* جميل ظاهري
ولد سيدنا العباس بن علي بن ابي طالب أمير المؤمنين (عليهما السلام) يوم الرابع من شهر شعبان المعظم سنة 26 للهجرة بالمدينة المنورة، وهو أوّل مولود زكيّ للسيّدة أمّ البنين سلام الله عليها، حيث ازدهرت يثرب وأشرقت الدنيا بولادته وسرت موجات من الفرح والسرور بين أفراد الاَسرة العلوية، فقد ولد قمرهم المشرق الذي أضاء سماء الدنيا بفضائله ومآثره.
وبعد ولادته (ع) جاءت زينب (س) تحمله بخرقة بيضاء إلى والدها الامير علي بن ابي طالب أدى مراسم الولادة وسماه "عباس" من العبوس وهو أسم للأسد الشجاع وكناه "أبو الفضل" لشهامته وتفضله ولقبه "قمر بني هاشم" لجماله وهيبته ولقبه ايضا "السقاء" .
وهنا سألت زينب (س) أباها : هل يعمل سقاء ؟؟!!
قال أبوها الامام علي (ع): لا كما تظنين أن يعمل ساقي وأنما يسقي أهل بيته وعشيرته .
هنا وقفت سيدتنا زينب (س) على المفهوم الكامل لأسباب تسميته وتلقيبه بهذا الأسم المبارك.. نعم مولود مذخور ليوم لا مثيل له.. يوم يحمل فيه لواء سيد الشهداء أي شرف؟! أي شجاعة؟! وكيف لا ؟! .
فكان العباس (ع) رمز البطولة والتضحية والفداء والوفاء وقدوة النصر والاقدام والنجدة والولاء والعزة والكرامة والإباء ومعجزة أمير المؤمنين الامام علي (ع) لنصرة واثبات الحق الحسيني الالهي، ومجمعاً للفضائل، وملاذاً للخصال الحسنة الشمائل وكان ذا قوة روحية هائلة، وطبيعة بنائه الجسدي تخدم قوته المعنوية والروحية.. فامتزجت فيه قوة الروح وقوة الجسد، وأضيفت إليهما النخوة الهاشمية، والشجاعة الحيدرية، والقوة الالهية، والايمان الحسيني، والأخوة الصادقة، والطاعة والولاء، والعزة والكرامة، والحرية والرفعة .
يروى أنّه في بعض أيّام صفّين خرج من جيش أمير المؤمنين (عليه السلام) شاب على وجهه نقاب، تعلوه الهيبة، وتظهر عليه الشجاعة، يقدّر عمره بالسبع عشر سنة، يطلب المبارزة، فهابه الناس، وندب معاوية إليه أبا الشعثاء، فقال: إنّ أهل الشام يعدونني بألف فارس، ولكن أرسل إليه أحد أولادي، وكانوا سبعة، وكُلّما خرج أحد منهم قتله حتّى أتى عليهم، فساء ذلك أبا الشعثاء وأغضبه، ولمّا برز إليه ألحقه بهم، فهابه الجمع ولم يجرأ أحد على مبارزته، وتعجّب أصحاب أمير المؤمنين (ع) من هذه البسالة التي لاتعدو الهاشميين، ولم يعرفوه لمكان نقابه، ولما رجع إلى مقرّه دعا أبوه أمير المؤمنين (ع) وأزال النقاب عنه، فإذا هو " قمر بني هاشم " ولده العبّاس (ع) .
"الوفاء"هي الثبات على البيعة وإمضاء العهد والوعد وإخلاص الطاعة للنبيّ والإمام المفروضة طاعته من الله تعالى نصّاً، من أبرز صفات العبّاس بن أمير المؤمنين (ع) وهذا الخلق من أظهر أخلاقه الفاضلة وأشهر سجاياه الكريمة فقد كان (س) وفيّاً كريماً والوفاء شيمة موروثة له من أسلافه الكرام وسجيّة طبع عليها وهو غلام، والوفاء من أكرم خصال العرب ومن الصفات المحمودة التي حرّض الشارع المقدّس عليها وأكّد الألتزام بها ونهى عن ترك التخلّق بها.
وقد جسد سيدنا العباس بن أمير المؤمنين (ع) صفة الوفاء بكل ما للكلمة من معنانٍ وأوصاف طيلة حياته القصيرة (34 عاماً) بطاعته وولائه الكاملين لامام زمانه وفي سلوكه مع أخيه الامام الحسين (عليه السلام) حقيقة الاَخوّة الاسلامية الصادقة، وأبرز جميع قيمها ومثلها، فلم يبق لون من ألوان الاَدب، والبرّ والاِحسان إلاّ قدّمه له، وكان من أروع ما قام به في ميادين المواساة له، انه حينما استولى على الماء يوم الطفّ تناول منه غرفة ليشرب ، وكان قلبه الزاكي كصالية الغضا من شدّة الظمأ ، فتذكّر في تلك اللحظات الرهيبة عطش أخيه الاِمام الحسين وعطش الصبية من أهل البيت عليهم السلام ، فدفعه شرف النفس ، وسموّ الذات الى رمي الماء من يده، ومواساتهم في هذه المحنة الحازبة ، تصفّحوا في تاريخ الاَمم والشعوب فهل تجدون مثل هذه الاَخوّة الصادقة؟!! انظروا في سجلاّت نبلاء الدنيا فهل ترون مثل هذا النبل ، ومثل هذا الاِيثار؟!
وأبدى سيدنا العباس(س) يوم الطف من الصمود الهائل، والارادة الصلبة ما يفوق الوصف، فكان برباطة جأشه، وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر فقد أرعب عسكر ابن زياد، وهزمهم نفسيّاً، كما هزمهم في ميادين الحرب. فاحتلّ أبو الفضل (ع) قلوب العظماء ومشاعرهم، وصار أنشودة الاَحرار في كلّ زمان ومكان، وذلك لما قام به من عظيم التضحية تجاه أخيه سيّد الشهداء، الذي ثار في وجه الظلم والطغيان، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً خالداً.
https://telegram.me/buratha