..في اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة زُفت البشرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بميلاد الحسين عليه السلام، فاسرع إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء هاتي إبني"، فاستبشر (ص) وضمه إليه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجره وبکى، فقالت أسماء: "فداك أبي وأمي ممَ بکاؤك؟". فقال (ص): "من إبني هذا". قالت: "إنه ولد الساعة". فقال (ص): "يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي". ثم تلقى الرسول الاکرم (ص) أمر الله تعالي بتسمية وليده المبارك فالتفت إلى علي (ع) قائلا : "سمّه حسينا"..
الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام، أمه فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين بنت خير الرسل وحبيب الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، انه الشهيد بکربلاء، ثالث أئمة أهل البيت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسيّد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، وأحد اثنين نسلت منهما ذرية الرسول (ص) وأحد الأربعة الذين باهل بهم رسول الله (ص) نصارى نجران، ومن أصحاب الکساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ومن القربى الذين أمر الله بمودتهم وأحد الثقلين اللذين من تمسك بهما نجا ومن تخلف عنهما ضل وغوى.
وفي اليوم الثالث من شهر شعبان المبارك في السنة الرابعة من الهجرة زُفت البشرى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، بميلاد الحسين عليه السلام، فاسرع إلى دار علي وفاطمة عليهما السلام، فقال لأسماء بنت عميس: "يا أسماء هاتي إبني"، فاستبشر (ص) وضمه إليه وأذّن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى ثم وضعه في حجره وبکى، فقالت أسماء: "فداك أبي وأمي ممَ بکاؤك؟". فقال (ص): "من إبني هذا". قالت: "إنه ولد الساعة". فقال (ص): "يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي، لا أنالهم الله شفاعتي". ثم تلقى الرسول الاکرم (ص) أمر الله تعالي بتسمية وليده المبارك فالتفت إلى علي (ع) قائلا : "سمّه حسينا".
نشأ الحسين مع أخيه الحسن عليهما السلام في أحضان طاهرة وحجور طيبة ومبارکة اُماً وأباً وجدّا فتغذى من صافي معين جدّه المصطفى (ص) وعظيم خلقه ووابل عطفه وحظى بوافر حنانه ورعايته حتى أنه ورّثه أدبه وهديه وسؤدده وشجاعته، مما أهله للإمامة الکبرى التي کانت تنتظره بعد امامة أبيه المرتضى وأخيه المجتبى عليهما السلام. وقد صرح بامامته للمسلمين في أکثر من موقف بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "الحسن والحسين إماما قاما أو قعدا" وقال (ص): "اللهم إني أحبهما فاحب من يحبهما"، وقال (ص): "أحب الله من أحب حسينا" ، وقال (ص): "حسين سبط من الاسباط".
لقد إلتقى في هذا الامام العظيم رافدا النبوة والامامة، وإجتمع فيه شرف الحسب والنسب ووجد المسلمون فيه ما وجدوه في جده وأبيه وأمه وأخيه من طهر وصفاء ونيل وعطاء فکانت شخصيته تذکَر الناس بهم جميعا، فاحبوه وعظموه وکان إلى جانب ذلك کله مرجعهم الاوحد بعد أبيه وأخيه فيما کان يعترضهم من مشاکل الحياة وأمورالدين، لاسيما بعد أن دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالمصاعب نتيجة سيطرة الحکم الأموي الجاهلي المتعصب حتى جعلتهم في مأزق جديد لم يجدوا له نظيراً من قبل، فکان الحسين عليه السلام هو الشخصية الإسلامية الرسالية الوحيدة التي إستطاعت أن تخلص أمّة محمد (ص) خاصة والإنسانية عامة من براثن هذه الجاهلية الحاقدة الجديدة وأدرانها ، وذلك بعد أن هيأ الإمام الحسن المجتبى عليه السلام - بتوقيعه على وثيقة الصلح - الأرضية اللازمة للثورة على الحکم الأموي الجاهلي الذي ظهر بمظهر الإسلام الجديد.
فعن سلمان الفارسي قال: سمعت رسول الله (ص) وهو يقول: "الحسن والحسين أبنايَ من أحبهما أحبني ومن أحبني أحبه الله ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه" - اعلام الورى-.
وقد أخذ يوماً عبد الله بن عباس برکاب الحسن والحسين عليهما السلام فعوتب في ذلك وقيل له : "أنت أسنّ منهما!" فقال: "إن هذين إبنا رسول الله (ص)، أفليس من سعادتي أن آخذ برکابهما؟" - تاريخ إبن عساکر.
نعم لقد ولد الإمام الحسين بن علي عليهما السلام في بيت محطّ الملائکة ومهبط التنزيل في بقعة طاهرة تتصل بالسماء طوال يومها بلا إنقطاع، وتتناغم مع أنفاسه آيات القرآن الکريم التي تتلى آناء الليل والنهار، وترعرع بين شخصيات مقدسة وانتهل من شخصية نبي الرحمة صلى الله عليه وآله بفيض مکارم أخلاقه وعظمة روحه.
فکان الحسين عليه السلام صورة لمحمد صلى الله عليه وآله في أمته يتحرك فيه على هدى القرآن المجيد ويتحدث بفکر الرسالة المحمدية ويسير على خطى جدّه العظيم ليبين مکارم الأخلاق ويرعى للأمة شؤونها، ولايغفل عن هدايتها ونصحها ونصرتها جاعلا من نفسه المقدسة أنموذجاً حياً لما أرادته الرسالة فکان عليه السلام نور هدى للضالين.. وسلسبيلا عذبا للراغبين.. وعماداً يستند إليه المؤمنون.. وحجة يرکن إليها الصالحون.. وفيصل حق إذا تخاصم المسلمون.. وسيف عدل يغضب لله ويثور من أجل الله. وحين نهض کان بيده مشعل الرسالة الذي حمله جده النبي صلى الله عليه وآله يدافع عن دينه ورسالته العظيمة.
كرمه (ع)
اشتهر الحسين (ع) بالجود والكرم بين الناس، فكان يقصده القاصدون لنيل عطاياه، وكان من تمام كرم أهل البيت (ع) أنّهم لا يمنّون على مَن يعطون، ومن قصص كرمه أنّ أعرابياً دخل المدينة فسأل عن أكرم الناس بها، فدُلَّ على الحسين(ع)، فدخل المسجد فوجده مصلّياً، فوقف بازائه وأنشأ:
لم يخب الآن من رجاك ومن حرّك من دون بابك الحلقة
أنت جـواد وأنـت معـتمــــــد أبوك قـد كان قاتل الفسـقة
لـولا الـذي كان من أوائلكـم كانت علينا الجحيم منطبقة
قال: فسلّم الحسين (ع) وقال: يا قنبر هل بقي من مال الحجاز شيء ؟ قال: نعم أربعة آلاف دينار. فقال : هاتها قد جاء من هو أحقّ بها منّا، ثم نزع بُرديه ولفّ الدنانير فيها وأخرج يده من شقّ الباب حياءً من الأعرابي وأنشأ:
خـذها فإنّـي إليك معتــــــــذر واعلم بأنّي عليك ذو شفقة
لو كان في سيرنا الغداة عصا أمست سمانا عليك مندفقة
لكـنّ ريب الزمــان ذو غيــرٍ والكفّ منّـي قليلـة النفقـة
قال: فأخذها الأعرابي وبكى، فقال له: لعلّك استقللت ما أعطيناك؟
قال: لا ولكن كيف يأكل التراب جودك.
حكمه (ع)
قال (ع): "من دلائل علامات القبول الجلوس إلى أهل العقول، ومن علامات أسباب الجهل المماراة لغير أهل الكفر، ومن دلائل العالم انتقاده لحديثه وعلمه بحقائق فنون النظر".
وقال (ع): "إنّ المؤمن اتّخذ الله عصمته وقوله مرآته، فمرّة ينظر في نعت المؤمنين، وتارة ينظر في وصف المتجبّرين، فهو منه في لطائف، ومن نفسه في تعارف، ومن فطنته في يقين، ومن قـُدسه على تمكين".
وقال (ع): "إيّاك وما تعتذر منه، فإنّ المؤمن لا يسيء ولا يعتذر، والمنافق كلّ يوم يسيء ويعتذر".
وقال (ع): "إنّ الحلم زينة، والوفاء مروّة، والصلة نعمة، والاستكبار صلف، والعجلة سفه، والسفه ضعف، والغلو ورطة، ومجالسة أهل الدناءة شرّ، ومجالسة أهل الفسق ريبة".
وقال (ع): "إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وإنّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة".
وقال (ع): "الاستدراج من الله سبحانه لعبده أن يسبغ عليه النعم ويسلبه الشكر".
وقال (ع): "دراسة العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل، والشرف التقوى، والقنوع راحة الأبدان، ومن أحبّك نهاك، و مَن أبغضك أغراك".
وقال (ع): "من أحجم عن الرأي وعييت به الحيل كان الرفق مفتاحه".
وقال (ع): "مالك إن لم يكن لك كنت له، فلا تبق عليه فإنّه لا يبقى عليك، وكله قبل أن يأكلك".
معجزاته (ع)
عن يحيى بن اُم الطويل قال: كنّا عند الحسين (ع) إذ دخل عليه شاب يبكي، فقال له الحسين (ع) : ما يبكيك؟ قال : إنّ والدتي توفيت في هذه الساعة ولم توص ِ ولها مال وكانت قد أمرتني أن لا اُحدث في أمرها شيئاً حتى اُعلمك خبرها. فقال الحسين (ع) : قوموا حتى نصير إلى هذه الحرّة. فقمنا معه حتى انتهينا إلى باب البيت الذي توفّيت فيه المرأة مسجّاة.
فاشرف على البيت ودعا الله ليحييها حتى توصي بما تحبّ من وصيّتها، فأحياها الله وإذا المرأة جلست وهي تتشهد، ثم نظرت إلى الحسين (ع) فقالت : ادخل البيت يامولاي ومرني بأمرك، فدخل وجلس على مخدّة ثم قال لها : وصّي يرحمك الله. فقالت : يابن رسول الله لي من المال كذا وكذا في مكان كذا وكذا فقد جعلت ثلثه إليك لتضعه حيث شئت من أوليائك، والثلثان لابني هذا إن علمت أنّه من مواليك وأوليائك، وإن كان مخالفاً فخذه إليك فلا حقّ للمخالفين في أموال المؤمنين، ثمّ سألته أن يصلّي عليها وأن يتولّى أمرها، ثمّ صارت المرأة ميتة كما كانت.
وعن الصادق (ع) عن آبائه (ع) قال: "إذا أراد الحسين (ع) أن ينفذ غلمانه في بعض اُموره قال لهم: لا تخرجوا يوم كذا، اخرجوا يوم كذا، فإنّكُم إن خالفتموني قُطع عليكم، فخالفوه مرّة وخرجوا فقتلهم اللصوص وأخذوا ما معهم، واتّصل الخبر إلى الحسين (ع) فقال: لقد حذّرتهم، فلم يقبلوا منّي.
ثم قام من ساعته ودخل على الوالي، فقال الوالي: بلغني قتل غلمانك فآجرك الله فيهم. فقال الحسين (ع): فإنّي أدلّك على من قتلهم فاشدد يدك بهم، قال: أوتعرفهم يابن رسول الله؟ قال: نعم كما أعرفك، و هذا منهم. فأشار بيده إلى رجل واقف بين يدي الوالي. فقال الرجل: ومن أين قصدتني بهذا ؟ ومن أين تعرف انّي منهم ؟ فقال له الحسين (ع): إن أنا صدّقتك تصدّقني؟ قال: نعم، والله لاصدّقنّك. فقال: خرجت ومعك فلان وفلان وذكرهم كلّهم، فمنهم أربعة من موالي المدينة والباقي من جيشان المدينة. فقال الوالي: وربّ القبر والمنبر لتصدّقني أو لأهرقنّ لحمك بالسياط. فقال الرجل: والله ما كذب الحسين وقد صدق، و كأنّه كان معنا. فجمعهم الوالي جميعاً، فأقرّوا جميعاً فضرب أعناقهم.
شجاعته (ع)
عُرف الحسين (ع) بالشجاعة وقوّة الجنان منذ صغره، شهد له بذلك أعداؤه قبل مُحبّيه، فمن شجاعته (ع) أنّه كان بين الحسين (ع) وبين الوليد بن عقبة منازعة في ضيعة، فتناول الحسين (ع) عمامة الوليد عن رأسه وشدّها في عنقه، وهو يومئذٍ وال على المدينة. فقال مروان: بالله ما رأيت كاليوم جرأة رجل على أميره! فقال الوليد: والله ما قلت هذا غضباً لي ولكنّك حسدتني على حلمي عنه، وإنّما كانت الضيعة له. فقال الحسين (ع) : الضيعة لك يا وليد، وقام.
وروى محمد بن السائب قال: قال مروان بن الحكم يوماً للحسين (ع): لولا فخركم بفاطمة بم كنتم تفخرون علينا؟ فوثب الحسين (ع) وكان شديد القبضة وقبض على حلقه وعصره ولوى عمامته على عنقه حتى غشي عليه، ثم تركه وأقبل الحسين (ع) على جماعة قريش وقال: اُنشدكم بالله إلاّ صدّقتموني إن صدقت، أتعلمون أنّ في الأرض حبيبين كانا أحبّ إلى رسول الله (ص) منّي ومن أخي، أو على ظهر الأرض ابن بنت نبيّ غيري وغير أخي الحسن؟ قالوا: لا.
فسلام عليه وعلى الائمة الهداة الميامين من آبائه وأبنائه، سلاما دائما مع الخالدين.
13/5/140531
.................
https://telegram.me/buratha