الله ص أتباع الفصيل أثر أمه . ) والفصيل هو ولد الناقة . ولقد كان رسول الله ص مثله الأعلى ونبراسه الأوحد بعد الله تعالى يحاكيه في أفعاله ويقتدي به ويطيعه في كل أفعاله وقد أجمع المؤرخون أنه لم يرد على رسول الله ص بكلمة قط ولم لم يكن ذاك البطين الممتلي حكما لما باهل به رسول الله ص نصارى نجران مع زوجه فاطمة الزهراء البتول ع وولديه الحسن والحسين ع سيدا شباب أهل الجنه واعتبره ص كنفسه من خلال الآية الكريمة:

بسم الله الرحمن الرحيم :
( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ.) 61- آل عمران. 

وفي البيت الرابع (وأنت ذاك الهزبر ) إشارة من الشاعر إلى ذلك البلاء الذي أبلاه الأمام علي ع في الدفاع عن بيضة الإسلام ودوره الرئيسي في جميع معارك الإسلام الفاصلة من بدر إلى حنين إلى الأحزاب إلى خيبر إلى الطائف إلى صفين إلى النهروان. فهو الذي كسر شوكة المشركين في تلك المعارك بقتل قادتهم وصناديدهم بسيفه (ذو الفقار) وفي معركة الأحزاب التي سميت (الخندق ) التي قتل فيها أشجع فرسان كفار قريش عمرو بن عبد ود العامري.و قال الرسول ص في حقه أثناء ذهابه إلى المبارزة: (لقد برز الأيمان كله ألى الشرك كله ) و(أن ضربة علي يوم الخندق تعدل عمل الثقلين إلى يوم القيامة. ) 
لقد كان علي بن أبي طالب ع أسد الله والإسلام الغالب في كل المعارك وهو القائل يوم قتل مرحب قائد اليهود :
أنا الذي سمتني أمي حيدره 
كليث غابات شديد قسوره
أكيلكم بالسيف كيل السندره 
أضرب بالسيف رقاب الكفره.
لكنه كان إنسانيا في معاركه وشجاعته حيث يقول (جورج جرداق) في كتابه (علي صوت العدالة الإنسانية) ص 48 :
(هل سألت التأريخ عن محارب شجاع فائق الشجاعة يبلغ به حبه لصفة الإنسان في مقاتليه , ويبلغ عطفه عليهم أن يوصي أصحابه وهو المصلح الصالح الكريم المغدور به فيقول ع (لاتقاتلوهم حتى يبدأوكم فإذا كانت الهزيمة بأذن الله فلا تقتلوا مدبرا ، ولا تصيبوا معورا ، ولا تجهزوا على جريح، ولا تهيجوا النساء بأذى . ) للبحث صلة.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك