د بلال الخليفة ||
1 - مقدمة
يعد الدولار الامريكي من أهم العملات في الاقتصاد العالمي، فهو بمثابة حجر الأساس الذي تقوم عليه اسعار السلع الاساسية والنفط على وجه الخصوص، في السوق المالي، فهيمنة الدولار الأمريكي في التجارة الدولية كسلعة العملات تتيح له الفرصة بأن يكون بمثابة العملة المحورية في ترتيبات أسعار الصرف لكثير من البلدان وفي كل منطقة.
فالنفط له قيمة حقيقية واخرى اسمية يمكن على اساسها معرفة التغيرات الحقيقية فاذا حدث انخفاض في قيمة الدولار فمن الضروري ان يصاحبه ارتفاع في اسعار النفط الاسمية حتى تحافظ على قيمتها الحقيقية والعكس صحيح وهذا ما يعني ان لقيمة الدولار قدرة شرائية تخضع على اساسها اسعار النفط خاصة إذا علمنا ان الدولار هو الاكثر تداولا في مختلف انحاء العالم. وعلى إثر ذلك وضعت العديد من الدراسات والتي بينت أن كل من الدولار وسعر النفط يتحركان في اتجاهين متعاكسين بمعنى ان ارتفاع الدولار سيؤدي الى انخفاض سعر البرميل النفطي والعكس صحيح، وذلك نتيجة عدة اسباب من بينها اهداف الشركات النفطية، والعوامل الجيوسياسية، والموارد الطاقوية البديلة، والمضاربين...إلخ.
2 - العلاقة بين سعر الصرف وسعر البرميل
ان العلاقة بين الاثنين لها عدة نظريات، النظرية الأولى وهي تعتبر ان العالقة بين الاثنين هي علاقة أحادية الجانب، أي ان سعر صرف الدولار يؤثر على سعر البرميل النفطي والعكس غير صحيح أي ان التغير في سعر البرميل النفطي لا يؤثر بتغير سعر صرف الدولار. النظرية الثانية ترى ارتفاع أسعار الـنفط الخـام تسـبب خفض الدولار بسبب زيادة العجز في ميزان المدفوعات الأمريكي، أي سببية معكوسة. امـا وجهـة النظر الثالثة فقد توصلت إلى وجود علاقة سببية متبادلة بين أسعار النفط وسعر صـرف الـدولار.
ان انخفاض قيمة الدولار، يؤدي إلى رفع أسعار النفط، يسهم ارتفاع أسعار النفط في خفض الدولار بسبب ارتفاع فاتورة واردات النفط الأمريكية وزيادة العجز في ميزان المدفوعات.
ان أفضل مثال حول ارتباط سعر صرف الدولار بسعر برميل النفط هو ما حدث في نهاية 1970، فبعد أن عرف الاقتصاد الامريكي تضخما كبيرا وتراجعا في نسبة النمو الاقتصادي بسبب زعزعة الثقة في الدولار، ليتأكد عدم قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الالتزام بتحويل الدولار إلى الذهب، مما أدى إلى زيادة الطلب على الذهب وما نتج عنه من مضاربات على الدولار. وفي يوم الأحد 15 أغسطس 1971 أعلنت الحكومة الأمريكية على لسان رئيسها "ريتشارد نيكسون" عن إيقاف التحويل بين الذهب والدولار، وهكذا أغلقت نافذة التحويل إلى الذهب ومعها انهارت دعامة نظام بريتون وودز، حيث انخفضت قيمة الدولار بنسبة (%8) مقارنة بالذهب غير ان هذا الانخفاض استمر الى غاية 1973, مما قابله ارتفاع ملحوظ في أسعار النفط في تلك الفترة والتي انتقلت من 1.8 دولار للبرميل الى 12.38 دولار للبرميل الواحد من النفط، وعليه يمكن القول ان سياسة الولايات المتحدة الامريكية كان لها الأثر الأكبر على تحركات اسعار النفط.
معظم الكتاب وبالباحثين يعزون سبب ارتفاع سعر برميل النفط آنذاك الى امرين وهما حركات التأميم في منطقة شرق اسيا وكذلك الى حدث مهم وهو استخدام النفط كسلاح في الحرب مع إسرائيل.
كنا نظن ان قرار مقاطعة الغرب نفطيا واستخدامه كسلاح في الحرب العربية الإسرائيلية هو قرار عربي ناتج عن مسؤوليتهم تجاه فلسطين، لكن الحقيقة تجانب ذلك وتظهر لنا أمور أخرى، بعد حرب السادس من تشرين الأول/اكتوبر 1973، اتفق هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكية، مع ملك السعودية "فيصل بن عبد العزيز" على زيادة أسعار النفط (عملاً بقرارات مجموعة بيلدربيرغ)، لكي:
1 - يُصبح مُعادلا لسعر النفط الأمريكي (نفط تكساس) استجابةً لطلب منتجي النفط الأمريكيين الذين يتذمرون من انخفاض سعر النفط الخليجي، ومن منافسته النفط الأمريكي في السوق الدّاخلية الأمريكية،
2 - واشترط كيسنجر بيع النفط الخليجي بالدولار الأمريكي حَصْريًّا، لان العالم يعاني من صدمة نيكسون التي اوضحناها سابقا.
3 - وإيداع العائدات بالمصارف الأمريكية واستثمارها في سندات الخزانة الأمريكية، وبالمُقابل تتعهد الولايات المتحدة بحماية حكم أُسْرة آل سعود والأُسَر المُتحكّمة بالخليج.
4 – صرف انظار العالم عن صدمة نيكسون وهي عدم وجود غطاء بالذهب للدولار الأمريكي، والهائه بصعود أسعار السلع نتيجة انقطاع النفط العربي وبالتالي يتوجه الغرب نحو أمريكا المنتج الكبير لتعويض ذلك النقص.
اما الربط بين التضخم وسعر البرميل هو كالاتي، فعندما تنخفض قيمة الدولار مقارنة بالعملة الاوربية يورو. تنخفض مع ذلك القيمة الشرائية لعائدات النفط للدول المصدرة، في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار السلع والخدمات المصدرة من قبل الدول الصناعية وخصوصا السلع التي تدخل في صناعة النفط ومنتجاته. ولتعويض هذا العجز ترفع أسعار النفط من قبل الدول المنتجة له.
مثال
لو افترضنا أن الدولار يساوي اليورو، وأن سعر النفط 80 دولارا للبرميل، فإن سعر النفط مقدراً باليورو يكون 80 أيضاَ. ولو افترضنا سعر ساعة سويسرية هو 800 يورو، فإننا نحتاج في هذه الحالة إلى تصدير عشرة براميل من النفط لشراء هذه الساعة (80 دولار أو يورو * عشرة براميل = 800). فإذا انخفض سعر الدولار بالنسبة لليورو بحيث أصبح كل يورو يساوي دولارا ونصف وبقيت أسعار النفط على حالها عند 80 دولارا للبرميل فإننا نحتاج إلى 1200 دولار لشراء هذه الساعة، أو 15 برميلا من النفط (15 برميل × 80 دولارا = 1200 دولار = 800 يورو). في هذه الحالة انخفضت القوة الشرائية لصادرات النفط بسبب انخفاض الدولار لأننا نحتاج إلى تصدير 15 برميلا لشراء الساعة نفسها التي كنا نشتريها سابقاً بعشرة براميل.
https://telegram.me/buratha