* جميل ظاهري
وسط أجواء ملبدة بغيوم الجهل والشرك والوثنية وسطوة القوي على الضعيف وتحكم الغني بالفقير، وفي فترات التأريخ الغابرة وأوراقه السوداء الملطخة بالعمى القبلي والانصياع الجاهلي للخرافة والسحر ، كانت أرض مكة المكرمة في شبه الجزيرة العربية على موعد فريد من نوعه لم يشهد تأريخ البشرية لا من قبل ولا من بعد مثله حيث ميلاد رحمة للعالمين وخاتم الرسل والانبياء عليهم السلام الرسول المسدد المصطفى الأحمد أبي القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وأله وسلم.كان العالم برمته وفي السابع عشر من ربيع الأول من عام الفيل سنة 571 للميلاد على موعد ولادة تنتشل الامة من وهدتها وتطيح بالظلم والطغيان والاستبداد والجاهلية والخرافة والوثنية وتضع الأمور في نصابها و تعيد الكرامة الانسانية وترتفع بالبشرية من حياة الذل والضياع نحو حياة المجد والخلود و العلم والفضيلة والحضارة والثقافة والرأفة والرحمة والمودة والأخاء والتوحيد والعبودية لله سبحانه وتعالى وحده لا شريك له كما جاءت بها وأقرتها جميع الأديان . فجاءت البشرى الموعودة على لسان سيدتنا آمنة بنت وهب أم محمد الامين (ص) والتي تحدثت انها أتيت في منامها لما حملت برسول الله (ص) فقيل لها: انك حملت بسيد هذه الأمة، فإذا وقع بالأرض قولي: أعيذه بالواحد من شر كل حاسد، ثم سميه محمدا؛ ورأت حين حملت به أنه خرج منها نور رأت به قصور بصرى من أرض الشام، فلما وضعته أرسلت الى جده عبد المطلب انه قد ولد لك غلام فأته فانظر إليه، فنظر إليه وحدثته بما رأت حين حملت به وما قيل لها فيه وما أمرت أن تسميه . وقال عثمان بن أبي العاص : حدثتني أمي انها شهدت ولادة آمنة ابنة وهب لرسول الله ( ص ) فما شئ أنظر إليه من البيت إلا نور ، وإني لأنظر النجوم لتدنو حتى اني لأقول لتقعن علي.وجاء في "تاريخ الطبري" و"دلائل النبوة" للبيهقي ول"أبي نعيم" و"المنتظم" لابن الجوزي ما موجزه : في ليلة ميلاد الرسول (ص) ارتجف إيوان كسرى وسقطت منه أربع عشرة شرفة ، وغاضت بحيرة ساوة ، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام ، ورأى الموبذان في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادهم .. حتى بشرت البشرية بميلاد سيدها وسبب نشأتها ورحمة الله للعالمين محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم لتنتبه مكة على ايقاع صوت الحق ينطلق وأفاقت على أنغام الترحيب بالوليد اليتيم الذي لم يخطر على بال أي أحد بأنه سيكون المنقذ للأمة ومؤسساً لحضارتها ومعلماً لبشريتها رغم أميته وقائداً لركب الايمان والتوحيد.فكان له الفضل الكبير في جميع الميادين العقائدية والفكرية والاقتصادية والسياسية والعسكرية والاجتماعية ليبني للبشرية مجتمعاً جديداً قائماً على التوحيد والمحبة والعلم والبناء والتجارة والسياسة والحكومة ليضحى المسلمون مناراً وضاءاً ومدرسة تعليمية راسخة لسائر الأمم والمجتمعات البشرية الاخرى منذ ذيك اليوم وحتى يومنا هذا .فقد شيد الرسول الأعظم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم والذي يصادف يوم غد الاحد ذكرى ميلاده المبارك وعلى اساس الثوابت الالهية قواعد الحضارة الاسلامية وبنى مجداً وعزاً وعلماً لا يزال حتى يومنا هذا ينهل منه وتؤكد طروحاته انه المنقذ الوحيد للبشرية جمعاء .ومن هذا المنطلق نرى ان المؤرخ الاميركي الشهير "مايكل هارت" مؤلف كتاب "مئة رجل من التأريخ" يقول..ان اختياري لمحمد (ص) ، ليكون الأول بين أهم وأعظم رجال التأريخ ، قد يدهش القراء ، ولكنه الرجل الوحيد في التأريخ كله الذي نجح أعلى نجاح على المستويين : الديني والدنيوي . ولأنه أقام الى جانب دولة جديدة ، فإنه في هذا المجال الدنيوي أيضاً ، وحد القبائل في شعب ، والشعوب في أمة ، ووضع لها كلَ أسس حياتها ، ورسم أمور دنياها ، ووضعها في موضع الانطلاق الى العالم . أيضاً في حياته ، فهو الذي بدأ الرسالة الدينية والدنيوية ، وأتمهما .فيما يقول المفكر الفيلسوف الفرنسي "ألفونس دو لامارتن".. النبي محمد (ص) هو النبي الفيلسوف المحارب الخطيب المشرع قاهر الاهواء وبالنظر الي كل مقاييس العظمة البشرية أود أن أتساءل : هل هناك من هو أعظم من النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟؟.وفي هذا الاطار يرى الاديب البريطاني الشهير "هربرت جورج ويلز".. في النبي محمد (ص) أعظم من أقام دولة للعدل والتسامح، ولضيق المقال لا يسعنا التطرق لكل ما قيل في هذه الشخصية العبقرية الكبيرة ولكن نتساءل هنا ماذا فعل الصحابة مع الرسول الأعظم (ص) في حياته وبعد مماته وكيف أنهم نكثوا كل ما قال وأوصى به وماذا فعلوا بريحانته الوحيدة سلام الله عليها وبذريته عليهم السلام ووصيه الأوحد بلا فصل الامام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام ، من بعده.کما يصادف في نفس اليوم الشريف ذکرى ولادة الامام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام السادس من أئمة أنوار الهدى والتقى في المدينة المنورة في السابع عشر من شهر ربيع الاول سنة ثلاث وثمانين من الهجرة حيث ترعرع(ع) في ظلال جده الامام السجاد عليه السلام وأبيه الامام الباقر عليه السلام وعنه اخذ علوم الشريعة ومعارف الاسلام .وشكل الامام الصادق عليه السلام مع آبائه الطاهرين الميامين حلقات متواصلة مترابطة متفاعلة ، حتى تتصل برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فهؤلاء يشکلون مدرسة وتجربة حية تجسد الاسلام الاصيل وتطبق فيها احکامه وتحفظ مبادءه . فالائمة من اهل البيت عليهم السلام ورثوا العلم ابنا عن جد حتى ينتهوا الى علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قال رسول الله (ص) فيه : (أنا مدينة العلم وعلي بابها). وهو بذلك ينتهي الى رسول الله (ص) وهو الوارث لعلومه ومعارفه .
https://telegram.me/buratha