* جميل ظاهري
شددت النصوص النبويّة تبعاً للقرآن الكريم على خلود الرسالة الاسلامية وظهورها على ما سواها من الرسالات، وأن هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي اثنا عشر خليفة "بعدد نقباء بني اسرائيل" كلّهم من قريش، كما ورد ذلك عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) ونقله عبد الله بن مسعود " بأنّ: الأئمة من بعدي اثنا عشر كلّهم من قريش" حسبما تنص عليه أحاديث الخلافة والامارة والامامة نقلتها جميع كتب الصحاح والمسانيد والكتب المتخصّصة بموضوع الامامة للعامة قبل الخاصة.وجاء عن أبي سعيد الخدريّ أنه قال: صلّى بنا رسول الله(صلى الله عليه وآله) الصلاة الاُولى ثمّ أقبل بوجهه الكريم علينا فقال: معاشر أصحابي إنّ مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح وباب حطّة في بني اسرائيل فتمسّكوا بأهل بيتي بعدي والأئمة الراشدين من ذرّيتي فإنّكم لن تضلّوا أبداً، فقيل: يا رسول الله كم الأئمة بعدك؟ قال: اثنا عشر من أهل بيتي(منتخب الأثر).وقد تكالبت على الاستئثار بموضوع خلود الرسالة الاسلامية هذا نفوس قوم لم يُرشَّحوا لهذا الموقع لا في كتاب الله عزوجل ولا في سنّة رسوله (ص) ولم يتمسّكوا للاستئثار به إلاّ بذريعة هي أوهن من بيت العنكبوت مفادها: أنهم لو لم يبادروا لمسك زمام الاُمور لافترقت الاُمة ولتناحرت على ذلك، فكانت المبادرة منهم دليلاً وشفيعاً لهم ليسبغوا رداء المشروعية على استئثارهم بالحكم ومسك زمام الامور بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله). والخط الذي استأثر بالحكم دون رضا الله سبحانه وتعالى ولا كما أوصى به الرسول الأكرم (ص) ، قد خطط لنفسه الأخذ بزمام السلطة والحكم محتجّاً بأنّ النبوّة والخلافة لا تجتمعان، فاذا كانت النبوّة في بني هاشم فلا ينبغي أن تكون الإمامة فيهم، بينما أكّدت نصوص النبي(صلى الله عليه وآله) على انّ الإمامة في أهل بيته وأنهم "سفينة نوح وباب حطّة وهم أمان لاُمته من الغرق والضلال". ونجحت محاولات ذوي النفوس الضعاف بالعزل السياسي لأهل البيت(عليهم السلام) عن الموقع المقرّر لهم ثم حاولت السلطة الغير شرعية حظر كتابة الحديث وتدوينه لئلاّ تتداول أحاديث الرسول(صلى الله عليه وآله) فيما يرتبط بأهل البيت(عليهم السلام) وموقعهم الريادي بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وأعقب ذلك محاولات سلب المرجعية الدينية والفكرية عنهم (عليهم السلام) . لكن ريادة أهل البيت(عليهم السلام) وأهليتهم وخصائصهم ومواجهتهم المبدئية للمستأثرين بالسلطة من الظلمة والدكتاتوريين قد انتهت بعد تجربة طويلة الى عودة هيمنتهم الفكرية والدينية الى الساحة الاسلامية رغم كل محاولات العزل السياسي واسقاط مرجعيتهم الدينية التي قرّرها لهم رسول الله(صلى الله عليه وآله) بنص من كتاب الله.وقد أفصح الامام الحسن العسكري(عليه السلام) عن سرّ هذا الأمر ضمن حديث جاء فيه:قد وضع بنو اُمية وبنو العباس سيوفهم علينا لعلّتين: إحداهما: أنّهم كانوا يعلمون (انّ) ليس لهم في الخلافة حق فيخافون من ادّعائنا إيّاها وتستقرّ في مركزها. وثانيهما: انّهم قد وقفوا من الأخبار المتواترة على أن زوال ملك الجبابرة الظلمة على يد القائم منّا، وكانوا لا يشكّون أنهم من الجبابرة والظلمة ، فسعوا في قتل أهل بيت سول الله(صلى الله عليه وآله) وإبادة نسله طمعاً منهم في الوصول الى منع تولد القائم(عليه السلام) أو قتله، فأبى الله أن يكشف أمره لواحد منهم إلاّ أن يتم نوره ولو كره المشركون(منتخب الأثر: 359 ط ثانية عن أربعين الخاتون آبادي- كشف الحق).إن ما صرح به الإمام الحسن العسكري(عليه السلام) يميط اللثام عن سر هذه الظواهر التي تبدو غريبة للباحث فهو يفسر السبب في تسرع الحكام للقضاء على الائمة(عليهم السلام) بعد الامام الرضا(عليه السلام). كما يبين السر في اتباع الحكام لسياسة تشديد الرقابة على كل تصرفات أهل البيت(عليهم السلام) واحصاء أنفاسهم عليهم وزرع العيون ـ من النساء والرجال ـ داخل بيوتهم.ولهذا لم يُمهَل الامام الحسن العسكري(عليه السلام) سوى ست سنين فقط وهو أقصر عمر للامامة في تاريخ أهل البيت(عليهم السلام) ; ولكن رغم كل ذلك وضع بصماته المباركة على مسيرة الاسلام المحمدي الأصيل عبر تربية العلماء والمفكرين على شهد ورحيق مدرسة أهل البيت (ع) كما أرادها خاتم الرسل وسيدهم النبي محمد (ص) دون واسطة ينتهلون العلم من ينبوعه الرئيسي حيث وردت المدرسة الاسلامية الكثير والكثير من علومه ونهجه القيم الذي سيبقى منيراً حتى قيام الساعة وما الانتظار الذي يعيشه العالم برمته اليوم إلا نهج من مناهجه الوضاءة في طريق الحرية والانعتاق من عبودية غير الخالق القهار الى عبودية الباري المتعال.
https://telegram.me/buratha