د بلال الخليفة ||
ان العراق يعتمد في تمويل موازنته الاتحادية على الإيرادات النفطية بنسبة تصل حوالي الى 95 % أي ان العراق هو بلد ريعي، وكما نعلم ان سعر برميل النفط متغير لأسباب عديدة منها الامراض والجوائح مثل كورونا وانخفاضه لما دون الدولار وكذلك يتغير حسب الاحداث السياسية العالمية مثل الازمة التي حدثت في أوكرانيا والتي رفعت من أسعار النفط خشية حدوث نقص في امدادات النفط العالمية، وهكذا لبقية أسباب تغير سعر برميل النفط.
ومثلما اوضحنا سابقا ان الإيرادات العامة هي في معظمها إيرادات نفطية، فقد شهد العراق وفرة مالية نتيجة ارتفاع سعر برميل النفط حيث وصل في عدة أيام الى حدود 120 دولار وحجم صادراته النفطية لشهر حزيران الماضي بلغت 101 مليون و191 ألفا و236 برميلاً، فيما بلغ حجم الواردات 11,505 مليار دولار، وهو أعلى مورد مالي يحصل في تاريخ العراق لشهر واحد، حيث ان معدل سعر البرميل الواحد بلغ أكثر من 113,70 دولار.
وكما يوجد سبب اخر مهم ساهم في وجود الوفرة المالية وهو ان الحكومة الحالية هي حكومة تصريف الاعمال اليومية حسب المادة (64-ثانيا من الدستور)، وبالتالي ان الحكومة اقتصر عملها منذ الأول من شهر يناير كانون الثاني والى يوم نشر قانون الامن الغذائي بجريدة الوقائع العراقية، اقتصر على الصرف في باب الموازنة الجارية أي في أمور تصريف الحياة اليومية من رواتب وامور لوجستية وصيانة ضرورية والتي حددتها المادة رقم 13 من قانون الإدارة المالية العامة رقم 6 لسنة 2019 والتي حددت نسبة الصرف بـ (1/12) من العام السابق ، كما ان الفترة الماضية كانت خالية تقريبا من الصرف على المشاريع الاستثمارية، وهذا ساعد أيضا بوجود الوفرة المالية.
اما قانون الامن الغذائي الذي اقر مؤخرا والذي جاء لسد ثغرات عدم وجود موازنة عامة اتحادية لهذه السنة، والذي تضمن مشاريع استثمارية وخدمية وتعيينات وغيرها، المفروض انه دخل حيز التنفيذ بعد نشرة بجريدة الوقائع العراقية ذات العدد 4681 بتاريخ 4/ تموز / 2022، وبالتالي يتم صرف الأموال حسب المواد التي تضمنها القانون بالإضافة الى الأمور اليومية، هذا يعني ان الفائض في هذا الشهر او الأشهر القادمة سينخفض عن الأشهر المقبلة وللأسباب التي تم ذكرها سابقا.
خطوات العراق لاستغلال الفائض المالي تلخصت في ثلاث أمور وهي زيادة حجم الاحتياط من العملة الصعبة من الدولار ووصل المبلغ الى 72 مليار دولار، وكذلك استغل الفائض المالي من ارتفاع سعر النفط في سندات أمريكية، حيث أعلنت وزارة الخزانة الامريكية، يوم أمس الأربعاء المصادف 20/تموز / 2022، عن ارتفاع حيازة العراق من السندات الامريكية بأكثر من 4.5 مليارات دولار خلال شهر أيار الماضي، بنسبة 13.94 % لتصل الى 32.894 مليار دولار بعد ان كانت 28.310 مليار دولار في شهر نيسان الماضي. اما الخطوة الثالثة فكانت هي شراء الذهب، حيث أصبح مجموع ما يمتلكه العراق (130.39) طنًّا في المرتبة الثلاثين عالمياً والمرتبة الرابعة عربياً.
حيث كنا نتوقع ان تقوم بخطوات أخرى ومنها تقليل الدين العام سواء كان داخلي او خارجي وكذلك ان تؤسس الى صندوق سيادي يمتلك صلاحية منح القروض للأفراد والمستثمرين المحليين او الأجانب بفوائد وشروط تكون مشجعة وضامنة لتحريك الاقتصاد العراقي الداخلي، بل اجبار الشركات الاستثمارية النفطية بان تقترض من هذا الصندوق ووفق شروطنا.
وكما يوجد عامل اخر هو يقف بالضد من خطوات الثلاث انفة الذكر التي قامت بها الحكومة وهي ان العالم مقبل على تغيير كبير في مجال السياسة والاقتصاد وهو بزوغ قطب عالمي اخر وهو القطب الشرقي المتمثل بروسيا والصين، ولاحظنا ان الدول المجاورة للعراق وعت هذا الحدث جيدا خصوصا بعد الازمة الأوكرانية وبدأت تتحرك وفق تلك المتغيرات وعلى اقل تقدير انها بدأت بمسك عصى التعامل الاقتصادي من المنتصف ومن الأمثلة على ذلك هي السعودية، فلاحظنا انها قامت بخطوات ممتازة منها انها رفضت الطلب الأمريكي بزيادة انتاج النفط وعللت ذلك بسببين هما ان طاقتها الإنتاجية لا تسمح لها بزيادة الإنتاج اكثر من 13 مليون برميل يوميا والسبب الاخر انها ملتزمة بمقررات أوبك بلص والحصص التي تقررها، للعلم ان منظمة أوبك بلص يعني ان القرار يكون باشراك روسيا الغريم الكبير لأمريكا بعد الصين في العالم، والخطوة الثانية التي أقدمت عليها السعودية وهي التفاوض مع الصين (للعلم ان الدولة الأولى في توريد النفط للصين هي السعودية ويحتل العراق المرتبة الثالثة او الرابعة) في بيع النفط باليوان الصيني بدل الدولار الأمريكي، بل ذهبت بأكثر من ذلك وهي انها الان في صدد انشاء مصنع للصواريخ البالستية بمساعدة الصين وبالتالي انها لن تشتري الصواريخ مستقبلا من أمريكا.
الحدث الأخير هو القمة التي حدثت في طهران والتي شارك فيها الرئيس التركي والروسي والتي فيها عدة دلالات منها ان الاتراك يعون جيدا التغيرات المستقبلية للعالم والمنطقة وانهم يقفون على مسافة واحدة في الصراع الجاري في أوكرانيا وانهم أصدقاء القطبين الشرقي والغربي رغم ات تركيا هي عضو في حلف الشمال الأطلسي الناتو.
وبالتالي كان حري بالعراق يحذو على ما سارت عليه دول الجوار في اتخاذ سياسة وسطية للتعامل مع مجريات الاحداث العالمية والتغيرات الكبيرة التي يشهدها ويستغل هذا التغير في انشاء اقتصاد قوي مستغل امرين وهما الفائض المالي نتيجة ارتفاع أسعار النفط والثاني هو احتياج الدول العظمى للتحالفات ولمصادر الطاقة ببيع النفط مقابل اعمار وانشاء مشاريع استثمارية كبيرة لها مردود مالي واجتماعي من حيث امتصاص البطالة وتحريك الاقتصاد الداخلي، على ان يتم تمويل تلك المشاريع من صندوق سيادي يتم استحداثة.
ـــــ
https://telegram.me/buratha