محمد شريف أبو ميسم
خلال اقامتي في احد البلدان العربية، لفت نظري أحدهم وهو صاحب مشروع تجاري لبيع خدمات التوصيل، انه اذا أراد تشغيل موظف أو عامل جديد في المشروع، فانه يضع في الحسبان معادلة مفادها ، ان قيمة انتاج هذا العامل يجب أن تزيد أو تساوي على أقل تقدير اجور العامل نفسه مع ما يترتب على زيادة نشاط الشركة، بمعنى ان العامل حين يأتي للعمل سيتولى سداد أجوره بنفسه على أقل تقدير علاوة على ما يزيد من نشاطه لصالح صاحب المشروع. وهذا المنطق الرأسمالي يشبه الى حد ما، ما يطلق عليه بـ"فائض قيمة العمل"، اذ يأتي الربح الحقيقي من سلعة عمل العامل، بوصفه فائض قيمة يحصل عليها صاحب العمل وليس من التبادل التجاري للسلع المنتجة، لأن رفع سعر أي سلعة ينسحب وبالضرورة في التبادل على السلع الأخرى باعتماد معادل ثابت (هو في العادة الذهب) ، وتبقى السلعة الوحيدة التي تدر الربح هي فائض قيمة عمل العامل، وهذه المقاربة يمكن أن تتبلور بشكل آخر، اذا تجردنا قليلا من الجري وراء مفاهيم ليبرالية السوق، وعدنا لنعتبر ان الدولة بتشكيلاتها هي المالك الأصلي للأرض والمياه والريع النفطي، ومن حقها الاستثمار في سوق العمل العراقية مثلما هو حق أي مستثمر آخر، وفرصة الدولة بوصفها مستثمر أن تحقق أرباحا كبيرة من فائض قيمة العمل في سوق عمل متخمة بالأيدي العاملة الرخيصة بعد خفض سعر صرف الدينار وارتفاع معدلات التضخم العالمية على اثر الحرب في أوكرانيا، فرصة كبيرة ، قد تؤهلها لابتلاع الطلب المحلي في بيئة تنافسية يمكن أن تحتكر لصالحها في ظل حاجة السوق المحلية والارتفاع المتواصل في عدد السكان. وهنا قد يعترض بعض المعنيون بالشأن الاقتصادي، على محتوى الفكرة في ظل الزام العراق بشروط الاصلاح الاقتصادي وسعي الجهات الدولية وحكوماته المتعاقبة لجعل العراق ضمن منظومة الاقتصاد الحر، وهنا لا نختلف اذ سعت الارادات المتحكمة بالمشهد العراقي لخصخصة وظائف الدولة، وما نحتاجه في هذه الفكرة ليس أكثر من رؤية قانونية تقدم الدولة بوصفها شركة استثمارية في مشهد اقتصاد السوق. أما ما يقال بشأن الآلة بوصفها المنافس الرئيس للأيدي العاملة بعد تطور التقانات واحلال تكنلوجيا المعلومات في العمليات الانتاجية، الأمر الذي يجرد العامل من سلعة العمل. فان ثمة قطاعات تحتاج للعنصر البشري أكثر من الآلة، كما في مشاريع بناء المدن، اذ يشغّل قطاع البناء أكثر من أربعين مهنة في مراحل الأعمال المدنية والتشطيبات وما بينهما، وبعض المشاريع الزراعية العملاقة بجانب مشاريع الحرف والمهن الساندة في الأحياء الصناعية، علاوة على المشاريع الصغيرة والمتوسطة.