لم تتسرب بعد كافة أوراق معركة دمشق الثانية، فلا تزال أغلبها خاضعة لنطاق صارم من السرية لكونها تتضمن معلومات خطيرة قد تؤثر على الجماعات المسلحة التي تخوض معارك شرسة ضد نظام الأسد.
القسم الذي تسرب من دوائر الاستخبارات العسكرية في دمشق وموسكو وعمان وأنقرة، يقدم جزءً من الصورة، وهو جزء له أهميته البالغة، وقد شعرت الحكومة القطرية بحرج بالغ عندما بدأت أولى المعلومات تأخذ طريقها للنشر، والبداية كانت من صحيفة (أرغومينتي نيديلي) الروسية ثم تلتها صحيفة (الاندبندنت) البريطانية، وبعد ذلك توالت المعلومات، وإن كانت في حدود ضيقة حتى الآن، لكنها كافية لوضع الثوار السوريين في جو الغضب على قيادات الإئتلاف السوري الذي يجهل ما يدور على الأرض وتسبب بكارثة لهم فقدوا فيها فرصة نادرة لتوجيه ضربة قاصمة لنظام الأسد،
كما ان الغضب يشمل بطبيعة الحال رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم الذي أخفى معلومات مهمة تتعلق بموقف واشنطن من (جبهة النصرة) التي كان لها الدور الأبرز في المعارك الى جانب معلومات مضللة قدمها مساعدوه للثوار في ساعات حرجة.
المعلومات التي حصل عليها مراسل (المراقب) في عمان الزميل (أسعد بسيسو) تفيد بأن الجيش السوري تلقى معلومات استخبارية بداية الاسبوع الثاني من نوفمبر الماضي بأن الثوار يتحشدون لعملية حاسمة على دمشق تبدأ مع ساعات الفجر من أول أيام ديسمبر الجاري، وتم التأكد من هذه المعلومات بعد تدعيمها من قبل الاستخبارات الروسية التي اشارت تقاريرها بأن عدد المسلحين الذين يتجمعون في مناطق مختلفة من ريف دمشق سيزيد على عشرة آلاف مقاتل قبل بدء الهجوم.
وستكون الخطة بدخول مجاميع صغيرة الى دمشق للقيام بعمليات تفجيرية، فيما تتجه مجاميع أخرى الى (حرستا) و (دوما) لتهيئة الاجواء لحشود الثوار الأساسية، أي ان هاتين المنطقتين هما مركز الهجوم الرئيسي على دمشق، اضافة الى تفجيرات عشوائية في (جرمانا) لغرض تهجير اهلها وخلق حالة من الفوضى في دمشق، ومن ثم تمكين الثوار من السيطرة على (جرمانا) بسهولة.
أبلغ أحد مساعدي أمير جبهة النصرة (ابو محمد الجولاني) ضابط إرتباط تركي تعود صلته به لمعارك (أدلب) يستفسر منه ما إذا كانت الأمور تسير بشكلها الطبيعي من حيث المواقف الدولية الداعمة للهجوم على دمشق، وجاءه الجواب يؤكد انه استفسر من المسؤولين القطريين، فأبلغوه بأن قناة الجزيرة أعدت برنامجاً كاملاً للتغطية، وان التركيز سيكون على دور (جبهة النصرة) في الهجوم.
نشرت صحيفة «أرغومينتي نيديلي» الأسبوعية الروسية معلومات عن إحتمال تعرض دمشق لهجوم من قبل الثوار، مما أربك الحسابات الميدانية، فأجرى بعض قادة المجاميع المقاتلة اتصالات عديدة هذه المرة مع المسؤولين القطريين مباشرة، فأكدوا لهم أن الأجواء تساعد على الهجوم، وانهم بصدد حملة إعلامية قوية عن السلاح الكيمياوي السوري وامكانية استخدامه لخلق المزيد من الضغط على النظام، وهو ما حدث فعلاً.
نصحت الاستخبارات الروسية نظام الأسد بالقيام بحركة تنقلات مكشوفة لشاحناته لإيهام وسائل الرصد والاقمار الصناعية بأنها تقوم فعلاً بنقل الاسلحة الكيمياوية، بالاستفادة من الجو الاعلامي الذي بدأ يشغل وسائل الإعلام الدولية، وفي نفس الوقت القيام بهجوم استباقي لجر الثوار للمعركة قبل ان يستكملوا استعداداتهم، وهذا ما أكدته ايضا بعد ذلك الصحيفة الروسية.
تلا ذلك ان الجيش السوري قام باخلاء بعض المواقع في حركة تنقلات روتينية لقطعاته، وقد اشارت صحيفة (الأندبندنت) البريطانية الى ذلك بتحليلها ان هذه التنقلات هي إخلاء للمواقع الصغيرة التي لا يمكن الدفاع عنها من قبل الجيش السوري، لكن قناة الجزيرة عكست الخبر بشكل آخر، كان السبب في تضليل المقاتلين ودفعهم نحو التعجيل بالمعركة، فقد ذكرت (الجزيرة) ان هناك انشقاقات واسعة في صفوف الجيش السوري، وان الجنود والضباط السوريين اعلنوا انشقاقهم وانضمامهم الى صفوف الثوار، وبذلك اكتسب الثوار عزيمة اضافية لكنها ستكون ضدهم على الأرض.
وفيما كانت المعركة تقترب من الاندلاع، كانت الولايات المتحدة قد اتخذت قرارها بادراج جبهة النصرة ضمن التنظيمات الارهابية، وعندما أراد قادة الجبهة الاستفسار من القطريين عن صحة الموقف الأميركي، كان الجواب بأنها مجرد تسريبات إعلامية لا أساس لها من الصحة، كما أخفى القطريون معلومات حساسة حصلوا عليها وتفيد بأن خطة الهجوم قد انكشفت، وان الجيش السوري يستعد لهجوم استباقي، وكان دافع القطريين في حجب المعلومات عن الثوار، هو قرب موعد انعقاد مؤتمر اصدقاء سوريا في المغرب، وقد أرادوه مناسبة جيدة متزامنة مع معركة دمشق لكسب المزيد من التأييد الدولي، واستثمار المعركة سياسياً، لا سيما وان المخابرات الأردنية في تلك الساعات الحرجة كانت تسعى لإتخاذ قرار يقضي بنصيحة الثوار بتأجيل معركتهم وسحب مقاتليهم من أطراف دمشق. وقد وجد المسؤولون القطريون ان وصول النصيحة الاردنية الى الثوار، سيفسد كل شئ، وسيجعل من الأردن مصدر التعليمات الاول للثوار.
بذل رئيس الوزراء القطري الشيخ حمد بن جاسم جهوداً مضنية لتأجيل الإعلان الرسمي الأميركي بشأن جبهة النصرة لأسبوع واحد، خشية ان يتسبب الموقف الأميركي بانسحاب مقاتلي الجبهة من المعركة الحاسمة، وكان تبريره منطقياً في مثل هذه الظروف، أي انه طالما انكم ترونهم جماعات إرهابية محظورة فليواجهوا مصيرهم بالموت أو يحققوا لنا ما نريد.
قررت المخابرات الاردنية ايصال رسالة عاجلة الى الثوار بعدم بدء العملية بعد ان رصدت حالات قطع متكررة في اجهزة الاتصال الهاتفي في اطراف دمشق، فأجرت اتصالات مع الضباط الأتراك الذين اخبروا بدورهم المسؤولين القطريين، وهذا ما دعا الحكومة القطرية الى الإسراع باتصالاتها مع قادة الثوار تحثهم على التعجيل بالهجوم، مشيرة الى ان الحملة الأعلامية قد بدأت وان أي تأخير ليس في صالح خلق جو دولي ضاغط قد يسفر عن تدخل عسكري وقرارات مهمة لصالح الثورة. وقد استجاب عدد من قادتهم وبدأوا العملية قبل يومين من موعدها المقرر اي بدأوا المعركة فجر يوم الخميس التاسع والعشرين من نوفمبر.
وكانت المفاجأة التي اربكت الثوار هو قطع الاتصالات الهاتفية، فواجهت المجاميع المقاتلة حالة فوضى وارباك، وفقدوا التعليمات والتنسيق بين المجموعات والقيادات.
دارت اشد المعارك شراسة على بعد يتراوح بين 30 الى 40 كيلومتراً من دمشق، كما دارت معارك عنيفة في غوطة دمشق، وتكبدت القوات الثورية التي استطاعت ان تأخذ مواقعها في مشارف المطار وحران والعواميد والدلبة وببيلا والحجيرة خسائر كبيرة، لم يعلن عنها ولم تتضح اعدادها بعد، لكن الايام القريبة ربما ستكشف المزيد من أوراق هذه المعركة التي جازفت فيها قطر وأرادها الشيخ حمد بن جاسم نصراً شخصياً له.
معلومة اخرى تسربت يوم 13 من الشهر الجاري ، تفيد بأن المسؤولين القطريين سيخبرون قادة الثوار بأن لديهم مسعى في غاية الأهمية ويتوقف عليه مستقبل الثورة، وذلك بشن معركة دمشق الثالثة قبل نهاية العام الحالي مبررين ذلك بأن الولايات المتحدة تجري مفاوضات ساخنة مع الروس، وأن الإدارة الاميركية تنتظر أي تحسن في الموقف العسكري لصالح الثوار للضغط على روسيا في مفاوضات حاسمة ستجري مطلع العام الجديد.
https://telegram.me/buratha
