د . بلال الخليفة ||
مر عام على قرار الحكومة العراقية برفع قيمة بيع الدولار الأمريكي مقابل الدينار العراقي، فكان سعر بيع الدولار الأمريكي هو 1182 دينار عراقي وأصبح 1460 دينار عراقي، وللعلم ان المسؤول علن قيمة الصرف والسياسة النقدية هو البنك المركزي العراقي، لأنه من يبيع الدولار والعملة الصعبة للمصارف وشركات الصيرفة والوسطاء.
وبعد ذلك اقر البرلمان على قانون الموازنة العامة الاتحادية للسنة المالية 2021 ذي الرقم 23 لسنة 2021والتي تضمنت سعر صرف الدولار الأمريكي بالقيمة الجديدة، في المادة (أولا-ب)، وحيث تم رفض اعتراض بعض النواب على سعر الصرف باعتبار إن تغيير السعر ليس من صلاحيات مجلس النواب، بل إن البنك المركزي يمتلك الاستقلالية التامة في رسم وتنفيذ سياسـته النقديـة وحسب قانونه الجديد رقم ٥٦ لسنة ٢٠٠٤ والذي أتاح له الاستقلال المالي والإداري والقانوني.
حيث نص القانون في المادة (16-ب) على الاتي:
(صياغة سياسات من شأنها تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسة النقدية بما في ذلك سياسة سعر الصرف والقيود المفروضة على العمليات التي يقوم بها البنك المركزي العراقي في السوق المفتوح والسياسات الخاصة بنسبة الفائدة التي تفرض على تدبير الأموال للقطاع المصرفي، وكافة أشكال ومستويات الاحتياطي الذي يطلب من المصارف الحفاض عليها، إلا أن المجلس لا يكون له سلطة الانضمام إلى نظام لسعر الصرف الثابت مثل اتحاد نقدي أو مجلس عملة)
• ولاية المحكمة الاتحادية عليه
أما في المادة (63-4) نص بعدم اختصاص المحكمة الاتحادية بإجراءات البنك المركزي فيما يخص يعر الصرف والنص هو:
(لا تختص المحكمة بمراجعة قرارات أو إجراءات البنك المركزي العراقي بشأن تطوير السياسة النقدية وتنفيذها بما في ذلك سياسة سعر الصرف الأجنبي).
• علاقة مجلس النواب بالبنك المركزي العراقي
اشترط قانون البنك المركزي العراقي رقم (56) لسنة 2004 في تعيين المحافظ ان يكون حاصلا على "شهادة جامعية في الأقل وأن يكون لديه خبرة مهنية طويلة ومن ذوي الاختصاص في الحقول المصرفية أو الاقتصادية أو المالية أو التجارية أو القانون (م12/1). ويكون بدرجة وزير ويعين باقتراح رئيس مجلس الوزراء ومصادقة مجلس النواب (م13/أ). مما يعني ان لمجلس النواب الدور الفاصل في تقرير من يتولى إدارة البنك المركزي العراقي.
حيث لا يوجد نص صريح حول خضوع البنك المركزي لمجلس النواب لكن محافظ البنك هو بمنصب وزير ويعامل معاملة الوزير وان لمجلس النواب التصويت علية ومسائلته أيضا وبالتالي يستطيع مجلس النواب محاسبة الانحراف او القرارات السيئة ان وجدت من قبل البنك المركزي العراقي.
• من النقاط التي من المهم توضيحها هنا هي:
إن القرار جاء بطلب من وزارة المالية إلى البنك المركزي العراقي، إنه جاء بطلب من الحكومة العراقية وهذا يعني إن الحكومة تدخلت في عمل البنك المركزي العراقي وهذا يعارض المادة (16-ب) التي ذكرناها في أعلاه.
كما إن القرار تم اتخاذه بين الحكومة والقوى السياسية الفاعلة
الدستور العراقي تحدث عن هيئات متعددة ربط البعض منها السلطة التنفيذية، أما البنك المركزي والمفروض ان يكون خاضع لجهة معينه وبالأخص هي البرلمان أي السلطة التشريعية ممثلة بمجلس النواب، لان ارتباطه بالحكومة غير صحيح وكما رأينا في الحقب الماضية. لكن عضو اللجنة المالية النائب د. ماجدة التميمي يوم الثلاثاء ١٦/٣/٢٠٢١، صرحت أن تغيير سعر صرف الدولار ليس من صلاحية اللجنة المالية.
لاحظ الجميع ان القرار خلّف أضرارا واضحة على شرائح مهمة من الشعب العراقي لاسيما الطبقتين المتوسطة والفقيرة وأدى ذلك إلى ارتفاع أسعار البضائع الاستهلاكية في الأسواق المحلية وزاد من معاناة المواطن البسيط بسبب ارتفاع قيمة المواد في السوق المحلي بنسبة تتراوح 23% وبالتالي هو أضر بأكثر من 60 % من العراقيين.
• كان في وقتها للحكومة العراقية عدة مبررات وهي:
1- تعزيز الميزانية المالية من خلال توفير ما قيمته 23% من رواتب الموظفين الذين يتقاضون رواتب من الحكومة مثل المتقاعدين والأجراء اليوميين.
2- أن الحكومة من الممكن إن توفر ما بين 20 إلى 23 تريليون دينار نتيجة انخفاض القيمة الحقيقية لرواتب الموظفين، مما ارتد بالنفع على الموازنة التشغيلية والاستثمارية في البلاد.
3- ارتفاع حجم الاحتياطي النقدي في البنك المركزي أو الاحتفاظ بالاحتياطي الحالي.
4- دعم الصناعة والزراعة.
5- تقليل المبيعات للعملة الصعبة في مزاد الأوراق النقدية وبالتالي تقليل خروج العملة الصعبة خارج العراق.
• اما سلبيات القرار
1- ارتفاع مجمل الأسعار في البلاد، على سبيل المثال أن أسعار العقارات ارتفعت بنحو 50%، فضلا عن أن بعض المواد الغذائية ارتفعت أسعارها بأكثر من 23%.
2- ارتفاع نسبة البطالة ومستوى التضخم لأرقام كبيرة لم يشهد العراق لها مثيلا منذ عام 2003.
3- ارتفاع معدل التضخم السنوي بنسبة 8% في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مقارنة بالشهر ذاته من العام الماضي 2020.
4- فقدان العراقيين الثقة بالحكومة بما انعكس على ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية بنسبة أكبر بكثير من تغيير سعر الصرف.
5- تراجع قيمة إيرادات الشعب العراقي في القطاعين العام والخاص بنسبة 23%
6- عودة معدل المبيعات في سوق الأوراق النقدية الى سابق عهدها حيث اعلن البنك المركزي ان المبيعات للدولار ليوم 21/12/2021 وصل الى 197 مليون دولار.
• مناقشة الموضوع
1 –للعلم أن 90% من احتياجات العراق الاستهلاكية مستوردة، وأنه كان على الحكومة إعفاء المواد الخام (غير المتوفرة محليا) الداخلة في الصناعة المحلية من الضرائب والجمارك، وبالتالي تخفيف العبء على المواطن العراقي.
2 -أن زيادة الاحتياطيات بما يقدر بـ 15 مليار دولار خلال العام الحالي لم تأت نتيجة تغيير سعر الصرف، وإنما بسبب انتعاش أسعار النفط عالميا، وبالتالي إن أحد التبريرات التي تحجج بها البنك المركزي قد تلاشت.
3 – أما نقطة دعم الصناعة والزراعة، ففيها شقين
أ – ان جزء من الصناعة معتمد على المواد الأولية التي تستورد من الخارج وبالتالي فقد أضر القرار بالصناعة المحلية.
ب – ان إعفاء البضائع من الكمرك والضريبة واقصد الاتفاقية مع الأردن، قد أضرت الصناعة المحلية وجعلتها غير قادرة على التنافس مع المستورد.
4 – ان أحد الأهداف من هذا القرار هو تقليل العجز، واحد سبل تلك العملية هو تعظيم الإيرادات وخصوصا غير النفطية، وان الإعفاءات المتكررة على البضائع والسلع من الكمر كاو الضريبة قد أخل بهذا الهدف.
5 – ان القرار كان من قبل الحكومة وبموافقة معظم الكتل السياسية ومصادقة البرلمان على الموازنة العامة الاتحادية التي تضمنت السعر الجديد وبالتالي هم من يتحملون مسؤولية ذلك.
6 – ان تابعية البنك المركزي للحكومة هو غير صحيح ولا يوجد، لكن هل هو خاضع لمراقبة او إشراف البرلمان العراقي، الموضوع غير واضح ويجب ان يتم تحديد ذلك.
• الخلاصة
ان القرار كانت فيه بعض فوائد بالنسبة للحكومة مثل رفع الاحتياطي من العملة الصعبة الى 64 مليار دولار كذلك فيه سلبيات في الاقتصاد العراقي مثل ارتفاع التضخم الى نسبة 8.4 % حسب تصريح وزارة التخطيط يوم 22-12-2021، لكن في نفس الوقت أضر بكثير من المواطنين وهم من طبقتي الفقيرة والوسطى، وزادت في البطالة والفقر.