انتقد عدد من المثقفين البارزين في إسبانيا، أمثال خوان غويتيسولو ورودريغو دي زاياس، التصور التاريخي الذي تقدمه بلادهم بتجاهل فترة طويلة تقاطع فيها هذا التاريخ مع الإسلام، وكذا المسلمين إبان حكمهم لشبه الجزيرة الأيبيرية.
واعتبر غويتيسولو، في تصريح صحفي، أن نفي اليهود، ومن بعدهم المسلمين ،من إسبانيا يعد أول مثال لعمليات التطهير العرقي التي شهدها أكثر قرن دموي مر على القارّة الأوروبيّة.
من جانبه، أشار المؤرخ زاياس، المعروف بدراساته التي أعدها، مدعومة بالوثائق التاريخية، حول الظلم الذي تعرض له المسلمون خلال نفيهم من إسبانيا، إلى وجود رقابة خفية على تلك الحقبة السوداء من تاريخ البلاد.
ولفت المتحدّث الانتباه تجاه عدم معرفة التفاصيل الكاملة المتعلقة بمعاناة ومقتل عدد كبير من الشيوخ والأطفال، والنساء الحوامل، خلال عمليات النفي الجماعية، وذلك الجهل ما يزال مستمرا حتى اليوم، بتعبيره.
وبهدف تصحيح خطأ تاريخي، أعطت إسبانيا حق نيل جنسيتها ليهود “السفارديم”، الذين طُردوا بقرار من محاكم التفتيش عام 1492، وبعكس ذلك لم تتخذ أي خطوة حيال إعادة حقوق المسلمين الموريسكيين، الذين نفوا من البلاد بنفس الفترة، حيث يظهر ذلك الطبيعة الإشكالية للتصور التاريخي المذكور.
كما أشاد ممثلو المجتمع المدني المسلم في إسبانيا، في تصريحات صحفية، بجهود إسبانيا لمواجهة ماضيها، من خلال إعادة حقوق اليهود الذين تعرضوا لضغوط كبيرة خلال تلك الفترة التاريخية، إلا أنهم ذكروا أن هذه الجهود شابها نسيان المسلمين الذين أسسوا أحد أهم الأمثلة للحضارة الإسلامية، في ذلك العصر.
ووصفت رئيسة المجلس الإسلامي في إسبانيا، ماريا إيزابيل رومير، الاعتراف بالحقوق التاريخية لليهود بأنه قرار إيجابي، لكنها أعربت عن استغرابها من تجاهل نفس الحقوق للمسلمين.
وقالت رومير: ” إننا في المجلس الإسلامي نولي أهمية كبيرة لهذه المسالة، لكونها متعلقة بفترة هامة للغاية من تاريخ إسبانيا المسلم، والتقينا قبل عامين مع وزير العدل السابق، وقدمنا له ملف متعلق بحقوق الموريسكيين الذين طردوا من إسبانيا، بنفس الشكل الذي عاناه اليهود خلال الفترة نفسها”.
وأوضحت رومير أن السلطات الإسبانية عملت على إظهار عدة أعذار من أجل تجنب منح حق المواطنة للموريسكوس، ومنها أنهم لا يعرفون اللغة الإسبانية، وأنهم اندمجوا بالمجتمعات التي عاشوا ضمنها في شمال أفريقيا، وفقدوا هويتهم الأصلية، مضيفةً:” نعتقد أن هذه الاستنتاجات ليست واقعية، فمن الواضح أن إسبانيا تخشى من الاعتراف بأن المسلمين يعدون عنصراً ساهم في تشكيل هويتها، وبنفس الشكل ترى أن الإسلام يعتبر دينا أجنبيا، رغم أننا نقول أنه ليس كذلك بل يعد جزءا من هوية إسبانيا، فالذرائع التي وضعوها، قائمة على أساس طائفي”.
بدوره، ذكر الخبير في تاريخ العلاقات الإسبانية الإسلامية يعرب السامرائي، وهو من أصل عراقي، أن المسلمين سكنوا لعصور طويلة في ذلك الجزء من أوروبا، وحكموا بكل عدل دون أي تمييز بين الأعراق والديانات الأخرى، وبعد انتهاء الحكم أُجبر المسلمون واليهود على الرحيل إلى بلدان إسلامية.
واعتبر السامرائي أن اعتراف السلطات الإسبانية بحق المواطنة لليهود مرتبط بجهود اللوبي اليهودي القوي في إسبانيا، والساحة الدولية، لافتاً إلى أن المظهر الآخر لسياسة المعايير المزدوجة التي تطبقها السلطات الإسبانية تتلخص في اللامبالاة تجاه الإرث الإسلامي في البلاد، وقال: “الآثار التاريخية والثقافية العائدة لعصر الأندلس لا تلقى الاهتمام المستحق، ومقابل ذلك يتم العناية بالآثار العائدة لليهود”.
من جهته، أكد رئيس اتحاد الجاليات الإسلامية في إسبانيا، رياض تتاري، ضرورة منح المسلمين ذات الحقوق المعترف بها ليهود “السفارديم”، مضيفاً: “وضعهم ذاته، فأولئك إسبانيون حقيقيون، إذ أن هناك العديد من العائلات بألقاب إسبانية في المغرب وتونس وسوريا، رغم أني لا اعتقد أن المسلمين سيعودون إلى إسبانيا، لأنهم اندمجوا بالمجتمعات المسلمة التي ذهبوا إليها، ورغم ذلك يجب على الحكومة أن تعرض المواطنة للمسلمين الذين نفوا خارج حدودها في القرن السادس عشر”.
(وكالة أنباء الأناضول)
https://telegram.me/buratha