بقلم/ ضياء المحسن ||
تستنزف الموازنة التشغيلية للدولة العراقية موارد النفط دون أية مردودات إنتاجية منظورة، وهذا عائد الى ريعية الموازنة، والتي سبق وأن نوهنا الى خطورتها، خاصة مع عدم قدرة الجهاز الحكومي المخطط على توظيف العوائد النفطية في مشاريع مدرة للدخل مقارنة بالنفقات الكبيرة وغير المبررة في أغلب الدوائر الحكومية، صحيح أن هذه النفقات تقوم بتحريك الاقتصاد العراقي، لكنها حركة في الجانب الإستهلاكي وليس الإستثماري، بالتالي فهي تستهلك الفوائض النفطية دون الحصول على ما يؤثر في الجانب الإستثماري.
المشكلة الأساسية التي يعاني منها الاقتصاد العراقي هي التشوه في العقيدة الاقتصادية التي يسير عليها، ففي الوقت الذي يتحدث الدستور عن إنتهاج نظرية إقتصاد السوق، فهو يمارس في نفس الوقت دكتاتورية الاقتصاد الموجه، فالدولة هي من يحتكر المعامل الإنتاجية (إن وجدت) ولا تفسح المجال أمام القطاع الخاص لأن يتحرك داخل الاقتصاد العراقي ويضخ الأموال التي يمتلكها في جسد هذا الاقتصاد.
بالمقارنة مع إقتصادات دول الجوار العراقي نجد أن رأس المال البشري كبير ويمتلك القدرة على إدارة مفاصل مهمة في الاقتصاد العراقي يمكن من خلالها تنويع مصادر الدخل، بملاحظة إننا نتحدث عن قنبلة موقوتة في حال عدم حصولها على فرصة عمل تستطيع من خلالها تأمين لقمة العيش لمن تعيلهم، ناهيك عن تأثير هذه الفئة في مستقبل التنمية الاقتصادية، لكننا نجد أن هذا غائب تماما عن واضعي السياسة الاقتصادية في العراق، الأمر الذي يجرنا مرة أخرى للحديث عن ضرورة تفعيل دور القطاع الخاص لإبعاد شبح إستيلاء القطاع الحكومي على مفاصل مهمة في الاقتصاد دون إنتاجية تذكر.
اليوم الإرتفاع في أسعار النفط في الأسواق العالمية منح بعض الطمأنينة لدى الحكومة، لكنه مؤقت لأنه سيزول حتما مع زوال مسببات هذه الإرتفاعات، مع الأخذ بنظر الإعتبار أن القطاع الإستخراجي لا يشكل عدد العاملين فيه إلا نسبة ضئيلة قياسا بالعاملين في القطاع الزراعي أو القطاع الصناعي وحتى قطاع الصناعات التحويلية، والتي من الممكن أن ترتفع مساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي في حال وجود تشجيع سواء لأصحاب رؤوس الأموال أو للعاملين في هذه القطاعات.
بالنسبة لأصحاب رؤوس الأموال فهم بحاجة الى ضمانات تسمح لهم بالعمل بدون أي ضغوطات، خاصة الضغوطات التي يصاحبها ترهيب بالسلاح، ما يتطلب تأمين الحماية لهؤلاء، بالإضافة الى توفير القروض الميسرة والمشروطة بتشغيل عدد من العاملين المسجلين في قاعدة البيانات لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية، بالإضافة الى تشريع قانون للعمل والضمان الاجتماعي شبيه بقانون الضمان الاجتماعي للعاملين في القطاع الحكومي، ومراقبة هذه المشاريع للتأكد من تشغيل هؤلاء العاملين.
إن الإيرادات النفطية الفائضة هذا العام تشكل ضعف ميزانية العام الماضي، من هنا فالضرورة تحتم على الحكومة أن تقوم بتفعيل الصندوق السيادي، وتفعيل سوق العراق للأوراق المالية لجذب الإستثمارات المباشرة دون الإستثمار غير المباشر لما للأول من دور في تمويل مشاريع التنمية، بالإضافة الى الحث على تنشيط قطاع الخدمات وقطاع السياحة من خلال دعم شركات السياحة المحلية على التواصل مع شركات السياحة الأجنبية لأنها تعطي زخم كبير لتعريف العالم بالعراق.
https://telegram.me/buratha