شكل تعيين الامير بندر بن سلطان رئيسا لجهاز الاستخبارات العامة في المملكة العربية السعودية، مفصلا في مسار التعامل الأميركي والسعودي مع عدد من ملفات المنطقة، نظرا للأدوار التي شغلها الرجل في مسيرته الديبلوماسية ـ الامنية والتي تخللتها محطات جعلته في موقع الرجل الأقوى لدى الادارة الاميركية والغرب وأحد النافذين في دوائر القرار السعودي.
الثابت أنه لم يكن بمقدور الأمير مقرن بن عبد العزيز ان يستمر في موقعه، اميركيا وسعوديا. وثمة تقييم سلبي لدوره طوال المرحلة الماضية سواء على مستوى الداخلي أو على مستوى الملفات التي يتحمل مسؤوليتها، في دول مجلس التعاون، وخاصة البحرين، فضلا عن ملفات ايران ولبنان وفلسطين وغيرها باستثناء ملف اليمن، وهو ملف شهد اخفاقات تتحمل مسؤوليتها وزارة الدفاع وليس جهاز الاستخبارات.
وتكفي جردة بسيطة لكي يصدر الأميركيون «حكمهم»، الذي لطالما كرروه على مسامع قيادة المملكة، قبل أن يتخذ الملك عبدالله قراره في اعقاب استقباله مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ديفيد بتريوس في التاسع من تموز المنصرم، بحضور مقرن وبندر (بصفته امين عام مكتب الأمن الوطني)، بالاضافة الى عدد آخر من المسؤولين الأمنيين السعوديين والأمير عبدالله نجل الملك السعودي.
يشير تقرير ديبلوماسي الى ان تعيين بندر، جاء في سياق ترتيبات داخلية سعودية يرتبط بعضها بملفات اقليمية وبعضها الآخر بأوضاع سعودية داخلية، وأبرزها الآتي:
أولا، هناك صراع غير خفي حاد على السلطة بين صقور ما تبقى من الصف الاول وبين صقور الجيلين الثاني والثالث من احفاد عبد العزيز، وقد برز ذلك بشكل حاد في اعقاب وفاة ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز وتعيين الامير نايف خلفا له في ولاية العهد، ومن ثم الأمير سلمان بن عبد العزيز خلفا للأخير بعد وفاته في حزيران المنصرم.
ثانيا، تشهد الادارة السياسية السعودية تجاذبات قوية ويجري الحديث عن تململ كبير بين الامراء من جهة وكبار الموظفين والعسكريين من جهة ثانية، في ظل شعور متعاظم لدى الفئة الثانية من وجود فوارق كبيرة بين مداخيلها وبين انفاق الامراء وابنائهم.
ثالثا، تشهد المناطق الشعبية المهمشة في الرياض وجدة حراكا شعبيا متناميا ضد السياسات الحكومية التي تميز بين الأحياء والمدن والمناطق.
رابعا، تشهد الجامعات السعودية وخاصة في الرياض وجدة تحركات طلابية عنوانها تكريس الحريات العامة لا سيما حرية التعبير والعمل السياسي، فضلا عن تصاعد الحركة المطالبة بالحد الأدنى من حقوق المرأة.
خامسا، هناك حديث عن اعتقال السلطات السعودية اكثر من ستة آلاف مواطن في الرياض وجدة تحديدا، اثر احتجاجات متتالية بلغت ذروتها مع التظاهرة التي قام بها ذوو واصدقاء الاستاذة الجامعية والناشطة السياسية الدكتورة وفاء اليحيى المعتقلة منذ ثماني سنوات في جدة حيث تركزت هذه التظاهرة امام وزارة الداخلية في المدينة.
وبحسب التقرير الديبلوماسي نفسه، فان السلطات السعودية «تحاول التعتيم على كل هذه الوقائع من خلال توجيه الانظار الى المناطق الشرقية حيث الاغلبية من لون مذهبي معين وحصر المشكلة في السعودية وكأنها انتفاضة يقوم بها ابناء المنطقة الشرقية حصرا بإيعاز من ايران ضد الحكم السعودي، وكل ذلك يندرج في اطار التغطية على ما يجري في المدن السعودية لا سيما الرياض وجدة التي تعتبر ثاني مدينة في المملكة، اضافة الى الحراك الذي يجري في الارياف البعيدة والنائية على امتداد المناطق السعودية والتي تفتقر الى ابسط مقومات البنى التحتية من طرقات وكهرباء».
ويوضح التقرير «ان السعودية اضافة الى مشاكلها الداخلية شديدة القلق من الاحداث المستمرة في البحرين لجهة الحراك الشعبي المتصاعد، والذي لا يقتصر على ابناء الطائفة الشيعية كما دأبت وسائل الاعلام على تصوير ذلك، انما هناك شريحة واسعة من ابناء الطائفة السنية الذين يرفضون فساد سلطة الملك في البحرين والتمييز الطائفي، يشاركون بفاعلية في الحراك، وهذا الأمر مقلق جدا للسعودية، خاصة وأنه بدأ يلقي صداه داخل البلاط الملكي بدليل المواقف المتصاعدة لولي العهد والتي تحذر من انزلاق البحرين الى حرب أهلية، فيما تكاد تنجح المعارضة في ايصال الملف البحريني الى مجلس الأمن الدولي للمرة الأولى منذ اندلاع الأحداث».
ويخلص التقرير الى ان بعض التغييرات في أجهزة داخلية «هدفها اعادة ترتيب الاوضاع الداخلية في المملكة أما المطلوب من بندر بالدرجة الأولى، فهو اعادة الاعتبار لدور جهاز الاستخبارات الخارجية خارج الأراضي السعودية، في ظل تزاحم الملفات الاقليمية وفي طليعتها مواجهة الملف النووي الايراني والنفوذ الايراني في لبنان والبحرين والعراق وفلسطين».
لبنانيا، يشير التقرير الديبلوماسي الى أن أي دخول للأمير بندر على خط الملف اللبناني، «لا يقود بالضرورة الى رؤية الجانب المتشدد، ذلك أن الرجل خبير بالمؤامرات والدسائس والصفقات والتسويات في آن معا، ولا يقارب الملفات بلغة ثأرية أو انفعالية، وأحيانا يعمل الشيء وضده، ولذلك، يصعب الافتراض مسبقا بنتائج امساكه بالملف اللبناني، علما أنه لم يكن بعيدا عنه في أي يوم من الأيام.. والأيام الآتية ستبين ذلك، علما أن ثمة حديثا متصاعدا عن تغييرات ستصيب مواقع ديبلوماسية سعودية في عدد من دول المنطقة ربما يكون أحدها لبنان».
https://telegram.me/buratha