الصفحة الإسلامية

فلتكن رَاهن السجون


    الشموع الملائكية لا يغتالها الظلام، يلتهمها اللهب وتنير للعالم، تحترق لتشعل الطهارة، تضحي بنفسها قرباناً ليضوع المسك والنقاء، هكذا كان أبو الحسن الماضي (كاظم آل محمد)، هكذا كان حليف السجدة الطويلة يحمد الله على سجنه لتفريغه لعبادة ربه، إنه اعتكاف بمذاق مختلف مدته في يد الله وثوابه لا يعلمه غير الكريم، ولسان الحال يتمتم : (رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْه).

 

 

إنه صمود الروح، فالسجن مرهون في يد السجين، والسجان يقف كالأبله محتاراً في شأن سجينه، كلما تلوى السوط ذكر الله شاكراً وذاكراً، إنه مس من الجنون الإلهي الذي لا يفقهه إلا العاشق المتيم بخالقه، كان ذو الثفنات الغر يعيش الضياء الساطع رغم قعر السجون وظلم المطامير: (إلهِي خَشَعَتِ الاَصْواتُ لَكَ... وَمَلأَ كُلَّ شيٍ نُورُكَ)، فحلكة الغسق - في جنب الله - ليست إلا نوراً يتوقد : (وَمَلأَ كُلَّ شيٍ نُورُكَ).

 

لقد رهن السجون بين انامله فجعلها مسبحة في يده وسجادة لصلاته ومسجداً لسجوده وعبادته، (مَتى غِبْتَ حَتّى تَحْتاجَ اِلى دَليل يَدُلُّ عَليْكَ؟!) فالله في قلبه والتسليم يملأ خافقيه ووجدانه، أما في هذا الحديث تبصره لمعتقلي السجون وأسراء الكرامة؟! لقد كان صواماً قواماً يشد مئزره لتجارة لا تبور، التضليل في اوجه كان حتى أن نعشه ينادى عليه بنداء الاستخفاف فوق جسر الرصافة، فهل يستكين؟! أم يبقى الشكر والحمد لآلئ يتلألأ بها ثغره الشريف؟!

 

حق للسجناء أن يفتخرون بهذا الرمز الطاهر الذي يصر عشاقه على زيارته رغم المفخخات والقنابل والإرهاب الذي يترصدهم كل عام، في مثل يومه الأليم حق لنا أن نُتوجه يوماً عالمياً للسجناء الشرفاء، فكم في السجن من مظاليم؟!

 

إننا لا نطمع في مكرمة من يد سلطان، فالويل لتلك اليد التي تسجن الأبرياء ثم تتوشح برداء الكرم والسخاء، تباً للسلطات الآثمة التي ترهق البراءة خلف قضبانها، ألم يلقى يوسف الصديق في السجن رغم براءته؟! : (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا) على هذه البراءة، كان تساؤله مشروعاً ليفضح الطغمة التي أودعته السجن ظلماً وبهتاناً : (مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ)؟!، فالبينة تظهر لكن أصحاب السلطنة تصر على إيداع المظلوم في زنزانة المعتقل، إنه جبروت الضعفاء، رغم معرفتهم الحقيقة ومشاهدتهم للحجة الدامغة : ( ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّى حِينٍ)، إخفاء فضيحتهم كانت تستلزم سجن البريء، وهكذا يفعل المجرمون.

 

لا مخرج من تلك الأزمات إلا بالله، ومن طلب العون من غيره يطول مكوثه، (وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِينَ)، التكيف في مثل تلك الحالة أمر في غاية الأهمية، فاغتنام الفرص والحديث من أجل مدارسة العلم خير برنامج لعباد الله الصالحين: (يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)؟!، إلا أن الحرية خير نعمة وأجزل هدية للمعتقل المظلوم : (وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ)، فمن يقبل أن يكون مقيداً مدى الحياة؟!، فرج الله عن كل أسير وجعل الكرامة تاج فوق رؤوس الأحرار المنافحين .

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك